أسعار اللحوم والدواجن اليوم 17 مايو    الشرطة الأمريكية تفض اعتصاما داعما لغزة بجامعة ديبول في شيكاغو (صور)    رد مفاجئ من «نتنياهو» على حقيقة استقالته بعد خلافات مع بايدن.. ماذا قال؟.. عاجل    «القاهرة الإخبارية»: جالانت يشدد على ضرورة حماية المدنيين في رفح الفلسطينية    قلق في إسرائيل بعد إعلان أمريكا التخلي عنها.. ماذا يحدث؟    «الأرصاد» تحذر من طقس ال 6 أيام المقبلة.. تعلن عن الأماكن الأكثر حرارة    مواعيد القطارات الجمعة على خطوط السكك الحديد    مهرجان إيزيس لمسرح المرأة يكرم مبدعات المسرح العربي    نجوم الفن يحتفلون بعيد ميلاد عادل إمام.. «شكرا يازعيم»    يوسف زيدان : «تكوين» استمرار لمحاولات بدأت منذ 200 عام من التنوير    بسمة وهبة عبر: يجب إعداد منظومة لمعرفة خط سير كل سائق في «أوبر»    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    الأزهر للفتوى يوضح سنن صلاة الجمعة    موعد مباراة ضمك والفيحاء في الدوري السعودي    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    بسبب زيادة حوادث الطرق.. الأبرياء يدفعون ثمن جرائم جنون السرعة    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    الاستخبارات العسكرية الروسية: الناتو قدم لأوكرانيا 800 دبابة وأكثر من 30 ألف مسيرة    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    أضرار السكريات،على الأطفال    هل يشارك لاعب الزمالك في نهائي الكونفدرالية بعد وفاة والده؟    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    بعد قفزة مفاجئة.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    من أجل بطاقة السوبر.. ماذا يحتاج برشلونة لضمان وصافة الدوري الإسباني؟    فودة ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل أبو جالوم    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    باسم سمرة يُعلن انتهاءه من تصوير فيلم «اللعب مع العيال» (صور)    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيون سعاد

من شدة إحساسها بالقهر انهارت بعد تصوير مشهد الاغتصاب في الكرنك
بها براءة بقدر ما بها من غواية، حزن وفرحة، طيبة وغضب، حب واحتواء وشقاوة و.. و.. و.. إنها عيون سعاد التى إن نظرت لك نظرة أنثى تحتمى بك ستشعر بأنك الزناتى خليفة من فرط رجولتك، وإن نظرت لك نظرة انتقاص ستجعل عرقك مرقك من فرط الارتباك وستتمنى لوانشقت الأرض وابتلعتك، وهى قادرة على تعريتك كما ولدتك أمك إن قالت لك بعينيها «بانوا بانوا بانوا على أصلكوبانوا». هى عيون كما وصفها الشاعر الكبير كامل الشناوى «كل عين من عيون سعاد هى شفاه تبتسم»، وأقول إن كل نظرة منها حياة.
الحقيقة
العينان نصف رأس مال الممثل وأحيانا رأس ماله كله، وبالنسبة لسعاد حسنى كانتا -على عبقريتهما- شباكين نطل منهما على براح لا نهائى، هومساحة الصدق الشديد الذى كانت تؤدى به أدوارها، لدرجة خلق حالة من التوحد بينها وبين هذه الأدوار -أيا كانت نوعية هذه الأدوار-. يقول الممثل الأمريكى الأسطورى آل باتشينوعلى لسان شخصيته الأثيرة طونى مونتانا فى فيلم « Scarface» «أنا دائما أقول الحقيقة حتى حينما أكذب». وهكذا فى رأيى سعاد حسنى، كانت دائما تقول الحقيقة، ولن أقول «حتى» بل أقول «خصوصا» حين تمثّل.. «كنت أبص فى عينيها ألاقى دايما الشخصية اللى بتمثلها مش سعاد، دايما تلاقيها فى حالة معايشة، فتفجر عندك ينابيع ما تخطرش على بالك (..) الممثل دايما جوّاه حد بيراقب تمثيله، فيه جزء بارد بيراقب، وجزء ساخن بيعايش الشخصية والمشهد والأفكار اللى الكاتب عايز يوصلها، الجميل فى سعاد إنها بتساعد الممثل اللى قدامها، فى نفس الوقت اللى هى بتعايش شخصيتها بكل خلجاتها. هكذا وصف أحمد زكى سعاد حسنى التى عمل معها فى 4 أفلام هى «شفيقة ومتولى»، «موعد على العشاء»، «الدرجة التالتة»، وأخيرا «الراعى والنساء» بجانب مسلسل «هو وهى».. فى العام 1996 قرر مسئولو مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته العشرين الاحتفال بمرور 100 سنة على أول عرض سينمائى فى مصر فى احتفالية حملت عنوان «100 سنة سينما»، وقرروا توثيق ذلك الحدث بإجراء استفتاء بين أكثر من 100 من السينمائيين والنقاد ليختاروا أفضل 100 فيلم فى هذه الأعوام، وجاءت نتيجة الاستفتاء لتقول إن ثمانية من بين هذه الأفلام المئة كانت من بطولة سعاد حسنى، ولم تسبقها إلا سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التى كانت بطلة لعشرة من هذه الأفلام، وبغض النظر عن ملابسات الاختيار، فإننى سأحاول فى هذا المقال الغوص فى عيون سعاد من خلال مشاهد معبرة من هذه الأفلام الثمانية فى قائمة المئة، قبل أن أسجل ملحوظات عامة عن تلك الأفلام.
الشفقة والشجن
أول الأفلام ونال المرتبة الثامنة عشرة فى القائمة فيلم «القاهرة 30» (1966) للمخرج صلاح أبوسيف عن قصة لنجيب محفوظ، وسيناريوصلاح أبوسيف وعلى الزرقانى ووفية خيرى، وحوار لطفى الخولى، وأدت فيه سعاد شخصية «إحسان شحاتة»، ولا حاجة لذكر القصة التى نحفظها جميعا، ولكن يهمنى الإشارة إلى مشهد واحد أدّته إحسان شحاتة التى تلبست جسد سعاد حسنى، فبعد زواجها من محجوب عبدالدايم (حمدى أحمد) الذى رضى أن يقوم بدور الستار الشرعى لعلاقتها غير الشرعية مع قاسم بك (أحمد مظهر)، وهى معادلة رغم شذوذها وغرابتها فإن جميع الأطراف قبلت بها راضية بأرباحها الخاصة، ولذا حين اختلت إحسان بزوجها المغلوب على أمره الذى قبل بدور القوّاد طوعا قبل أن يمثل دور الزوج، نظرت له نظرة تحمل عددا من المعانى التى لا يمكن أن يصفها أى سيناريو أو يوجه إليها أى إخراج، نظرة ليس فيها من التحقير شيئا بقدر ما كان فيها من الشفقة المختلطة بالشجن والتفهم لعجز الإنسان الذى لم يجد شيئا لديه ليبيعه مقابل ما يعتبرها حياة يستحقها إلا الشرف والكرامة، وكيف تحتقره وهى نفسها تبيع نفسها كما باعها أهلها لتصبح إحسان هانم؟ فهى ليست فقط زوجته بل صورته المنعكسة على مرآة الطموح المريض.
البراءة والغواية
فيلم «زوجتى والكلب» (1971) من تأليف وإخراج سعيد مرزوق، هوالفيلم الثانى فى قائمة سعاد ضمن أفضل الأفلام، وبداية فإن قبول سعاد بطولة هذا الفيلم التجريبى المتفرد فى كتابته وتكنيك تصويره كان قرارا جريئا يدل على العقلية التى تفكر بها تلك الممثلة القديرة التى كانت قد اعتادت وقتها البطولات المطلقة وأن يكون دورها المحور الرئيسى الذى تدور حوله أحداث الفيلم الذى تقبله، لتتحول هنا إلى أداة لخدمة البطل الحقيقى للفيلم وهوموضوعه وأسلوب تصويره ومونتاجه، ورضيت أن تكون محور صراع شكسبيرى «مفترض» بين محمود مرسى (مرسى) زوجها فى الفيلم، ونور الشريف (نور) عشيقها «المفترض» فى رأى الزوج. فى حين أنها فى الواقع لا تعلم شيئا عن هذا الصراع المحتدم فى رأس زوجها المريض نفسيا؛ فهى تلك الزوجة الطيبة العاشقة الرومانسية والطيبة التى تتحمل وحدتها فى صمت فى غياب زوجها حارس الفنار، بينما هى نفسها فى خياله المثيرة الغاوية المغوية، فمن كانت لتقدم هذا الكوكتيل من النظرات بهذه المقدرة وبلا أى ابتذال إلا سعاد؟
سعاد حسنى
الحسرة والهزيمة
ثالث أفلام القائمة كان فيلم «أهل القمة» (1981) للمخرج على بدرخان ومرة ثانية عن قصة لنجيب محفوظ، وسيناريووحوار مصطفى محرم، وكانت وقتها سعاد قد بلغت من النضج ما لا يدع مجالا للتعجب من اختياراتها للأفلام التى تشارك فى بطولتها، فلم يعد يهم حجم الدور عندها بقدر أهمية الفيلم نفسه والرسالة التى يقدمها، ولذا كان طبيعيا أن توافق على «أهل القمة»، وكان مخرج الفيلم على بدرخان زوجها فى ذلك الوقت وكانا قد تعاونا فى عدد من أفلامها فى تلك الفترة مثل «شفيقة متولى» و«الكرنك» ثم «الجوع» بعد ذلك..«أنا باكرهك وباكره نفسى وباكره الدنيا دى كلها»، جملة ربما تكون تقليدية ومكررة سينمائيا، إلا لوقالتها سعاد حسنى أو(سهام) حين تكتشف فجأة أن حبيبها ما هوإلا حرامى ونصاب قديم، فحينها فقط تتحول نظرات الإعجاب بهذا الشاب الرومانسى الطموح إلى نظرات مقهورة غارقة فى الدموع، ربما تحمل كلمات الحوار لفظ الكراهية ولكن العينين لا تعبران عنها بل تعبران عن الصدمة والهزيمة والحسرة على الأحلام المهدرة والمغدورة.
البراءة المغتصبة
فى رابع أفلام القائمة يأتى فيلم آخر لشريك حياتها لمدة 11 عاما على بدرخان، وهوفيلم «الكرنك» وهوأيضا عن قصة لنجيب محفوظ وسيناريووحوار ممدوح الليثى، ولا يمكن أن نضيف الكثير إن تحدثنا عن المجهود الكبير الذى بذلته سعاد حسنى فى هذا الفيلم المهم الذى يعبر عن مرحلة حساسة من تاريخ مصر، وهى المرحلة التى تتجسد ببساطة -كما يريد الفيلم أن يقول- فى شخصية (زينب) التى انتهك شبابها وأحبطت انطلاقتها واغتصبت براءتها وتحطمت أحلامها على صخرة القهر السياسى والظلم والاستغلال، بل والحب أيضا.
وبغض النظر عن الأغراض الانتقامية للفيلم على المستوى السياسى لمصلحة النظام الحاكم وقتها على حساب النظام السابق له، فإن عينى سعاد تثبتان مرة أخرى أن المشاعر مهما كانت متناقضة ومهما كانت مكبوتة ستصبح لينة طيعة حين تقرر التعبير عنها، فما بالك وهى تمثل بكل جوانحها لا بعينيها فقط! فلا تستطيع وقتها مهما كنت مشاهدا محترفا التفرقة أومعرفة الحدود بين زينب وسعاد. أما عن أصعب مشاهد الفيلم على سعاد وهومشهد الاغتصاب الشهير فى المعتقل فيقول عنه الممثل القدير كمال الشناوى «المشهد اتصور مرة واحدة طبعاً، ما إنت برضه بتشتغل مع ناس فراودة زى على وسعاد، اتعملت بروفات كتير وتحضير جيد، وطبعاً كلنا كان عندنا رهبة وإحساس بالمسئولية، وإدراك أن إعادة مشهد زى ده هتكون مستحيلة على سعاد، أنا فاكر كويس إنى بعد المشهد الكل انهار، سعاد انهارت، خدتها فى حضنى، وكانت منهارة فى البكاء وجسمها كله بيتنفض من كتر معايشة حالة القهر.
الطموح والندم
الفيلم الخامس كان «على من نطلق الرصاص» (1975) للمخرج كمال الشيخ، قصة وسيناريووحوار رأفت الميهى، وكعادتها فى أفلام تلك المرحلة لا تهتم سعاد إلا بأهمية الفيلم نفسه كأساس لاختيار العمل فيه من عدمه، ولما كان الفيلم يواجه الفساد بكل صوره وأشكاله ويخرجه مخرج كبير بحجم كمال الشيخ فى ثالث تعاون بينه وبين سعاد بعد «بئر الحرمان» (1969) ثم «غروب وشروق» (1970) فكان طبيعيا أن توافق سعاد على المشاركة فى بطولته. يقول كمال الشيخ «بدايتى معها كانت مع بداية اختياراتها السليمة للموضوعات والمعالجات الجادة، والتى بدأت معها مرحلة النضج الفنى إلى العام 1977، الذى أعتقد أنها بدأت معه تتباطأ وتتمهل أكثر فى اختياراتها وتنضج أكثر. ومع استمرار التجربة تطور أداؤها حتى وصل إلى الأستاذية فى التعبير.
وكالعادة فى كل أفلامها كانت عيون سعاد بطلا رئيسا من أبطال «على من نطلق الرصاص»، من العين الطموح التى لمعت حين رأت سيارة فاخرة تمنت امتلاكها، إلى العين الملتاعة على حبيبها الذى يتم الزج به ظلما فى السجن، إلى العين الباردة مع زوج أرادت به تحقيق طموحها فى الثراء ولوبدون روح، إلى العين المبررة لنفسها وللآخرين حقها فى الحياة، إلى العين النادمة حين تكتشف الحقيقة كاملة فى النهاية فتقرر صاحبتها تصحيح الأمور كلها وإطلاق الرصاص على من يستحقه.
الفصام
من جديد مع قصة لنجيب محفوظ ولكن هذه المرة مع المخرج يوسف شاهين يأتى الفيلم السادس لسعاد فى قائمة الأفلام المائة وهو فيلم «الاختيار» (1971) وهوالتعاون الأول بين سعاد وشاهين الذى تكرر بعدها مرة وحيدة فى «الناس والنيل» (1972).
من المصاب حقا بالفصام؟ «سيد» أم المجتمع؟ أم عيون سعاد التى كانت البادئة فى الجمع بين سيد وشقيقه محمود فى شخصية واحدة؟، نعم هى أحبّت أجمل ما فى كل منهما. لست بصدد الحديث عن فلسفة الفيلم ولا عن معالجة محفوظ وشاهين الجديدة لمأساة عطيل وديدمونة، وإنما يهمنى كيف استطاعت عيون سعاد فى مشهد واحد أن تعبر عن هذا الفصام أوعلى الأصح الصراع الذى يدور داخل «شريفة» بل وداخل زوجها أسير التقاليد والصورة الذهنية لنفسه ولشخصيته ككاتب مرموق فى مقابل شقيقه الطائر الحر الذى عاش ليحطم كل البراويز، فهى ضعيفة ومترددة وعاجزة حتى عن البكاء، الذى ربما كان كافيا ليجعلها تستفيق.
دموع النهاية
«غروب وشروق» (1970)، ليس مجرد اسم للفيلم السابع لسعاد حسنى فى قائمة الأفضل وإنما هوبالضبط ما قدمته عيون سعاد فى هذا الفيلم الذى أخرجه كمال الشيخ عن قصة لجمال حماد وسيناريو وحوار رأفت الميهى؛ فشخصية «مديحة» ابنة عزمى باشا رئيس البوليس السياسى (محمود المليجى) أعتبرها من أصعب الشخصيات التى أدتها سعاد حسنى طوال تاريخها، حيث تعبر عن كل التناقضات التى يمكن أن توجد داخل فتاة مدللة، وما يهمنى فى هذا المقام توضيح كيف أسدلت عيون سعاد الستارة على الفيلم بأكمله. يقول الناقد أسامة عبدالفتاح «تقف البطلة المستهترة التى تدفع ثمن استهتارها غالياً فى عهد ما قبل الثورة فى النافذة وتزيح الستار قليلاً لكى تتابع - بعينين مبتلتين بالدموع - زوجها وصديقه (رشدى أباظة وصلاح ذوالفقار) وهما يغادران حديقة القصر بعد نهاية والدها رئيس القلم السياسى وتدمير حياتها هى بالكامل. عيناها تلخصان المأساة كلها من دون كلمة واحدة. بعد خروجهما، تسحب يدها لينسدل الستار بسرعة على حياتها وعلى الفيلم كله.
وقد حكى السيناريست والمخرج رأفت الميهى كيف أن سعاد نفسها هى التى وضعت تلك النهاية، مقلصة دورها وحوارها الذى كان مكتوبا فى نصّه الأصلى. لا أعلم تحديدا كيف كان الحوار، فربما كانت تهاجم فيه الثوّار أوتبرر موقفها أوموقف والدها أوتقول إنها كانت هى أيضا ضحية بأى صورة من الصور فى هذا الصراع الدائر بين الثوار والعهد البائد، ولكن سعاد بحسها السينمائى والإنسانى لا يهمها إن قصر الدور أوطال بقدر ما يهمها أن يصل الإحساس وأن تصل الرسالة فرأت أن الصمت ولغة العيون ستكون الأقوى، فكان المشهد الذى أخرجه باقتدار كمال الشيخ.
الشقاوة والغضب
الفيلم الأخير فى أفلام سعاد فى قائمة المئة الأفضل كان التحفة الاستعراضية «خلى بالك من زوزو» (1972) للمخرج حسن الإمام وسيناريووحوار وأغانى لصديق سعاد المقرب صلاح جاهين. وهوالفيلم الذى أثبتت فيه سعاد من جديد أنها ممثلة استعراضية فريدة لا تضاهيها فى مواهبها المتعددة ممثلة أخرى فى تاريخ مصر الفنى الحافل قطعا بالمواهب، ولا يمكن أن أتغافل هنا عن عظمة القديرة تحية كاريوكا التى تنقلت كاميرا حسن الإمام بين عينيها المغرورقتين وعينى سعاد كأنها سلك الألم الواصل بين روحيهما الذبيحتين.
قمة النضج
امتدت أفلام سعاد الثمانية على فترة 15 سنة فقط، بين العامين 1966 و1981، وهى الفترة التى وصلت فيها سعاد إلى قمة نضجها على مستوى الشكل والأداء بعد سنوات الانتشار الأولى التى أثبتت فيها جدارتها بأن تكون واحدة من بطلات السينما الكبار التى يكفى اسمها على أى عمل ليضمن لمنتجه شهادة النجاح الجماهيرى، وهوما يفسر أن اسمها كان يوضع دائما قبل أى اسم آخر على الأفيشات أوعلى تترات الأفلام حتى حين يشاركها البطولة من سبقها فى البطولة السينمائية مثل الكبار رشدى أباظة وشكرى سرحان وكمال الشناوى وأحمد رمزى وحسن يوسف وغيرهم.
التنوع والتجريب
الأفلام الثمانية تشمل تنوعا كبيرا رغم أنها مجرد عينة صغيرة من أفلام سعاد التى تخطت الثمانين فيلما فى فترة 30 عاما تقريبا هى فترة عملها بالتمثيل قبل عزلتها وابتعادها عن الأضواء تماما بعد الفيلم الأخير «الراعى والنساء» وكانت قبلها قد دخلت فى حالة من الاكتئاب الشديدة لفشل فيلمها «الدرجة التالتة» (1988) جماهيريا. وهذا التنوع فى الأدوار والجرأة على المشاركة فى أفلام مختلفة لمخرجين شباب وتجارب جديدة على السينما هوما كانت تبحث عنه سعاد التى رفضت أضعاف عدد الأفلام التى وافقت على القيام ببطولتها لأنها لم تكن تشعر بأنها ستقدم جديدا لوأدتها، أوحتى لأنها كانت تشعر بأن الفيلم نفسه ربما لن يشكل إضافة للسينما أوفائدة للجمهور الذى سيشاهده، لدرجة أنها أثناء تصوير فيلم «غريب فى بيتى» (1982) مع المخرج سمير سيف، كانت توقف التصوير وتبدأ فى طرح أسئلة من نوعية ما جدوى هذا الفيلم؟ وما الفائدة التى ستعود على الجمهور منه؟ يقول نور الشريف الذى شاركها بطولة عدد كبير من أفلامها مثل «الكرنك» و«زوجتى والكلب» و«أهل القمة» و«الخوف» «كان البعض ينزعج من وسوستها فى الشغل، وده بالطبع شيء بيسبب قلق للى بيبص لفن التمثيل كاحتراف فقط، يعنى بيمضى عقد وييجى يمثل ومش عايز حد يزعجه بتفاصيل وأسئلة، وطبعا سعاد كل ما كانت بتتطور فى شغلها كانت أسئلتها بتبقى أكتر، يعنى لما كنا بنعمل فيلم غريب فى بيتى فجأة وسط التصوير، تزيد عندها أسئلة عن إحنا بنعمل ده ليه، ومين اللى هيستفاد من فيلم زى ده ويتأثر به.
وبالمناسبة أنا شخصيا أعشق فيلم «غريب فى بيتى» وأعتبره لا يقل أبدا إن لم يتفوق على أفلام كثيرة فى قائمة الأفلام المئة، ولكنها بالطبع ذائقة من قاموا بالاختيار وقتها، فكانت النتيجة التى حرمت عددا كبيرا من الأفلام الجيدة الأخرى من الوجود فى القائمة ومنها كثير من أفلام سعاد حسنى مثل «الزوجة الثانية»، «المشبوه»، «حب فى الزنزانة»، «أين عقلى»، «موعد على العشاء»، «الجوع»، «شفيقة ومتولى» وغيرها من الأفلام التى رفعت فيها سعاد حسنى سقف التمثيل إلى مستوى من النادر أن يصل إليه ممثل آخر.
----------------------------------
هوامش:
فتيان الشاشة يتحدثون عن أجمل فتياتها، بلال فضل، العربى الجديد، 2018
المصدر السابق
قالوا عن السندريلا، جريدة الوسط البحرينية، 2002
أكثر من «رأفت الميهى»، أسامة عبدالفتاح، مطبوعات مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر المتوسط 2012
مصدر سابق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.