على حافتيه نمت وترعرعت أشجارُ الكافور الضخمة باسقة الأغصان، كانت أعطافُ تلك الأشجار كلما هب النسيم تتحرك وتتمايل تمايل النشوان، اصطفت على أغصانها أنواعٌ من الطيور مختلفة الأشكال اعتادت أن تصدح بأغاريدها التي تطرب لها النفس ويطمئن إليها الفؤاد، وفي منظر عجيب التقت أغصانُ تلك الأشجار من أعلى التقاء جعل من يرنو إليها بناظريه يظنُ أنه يخترق أنبوبا لا يصل إلى نهايته. نبتت بجوار تلك الأشجار (نجيلة) خضراء كانت أشبه ببسط سندسية، اعتاد الناس الجلوس عليها تنعما بظلال تلك الأشجار، وجمال الخضرة ومنظر الماء بالرياح التوفيقي الذي جرت على صفحته قواربُ للصيد أو لنقل الناس من بر إلى بر. وفجأة ودون سابق إنذار امتدت إلى تلك اللوحة الساحرة يدٌ لا تُجيد فن الرسم فطمست معالمها وشوهت جمالها، إذ قامت بقطع تلك الأشجار بحجة أنها بلغت أرذل العمر، وصارت تُهدد المارة والسيارات على خطى (12) والطريق الموازي له والذي يربط بين مدينة بنها والقناطر الخيرية مرورا بالعديد من القرى. ولو سلمنا بصحة ما يدعيه المتسببون في تلك المذبحة من أن تلك الأشجار قد تجاوزت عمرها الافتراضي، وأنها صارت مصدر خطورة، فإن السؤال: لماذا تقاعسوا تلك الفترة الطويلة عن زراعة أشجار جديدة لتحل محل القديمة؟. ولماذا تفتقر قراراتُ كثير من المسئولين إلى التخطيط الجيد والدراسات المُسبقة؟. لماذا لا يكون التحركُ واستنفار القوى واستنهاض الهمم إلا بعد وقوع الكوارث؟. إن أزمتنا أننا نؤصل لنظرية (التفاضل) ونطعن نظرية التكامل بسكين بارد، بمعنى أن اللاحق لا يُكمل ما بدأه السابق؛ ظنا أن ذلك عيبٌ، فينبري يهدم أفكار وتصورات من سبقه، غير مُكترث بما أنفق عليها من جهد ومال، ويبدأ هو من جديد، والنتيجة أننا نظلُ (محلك سر) أو قفزة في المكان!، ولله در من قال: متي يبلغُ البنيانُ يوما تمامه ....... إذا كنت تبني وغيرُك يهدم؟. إن نهضتنا كأمة لن تكون إلا إذا غلبنا مصلحة العامة على مصلحة الفرد، وتقلص مفهومُ الأنا وانزوت النرجسية، وتعاظم مفهومُ المواطنة والانتماء. إن كثيرا من دعاة الإصلاح والمُنظرين يرفعون شعار( فيها لأخفيها) والمعنى أنه ربما وصل الواحد منهم ليله بنهاره يُبرز محاسن مشروع ما، ويعدد مناقبه؛ على أمل أن تُسند إليه مهمة إدارته، فإذا اختير غيرُه لهذا الأمر، سقط عن وجهه القناع، وصار ألد أعداء ذلك المشروع، الكاشفين عن مساوئه وعيوبه، الصابين عليه جام غضبهم!. إن مذبحة الأشجار تلك التي وقعت علي جانبي الرياح التوفيقي بمحافظة القليوبية تحديدا وتحدث في شتى أنحاء مصر جريمةٌ في حق وطن أسند مهمة إدارة المرافق والمنشآت إلى أشخاص أغفلوا دورهم، وبدلا من أن يحرصوا على جمال مصر أسهموا في إفساد ثرواتها وتقبيح صورتها. إن قطع هذه الأشجار -بالإضافة إلى أنه يهدد بانهدام الجسر على حافتي الرياح التوفيقي، وتصدع الطرق وكثرة الحوادث- حوَّل الأرض على حافتي ذلك المجرى المائي إلى مقالب للقمامة زادت من تلوث البيئة وشوهت المكان. إن المسئولية تقتضي محاسبة المسئول عن تلك المذبحة وغيرها من مذابح الأشجار التي يتسبب وقوعها في تشويه جمال مصر. Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى