عندما يتعلق الأمر بخرق حقوق الانسان فى دولنا العربية، تقوم الدنيا ولا تقعد، وتشهّر المنظمات الحقوقية مدفعيتها صوب أنظمتنا وقوانيننا وأجهزتنا الأمنية والقضائية، وتنتقد وضعية حقوق الانسان فى بلداننا، ويقود الاعلام الغربى حملاته التشويهية...الخ. لكن عندما يتعلق الامر بخرق نفس حقوق الإنسان فى الغرب، تصمت هذه التقارير او تتحدث على استحياء، ويغض الإعلام الطرف عنها كما تغفل عنها باقى الدول الغربية، ما يعكس ازدواجية المعايير التى تحكم مجال حماية حقوق الإنسان الذى طالما وظفت مفاهيمه بشكل انتقائي. ففى الوقت الذى تتحدث فيه تقارير حقوقية عن ادعاءات بنقائص فى بلادنا، قد تكون صحيحة وقد لا تكون، فإنها تتناسى ان حقوق الإنسان عملية متواصلة تتطلب سنوات طويلة وتراكمية لم تبلغ فيها اى دولة الكمال، بما فى ذلك الدول الغربية ذاتها، ولعله من المفيد إلقاء الضوء على جانب مظلم ولكنه مهم من السجل الحقوقى للدول الغربية. ففى ألمانيا، تستمر السلطات الالمانية فى احتجاز مجرمين انهوا فترات عقوباتهم بالسجن بحجة أن هؤلاء المجرمين مازالوا يمثلون خطرا على المجتمع الألماني. وفى إسبانيا تقوم السلطات الامنية بالملاحقة القضائية للأشخاص الذين يمارسون حقهم فى حرية التعبير سلميا، مع استخدام أنماط مختلفة من التعذيب، وغيرها من ضروب المعاملة السيئة، والقوة المفرطة، والطرد الجماعي. كما فرضت إسبانيا خلال عام 2016 العديد من القيود غير المبررة على حريتى التعبير والتجمع، مع زيادة الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعى وانتهاك الحق فى الخصوصية على نطاق واسع. كما أن صور تعامل قوات الأمن مع متظاهرى كتالونيا المطالبين بالانفصال ماثلة فى الأذهان. وبالمثل كان تعامل الشرطة الفرنسية مع متظاهرى السترات الصفراء فى الأسابيع الأخيرة. وفى بريطانيا، يعكس التوجه البريطانى فى مكافحة الإرهاب صعوبة المواءمة بين مكافحة الإرهاب والحفاظ على حقوق الإنسان والحريات. هذا وتعتزم الحكومة البريطانية تعديل قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000 بشكل مقيد للحريات ليتضمن عقوبة بالسجن تصل إلى 15 عاما ضد أى شخص يشاهد على شبكة المعلومات الدولية ما يساعد على ارتكاب عمل إرهابي. ويجيز ذات القانون توقيف أى شخص على أى من منافذ الدخول إلى بريطانيا دون وجود أى أسباب للاشتباه فيه، حيث تم استخدام هذا الحق أكثر من 18 ألف مرة. وفى فرنسا، لا تحترم قوانين واجراءات التحقيق فى مكافحة الإرهاب مطبقة الحد الأدنى من قواعد المحاكمة العادلة فيما يتعلق بمدد الاحتجاز وغياب تعريف جريمة تجمع الخارجين عن القانون. وغالبا ما تستخدم فرنسا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب دلائل تسوقها دول دائمة اللجوء إلى التعذيب وسوء المعاملة. هذا وقيّد تعديل عام 2011 للإجراءات الجنائية من حقوق المشتبه فى اطلاعهم بجرائم إرهابية، فى الحصول على محام، والجميع يعرف ما يتصف به القضاء الفرنسى من بطء شديد ومن تعقيدات فى إجراءاته يضرب بها المثل فى أوروبا ذاتها. وفى إيطاليا شملت الانتهاكات الإيطالية توسعا فى ممارسات القوانين المعنية بمكافحة الإرهاب، وعدم محاسبة أفراد الشرطة، وضعف آليات العقاب على جرائم الكراهية فى ضوء النص القانونى الفضفاض وعدم وجود التزام واضح من قبل الدولة بمواجهة هذه الجرائم، وغياب الأطر القانونية التى تحمى حق المواطن فى المعلومات. اما الدانمارك فتضع طالبى اللجوء والمتهمين بالإرهاب فى جزيرة منعزلة كما تصادر ما لدى طالبى اللجوء من مصوغات بدعوى تمويل مصاريف إقامتهم. لائحة خروقات حقوق الانسان فى الغرب طويلة، لكن هذا الأخير تعود ان ينظر لملف حقوق الإنسان على أنه حق حصرى له، وانه الراعى الرسمى والوحيد له وانه مخول بإعطاء الدروس بشأنه للآخرين، فى وقت سجله الحقوقى مليء بالانتهاكات والتجاوزات، وهو نفسه الذى يدافع عن حقوق الانسان فى منطقة ويغض الطرف عن نفس القضية فى منطقة اخرى، مما يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة ان قضايا حقوق الانسان من المفروض ألا تتجزأ، واذا كان لابد من ذلك فالمفروض ألا يكون معيار التجزئة الانتقاء على أساس هل يتعلق الأمر بداخل اوروبا او خارجها، وإنما مراعاة خصوصية وضع كل قضية فى إطارها الثقافى والاجتماعى والسياسي. لابد أن يتصف حوارنا مع هذا الغرب الانتقائى لقضية حقوق الإنسان بالندية وان يكون طريقا ذا اتجاهين، فبلادنا يجب ألا تظهر وكأنها تقوم بأى إصلاحات استجابة لضغوطه أو مساوماته التى يسعى من خلالها لتمرير مصالحه، فحقوق الإنسان ملكية مشتركة للجميع، أسهمنا مع جميع دول العالم فى نشأتها وتطورها، وبالتالى فما تقوم به بلادنا العربية يجب أن يكون نابعا عن اقتناع بأن حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من طريق التطوير والتنمية الذى نمضى فيه بإرادتنا ولصالح شعوبنا، لا ابتغاء تحسين صورتنا فى أعين هذا الغرب الذى يدعى على غير الحقيقة. لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى