لاتزال فضيحة جامعات الصفوة فى أمريكا مثارا للاهتمام. فالفضيحة لاتتعلق فحسب بفساد مؤسسات تعليمية عريقة، بل تمس فى الصميم القيم الأصيلة التى يقوم عليها المجتمع الأمريكي. فى الأسبوع الماضي، وجه القضاء الفيدرالى اتهامات لأولياء أمور من المشاهير وذوى النفوذ لدفعهم رشاوى بملايين الدولارات لإلحاق أبنائهم بما يسمى فى أمريكا بجامعات الصفوة، وهى الجامعات المرموقة التى تضمن لخريجيها أفضل الوظائف المتاحة فى أسواق العمل داخل أمريكا وخارجها. من الجامعات المتورطة، ستانفورد وييل وجورج تاون. وكشفت تحريات مكتب التحقيقات الفيدرالى أن من وُجه إليهم الاتهام دفعوا رشاوى لتسهيل قبول أبنائهم بهذه الجامعات بطريقتين: استئجار متخصصين لدخول امتحانات القبول نيابة عن أبنائهم مع تزوير الصور المرفقة بالاستمارات، أو تزوير شهادات كفاءة فى المهارات الرياضية ممهورة بإمضاء مدربين متخصصين، حيث يمثل التفوق الرياضى سبيل المرور المضمون للدراسة فى الجامعات الأمريكية. وإذا كان التفوق فى التعليم هو السبيل الأكيد للحراك الاجتماعى فى المجتمع الأمريكي، فإن الفضيحة أفقدت كثيرين ثقتهم فى تكافؤ الفرص. والمؤكد أن ملايين الطلاب المتميزين حرموا على مر السنين من فرصة الدراسة فى هذه الجامعات لأنهم لاينتمون للطبقة الغنية. سلطت الفضيحة الضوء على جامعات الصفوة. وبحسب انثونى ابراهام جاك الأستاذ بجامعة هارفارد، فإن أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة يمثلون أقلية بين طلاب هذه الجامعات، بينما يمثل أبناء الأثرياء النسبة الغالبة. وفى كتابه «الفقراء المتميزون» الذى صدر مطلع الشهر الحالي، يرصد جاك ثلاثة أنواع من طلبة جامعات الصفوة: الأثرياء، وأبناء الطبقة المتوسطة الذين يتحملون دفع المصروفات الباهظة، والفقراء المتفوقون الذين يتم قبولهم بمنح دراسية. ثم يقدم المؤلف أمثلة على معاناة الطلبة الفقراء وسط زملائهم الأثرياء المدللين، ومنها أن معظم صالات الطعام الجامعية لاتعمل خلال العطلات الدراسية. يرى فى ذلك تحيزا للطلبة الأغنياء الذين يسافرون لذويهم أو يقومون برحلات خلال تلك العطلات، بينما يبقى الطلبة ذووالقدرات المالية المحدودة فى المدينة الجامعية يعانون تدبير تكلفة وجباتهم خلال العطلات. مثال آخر هو برنامج تتيح فيه الجامعة للطلبة المحتاجين العمل مقابل أجر فى تنظيف دورات مياه المدينة الجامعية. وهنا يجد الطلبة الفقراء أنفسهم ينظفون المراحيض فى غرف زملائهم الأثرياء. وحتى الحفلات الجامعية يكون فى مقدور الطلبة الأثرياء شراء تذاكرها الباهظة، بينما يحصل الآخرون على تذاكر مخفضة فيكون عليهم حضور الحفل والانصراف من الأبواب الجانبية، ليظل الباب الرئيسى للطلبة الأغنياء فقط. ويرى رتشارد رييفز مؤلف كتاب، «محتكرو الأحلام: كيف تترك الطبقة الغنية الآخرين وسط الركام، المشكلة والحل»، أن الفضيحة وإن كانت قد كشفت عن طرق غير قانونية يتبعها الأثرياء لإلحاق أبنائهم بجامعات الصفوة، فالواقع يؤكد وجود عشرات الطرق القانونية التى يتيحها لهم نظام القبول فى هذه الجامعات. من هذه الطرق، قائمة أبناء الخريجين، فالخريجون هم الصفوة ويتمتع أبناؤهم بأفضلية القبول. وهناك قائمة الانتظار الخاصة وفيها يكون على الطلبة الأثرياء الانتظام فى الدراسة بجامعة أخرى لمدة عام ثم ينتقلون لواحدة من جامعات الصفوة فى السنة الثانية من الدراسة. ثم هناك قائمة أبناء المتبرعين، وهنا بدلا من أن يدفع الأثرياء الرشاوى للمدربين الرياضيين، يدفعون تبرعات للجامعة مباشرة بمايضمن قبول أبنائهم من ذوى الدرجات الدراسية المتدنية. ممارسات جامعات الصفوة انتهاك لمبدأ تكافؤ الفرص. فالأثرياء لايدخرون وسعهم لتوريث أبنائهم المركز الاجتماعى والثروة على حساب أصحاب المهارات المتميزين. وإذا كان شباب أى أمة هم مستقبلها، فللأمريكيين الحق أن يقلقوا على مستقبل بلادهم.