لم يعد أمامنا، لإنقاذ ما تبقى من القاهرة الاسلامية إلا بأن نطالب أن يتدخل الرئيس بنفسه، لوقف توسع دولة المقاولين وكل المتواطئين معها على حساب جزء من أعرق عناصر الهوية المصرية صار يتم النظر اليه كعقارات آيلة للسقوط!. آثار مصر الاسلامية ولسنوات تدار بلا رؤية فى إطار مفهوم وظيفى لتسيير الاعمال...صار هدم الآثار وظيفة! و لا يوجد، مهتم واحد بالآثار، او عالم أو حتى مواطن مدرك للقيمة إلا و يستشعر خطر زوال قاهرة المعز المدرجة ضمن تراث الانسانية الواجب الحفاظ عليه... ما جرى لوكالة العنبريين الواقعة فى قلب شارع المعز لن تكون آخر الاثار الاسلامية التى تهدمها معاول المقاولين ليرتفع مكانها برج بذئ ومول أكثر بذاءة! حجر الوكالة التى تبرأت منها وزارة موظفى الآثار كانت تكفى بوابتها ليقوم عليها وبالترميم واحد من أكثر الاسواق العتيقة تميزا. أرجو ان تكون وزارة موظفى الآثار قد استراح بالها بعد ان تحولت وكالة العنبرين إلى أنقاض و تساوت بالأرض مكونات أثر عمره تسعمائة عام، وليحفظً الله لنا بعونه البقايا الباقية من عناصر قاهرتنا الاسلامية التى تتسرب بيتا بعد بيت، ومسجدا بعد آخر. وكالة العنبريين أثر بناه الفاطميون فى أخريات زمانهم كسجن للمعارضين، ثم تحول إلى وكالة او سوق للعطور تعلوه ما يطلق عليه أرباع، تحوى حوانيت.. الوكالة الأثرية كتب عنها ووثقها كبار المؤرخين من المقريزى إلى على باشا مبارك.. وذكرت المراجع ان هذا الاثر شهد بهاء او تجديدا فى عصر محمد علي. السجالات القضائية ما بين دولة المقاولين المتربصين بالآثار وهيئة المنتفعين، وبين العارفين بقيمة ارثهم الوطني، مدت فى عمر وكالة العنبريين ثلاثة عشر عاما، منذ اندلع بها حريق، عام 2005، وحتى تم تسويتها بالأرض فى فبراير 2019، تحت مرأى ومسمع وزارة موظفى الآثار الذين لديهم قدرة فى التناقض وربما قلب الأمور، و تعالوا الى مقارنة بين تصريحات يفصل بينها اعوام ثلاثة فقط، عن نفس الاثر.. فى عام 2016 صرح السيد السعيد حلمي، مدير عام آثار القاهرة والجيزة ووفق تحقيق ممتاز اجرته زميلتنا فى الاهرام حنان حجاج، ان الوزارة تسابق الزمن للعمل على إنقاذ أثر تعرف قيمته جيدا، هو وكالة العنبرييين وأن لجنة على أعلى مستوى من المتخصصين و كبار علماء الآثار تتشكل لإنقاذ الأثر وأنه سوف يتم العمل على تفعيل كذا وكذا.. والخلاصة اقرار واضح من موظفى الاثار بقيمة الاثر وضرورة انقاذه. ماذا جرى بعد ثلاث سنوات؟ دكت وكالة العنبرييين على مرأى الجميع بعد ان نجح تيار المقاولين ومن معهم من متواطئين فى حى الجمالية وغيره. قال السيد محمد عبد العزيز، المشرف العام على آثار القاهرة والجيزة، ردا على اتهامات موجهة لوزارته بالتواطؤ: ان الوكالة غير مسجلة من لجنة حفظ الاثار! وزاد: ان ما كان موجودا منها ليس الا بقايا لا تصلح! ثم افترض سيادته وحتى لو أن الاثار كانت و تعاملت مع وكالة العنبريين كأثر هل كان الشاغلون يقبلون بالخروج منها لأربع سنوات!؟ وإذا خرجوا فإن الآثار لم تكن لتعيدهم لأنه أثر! كل ما تفضل به موظف الآثار مردود عليه بكلام وجهود من الشاغلين أنفسهم الذين يدركون قيمة المكان وطرحوا ليس فقط المساهمة فى الترميم بل خاض جزء منهم معارك قضائية لوقف الهدم، لكن المفارقة فى كون موظف الآثار أراد سحب الصفة الأثرية والقيمة ونسب الوكالة للقرن التاسع عشر متغافلا عما كتبه المقريزي، وأطلق على الوكالة اسم العقار رقم 88 او 84 ، و لا أعرف كيف يبرر هدم واحدة من اجمل البوابات التى تحمل زخارف تلخص عمارة عصر، وكيف ارتاح ضميره و البولدوزر يخلب سكاكينه فى البوابة..أى الموظفين نصدق، الذى أكد القيمة ووعد بالإنقاذ عام 2016، او ذلك الذى خرج عقب الهدم ليقول لنا إنها لا أثر ولا يحزنون!. معاول المقاولين تكسب حيزا أكبر بالتواطؤ وانعدام ادراك القيمة، والاثار صارت تحمل لقب عقارات، فى ظل وزارة لا تفعل غير تسيير الأمور بمنطق وظيفى تبريرى متناقض.. الاثار قضية أخطر وأعمق من أن تترك لآليات موظفى الآثار والمتواطئين معهم. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى