مع اندلاع شرارة الثورة السودانية قبل أشهر قليلة كان الشعور بأن الإخوة الثائرين هناك يتحسسون خطواتهم ويرتبون بدقة وحرص أولويات مطالبهم كى لا يقعوا فى هفوات من سبقوهم بالمنطقة إلى الثورات. واتضح أن أهلنا بالجنوب استوعبوا دروس الثورات السالفة (من الجلدة إلى الجلدة) على رأى القول الشعبى الدارج، لكن قد تأتى درجة الاستيعاب القصوى للدرس بنتائج عكسية فى بعض الأحيان! فمن فرط حرص الإخوة بالسودان على عدم السقوط فى أى خطأ يحيد بثورتهم عن الطريق الذى ارتضوه نراهم يواصلون حتى آخر لحظة الاعتصام أمام مقر الجيش والمنشآت الحيوية بالرغم من سقوط البشير وقيام سلطة انتقالية وتعهدات من الحكام الجدد بتسليم السلطة للمدنيين خلال عامين. ربما يكون لثوار السودان الرغبة فى استلهام نجاحات الثورات العربية وأن يتجنبوا فخاخ بعض أخطائها، لكن ينبغى عليهم توخى الحذر وعدم استعجال تحقيق بعض المطالب التى يرونها لا تقبل التأجيل مثل إقصاء كل رموز مرحلة البشير توطئة لإقامة نظام سياسى جديد على أنقاض مرحلة غابرة أغرقت البلاد فى حالة مزرية من الفساد والفشل على جميع الأصعدة. من وجهة نظرنا المبنية على مشاهدات سلبية من الثورات العربية أن سياسة (الإقصاء) العاجل والشامل تفضى إلى فراغ سياسى يدفع القوى الأكثر خبرة فى المعترك السودانى وهم الإخوان للخروج من الجحور وإعادة فرض نفوذهم على الساحة السياسية استكمالا لمسيرة 30 عاما نجحت خلالها (الجماعة) فى جعل البشير أداة لتحقيق مصالحها. الإخوان سيستغلون فراغ المشهد من قوى سياسية حقيقية قادرة على جمع شتات الأحزاب والمعارضة والشباب، للتلون ومحاولة اختراق الساحة من جديد وفق لعبة استبدال الأقنعة التى يجيدها أنصار (الجماعة) للحفاظ على مصالحهم. الثورة السودانية يمكن أن تكون نبراسا لثورات قادمة إذا ما بادرت أولا إلى تفكيك النظام القديم أولا دون الاكتفاء بإقصاء رموزه مع الشروع فى إصلاحات جذرية لقواعد البنية السياسية تمنع عودة الوجوه القديمة وهو أمر يحتاج إلى إرادة وطنية حقيقية من جانب الحكام الجدد. [email protected] لمزيد من مقالات شريف عابدين