ستظل تجربة الفنان الرائد راغب عياد فى توثيق الظواهر الشعبية فى مطلع القرن العشرين «تجربة متفردة» وكأنها لناسك فى محراب الحياة الشعبية المصرية، فقد عكست أعماله البيئة الشعبية واعتمدت طريقة معالجته الفنية على البساطة والتجريد، وكانت الهوية المرتبطة بالمكان والزمان حاضرة دائما فى أعماله، كما اشتركت أعماله مع الفن المصرى القديم فى توثيق بعض المظاهر للحياة اليومية، وتعد «قراءة ميدانية للموروث المصرى برؤية إبداعية حداثية»، وهذا ما أكدته الناقدة والكاتبة الدكتورة إيمان مهران (بنت النيل) فى أحدث مؤلفاتها (الحياة الشعبية فى أعمال راغب عياد) الذى أعادت من خلاله قراءة أعمال الفنان الرائد الذى كانت له مدرسته المتميزة، حيث كان سباقا فى توثيق أغلب مظاهر الحياة المرتبطة بالريف المصرى فى القرن العشرين، وسجل فى أعماله التشكيلية موروث الرقص وحلقات الغناء واحتفالات الزواج، كما سجل مظاهر الاحتفال بموالد الأولياء والقديسين ورصد الكثير من ملامح حياة الفلاح المصرى سواء فى الحقل أو حلقات السمر أو الأسواق الريفية، وبذلك تعد أعماله ثروة كبيرة، وقد حللتها المؤلفة فى كتابها من جانبين، الأول الجانب التشكيلى الذى يعكس إبداع الفنان وأسلوبه والثانى الجانب الاجتماعى الذى يعكس ملامح حياة الفلاح، وتأتى أهمية هذه الدراسة من اعتبار أن «إعادة رؤية الفنان التشكيلى راغب عياد وإبداعاته بوصفه راصدا ومحللا للظواهر الشعبية المصرية تعد نموذجا يمكن من خلاله إعادة قراءة المجتمعات المحلية من خلال أعمال الفنانين التشكيليين المصريين». بدأت الكاتبة فصول كتابها بالحديث عن «الفن كمدخل لتوثيق الظواهر الشعبية» فالفن كان على الدوام مرآة صادقة وموثقا للظواهر بما يجعل هناك ضرورة لإعادة قراءة الظواهر التقليدية من خلال الفنون القارئة لمجتمعاتها دون تزييف أو مجاملة، فتاريخ الفن هو التاريخ المدون للشعوب بعيدا عن التاريخ الرسمى الذى دونه الحكام والملوك. ثم تستعرض المؤلفة كيف كان للفن التشكيلى السبق فى توثيق الظواهر الشعبية فى مطلع القرن العشرين وذكرت فى هذا الإطار كيف نجح محمد ناجى فى توثيق العديد من الثقافات المصرية، كما اتخذ محمود مختار من الفلاحة الريفية محورا لأعماله، بينما بات محمود سعيد متيما ببنات العامة فى الإسكندرية وجعل موديله الشهيرة حميدة السمراء بطلة لأعماله، أما راغب عياد فكانت تجربته متفردة كما تواصل مع التاريخ المصرى القديم فى التصوير، كما تواصل محمود مختار مع التاريخ المصرى القديم فى النحت. واستعرضت المؤلفة السيرة الذاتية للفنان راغب عياد منذ ميلاده بالقاهرة فى 10 فبراير 1892 والتحاقه بأول معهد للفنون الجميلة عام 1908 وحصوله على دبلوم فى التصوير من باريس عام 1924 ودبلوم الزخرفة والديكور من معهد الفنون الجميلة العالى بروما عام 1927، وعمله مدرسا بكلية الأقباط الكبرى بعد تخرجه عام 1912 فى معهد الفنون الجميلة، ثم تعيينه رئيسا لقسم الزخرفة بكلية الفنون التطبيقية عام 1929 لمدة 7 سنوات ثم رئيسا لقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة العليا بالقسم الحر عام 1937 ثم أمينا للمتحف القبطى عام 1942 ثم مديرا لمتحف الفن الحديث من عام 1950 حتى عام 1955، وأقام عياد نحو 36 معرضا شخصيا بجانب المعارض الجماعية الدولية، وحصل على نوط كافاليرى من الحكومة الإيطالية عام 1936 وجائزة الدولة التقديرية عام 1965، وتوفى فى عام 1982 وخلال هذه الرحلة استطاع عياد أن يسجل عناصر شعبية واضحة كالتى يسجلها الفنان الشعبى المغمور، لكن معالجاته كانت أكثر حرفية، وتنوعت العناصر الشعبية فى موضوعاته المتعلقة بالعادات والتقاليد والبيئة والتراث الشفاهى، واستلهم موضوعاته من التراث الشعبى، وهو ما ذكره فى كتاب من تأليف الفنان بعنوان (أحاديث فى الفنون الجميلة فى نصف قرن من 1908 إلى 1958 ولمحات عن رحلاتى فى إيطاليا). وللمؤلفة عدة مؤلفات علمية وتوثيقية فى مجالات الأدب والفنون الشعبية وتوثيق الأغنية الشعبية وهى عضو هيئة تدريس بأكاديمية الفنون بالقاهرة وعضو اتحاد الكتاب المصريين والمنظمة العالمية للكتاب الأفروسيويين ونقابة الفنانين التشكيليين ورئيسة لجنة الفنون الشعبية بالاتحاد العربى لحماية حقوق الملكية الفكرية، وهى المؤسسة لمؤسسة النيل للتنمية والتواصل الحضارى.