منذ عدة سنوات استحدثت اعرق الجامعات المصرية - وهي وليس غيرها جامعة القاهرة - برامج يطلق عليها أحياناً البرامج المتميزة»، أو»المميزة» والدراسة فيها بالمصروفات ويلتحق بها من لديه القدرة المادية علي دفع هذه المصروفات، وهم في الغالب الأعم أبناء الأغنياء والأثرياء. ولكن من اللافت للنظر والمثير للعجب أن هذه البرامج أخذت في الانتشار، لتجد طريقها إلي معظم الكليات والجامعات الحكومية، الأقليمية منها وغير الأقليمية. وهو ما يؤكد تزايد الاقبال عليها من أبناء القادرين مالياً علي دفع مصروفاتها في الكليات والجامعات الحكومية، ضاربة هذه الكليات والجامعات بمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية. علي أي حال نقول : إن الاقبال عليها متزايد لما تتميز به هذه البرامج للملتحقين بها من توافر الإمكانيات المادية والبشرية، والكفاءات التدريسية المرتفعة، ووسائل الراحة والرفاهية، واعطاء الفرصة لخريجيها للحصول علي فرصة عمل محترمة. أما أبناء الفقراء في هذه الكليات والجامعات الحكومية فليس أمامهم سوي الالتحاق بالبرامج »غير المتميزة» أو القديمة التقليدية، التي تفتقد كل ما هو متوافر في هذه البرامج المتميزة. وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بالنسبة لأبناء الفقراء والبسطاء بالنسبة للحصول علي فرصة »التعليم» البقية الباقية لهم في الحراك الاجتماعي، ولكن بسبب فقرهم لا يستطيعون الحصول علي الفرص التعليمية التي يحصل عليها أبناء الأغنياء وعلية القوم. فأبناء الفقراء لا يستطيعون الالتحاق بمرحلة رياض الأطفال التي تعد الآن ضرورة لاستمرارية التعليم والتفوق في المراحل التالية، وأيضا لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس الخاصة والأجنبية وليس أمامهم - لفقرهم - سوي المدارس الحكومية الفقيرة، والجدباء معني ومبني، ومعظمهم لفقرهم يلتحقون بالتعليم الفني الأشد فقراً وجدباً في كل مكوناته، ولا يجد خريجوه عملاً، وإن وجدوا فهي الأعمال المذلة المهينة، بل ونجد من خريجي هذا النوع من التعليم لجهلهم، وبطالتهم ينضمون لجماعات الارهاب والتطرف. علي أي حال نعود لقضيتنا وهي وجود برامج متميزة في معظم الكليات والجامعات الحكومية، يتم بيعها للقادرين علي شرائها، إلي جانب وجود برامج قديمة أو تقليدية وبالمجان لأبناء الفقراء والبسطاء. وهنا نقول وعلي الفور إن هذا الوضع يعد تكريساً لثقافة التمييز والطبقية، وتدميراً لكل معاني الزمالة في الكلية والجامعة الواحدة، بل وفي القسم الواحد. ونتساءل هل من المعقول أو المقبول أن يحدث هذا في كليات وجامعات من المفروض فيها تكريس وتنمية القيم والتقاليد الجامعية الأصيلة، وفي القلب منها روح الزمالة في العمل من خلال وحدة أعضائها؟ بل وفي بلد ينص دستورها علي المساواة وتحقيق العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص التعليمية؟ وأن يحدث هذا بعد ثورة شعبية كان من اهم شعارتها تحقيق العدالة الاجتماعية؟ تساؤلات خطيرة تكشف عن خطر لامحالة قادم في حال استمرارية هذه البرامج، ليس فقط علي مستوي جهة أو مؤسسة معينة وإنما علي كل المستويات والجباهات : علماً وتعلماً، أخوة وزمالة، وحدة وتماسكاً وسلاماً اجتماعياً، ومن قبل ومن بعد مستقبل الوطن الذي يشكل الأبناء المخزون البشري لهذا المستقبل. [email protected]