يتحمل عدد كبير من أهل السلطة مسئولية ما جري يوم الأحد الدامي الخامس من أغسطس, ولكنه المشير طنطاوي يأتي في المقدمة باعتباره المسئول الأول عن المؤسسة العسكرية. ولو لم تكن هناك أوجه قصور فادحة ما تمكن المهاجمون من القضاء علي أفراد هذا الموقع العسكري المتقدم بالكامل, ولم ينج منهم إلا من تظاهر بالموت, ومن المعروف أن هناك اجراءات تأمين وحماية, ووسائل اتصال وإنذار, وغيرها, والسؤال, هل روعي تنفيذ ذلك أم لا؟ ثم لقد كانت هناك معلومات عن هذه العملية الارهابية, كما أن السلطات الاسرائيلية قد طلبت من مواطنيها الموجودين في سيناء العودة فورا. ومثل هذا الاجراء الاستثنائي يعد مؤشرا قويا علي خطورة الموقف, فهل تنبه المسئولون, وقرروا اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتأمين المواقع العسكرية المستهدفة؟ إن نجاح القتلة يؤكد تجاهل المعلومات والمؤشرات والمفجع, أنهم مارسوا القتل بوحشية بالغة دونما أي اعتبار لأية قيم دينية او انسانية. وهذا المسئول الأول يتحمل مسئولية هذه الدماء التي سالت, وبصورة أخري يمكننا أن نقول, إنه فشل عندما واجه هذا الاختبار العسكري, بل يمكن وصف هذا الفشل بأنه فشل مركب, لأنه يمتد ليشمل الكثير من القضايا المرتبطة بالصراع في سيناء. وببساطة يمكن للجميع أن يشيروا بأصابعهم الي المسئول, اذا ما سئلوا عمن سكت علي عمليات تهريب السلاح وتخزينه, وانتشار معسكرات التدريب في سيناء ومن الذي أغمض عينيه عن وجود الأنفاق متجاهلا أنها تنتهك سيادة مصر عمدا, وتهدد أمنها القومي, وتوفر طريقا آمنا لانتقالات وتحركات الارهابيين, وممرا لتهريب المخدرات والوقود بأنواعه وكل السلع والأدوية المدعمة, وطريقا لنقل السيارات المسروقة من مصر الي القطاع؟ واذا كان النظام السابق قد تغاضي عن الأنفاق, فلماذا استمر في سياسة التغاضي عندما أصبح مسئولا عن مصر طوال الفترة الانتقالية التي بدأت بانتصار الثورة واستمرت حتي تمت الاطاحة به في اغسطس الماضي؟ وهذا الفشل المركب أسهم في إسكان الحزن والحسرة والأسي قلوب جموع المصريين. وقبل أن ننتقل الي نقطة أخري علي طريق الفشل, نود أن نسأله, كيف تمكنت اسرائيل من القضاء علي مجموعة الارهابيين عندما حاولت اختراق الحدود الاسرائيلية من منطقة معبر كرم ابو سالم, ومن تدمير العربتين المدرعتين المسروقتين من الموقع المصري وعربتين أخريين ذات دفع رباعي, في حين فشلت مصر فشلا فاضحا ومكلفا في التعامل معهم؟ كيف كانوا في حالة يقظة, وكنا هنا في حالة غفلة؟ لقد كانت المعلومات متوافرة, وقد استفاد منها الاسرائيليون وخططوا ليكونوا في انتظارهم, والرجل الذي أتاحت له الأقدار تحمل مسئولية مصر بعد الاطاحة بالرئيس السابق, لم يكن منذ البداية موفقا. ففي ليلة29/28 يناير2011, هاجمت مجموعات متعددة أكثر من250 هدفا منها177 هدفا أمنيا وتمكنت من اقتحام السجون وتهريب مسجوني منظمة حماس وحزب الله والقوي والمجموعات السياسية الاسلامية واعداد من أبناء سيناء. وتواصلت العمليات لليوم التالي حيث تم الهجوم علي ما يقرب من30 قسم شرطة وأهداف أخري, أما سيناء فقد شهدت الهجوم علي قسم ثاني شرطة العريش وتم الاشتباك بالنيران من داخل قطاع غزة مع قوات الشرطة وحرس الحدود, لمنع الجميع من التدخل في عمليات نقل وتهريب مسجوني منظمة حماس ومئات من سيارات الشرطة التي استولوا عليها. فماذا فعل المسئول الأول؟ التزم الصمت, ومازال صامتا, وكأن كرامة مصر لم تنزف خلال تلك العمليات, او فلنقل إن هذا الصمت كان جانبا من صفقة مع هذه القوي او تلك. وأيا كانت الأسباب, فقد فشل الرجل فشلا فاضحا, وهو يتعامل مع هذا الاختراق للأمن المصري والاجتراء علي السيادة المصرية. واذا كان هناك من خطط او استهدف تصفية الحسابات مع الشرطة, فقد نجح تماما في كسر العمود الفقري للشرطة, وتمكن من إذلالها وإهانتها واصابة هيبتها بالشروخ, كل ذلك وهذا المسئول الأول يتابع من موقع المتفرج لا المسئول.وترتب علي ما جري انتشار الفوضي في الشارع المصري وسيادة البلطجة وارتفاع غير مسبوق في أعداد الجرائم ونوعياتها, والأخطر هو تصاعد حدة التوتر الطائفي. وللانصاف نقول إن للرجل موقفين ايجابيين الأول, هو اختيار الوقوف بجانب الثورة والثوار, والثاني التزامه بعدم إطلاق النار علي الثوار المتظاهرين. وبالنسبة للاختيار الأول فإنه يعد غدرا برئيس الجمهورية وتخليا عن حماية الشرعية وعن القسم الذي أقسمه عند تخرجه من الكلية الحربية. اما لماذا اختار أن يقف بجانب الثورة؟ وهل كان ذلك نتيجة عوامل داخلية او خارجية؟ فإن التاريخ والكشف عن وثائق هذه المرحلة هو الذي سيوفر الاجابة للسائلين والباحثين. ولم يكن هذا الرجل يتوقع أبدا أن يغدر به الآخرون بعد18 شهرا من استقراره علي مقاعد السلطة, فالذين تحالف معهم وفتح لهم الأبواب للصعود الي قمم السلطة وعمل علي اقتسام السلطة معهم هم الذين غدروا به وبقسوة جارحة للكرامة. وقد دفع هنا ثمن الأخطاء السياسية التي وقع وأوقع مصر فيها. لقد كانت مطالب النخبة والقوي السياسية المدنية طوال الأسابيع الأولي تتركز حول اعداد الدستور أولا, ثم اجراء الانتخابات بعد ذلك, وكان هذا المطلب يتفق والصواب والسوابق التاريخية إلا أنه وكنتيجة لصفقة مريبة أدخل مصر في محنة الانتخابات أولا. ومنذ تلك اللحظة, والمسرح السياسي يعيش اضطرابا خاصة بعد صعود القوي السياسية الاسلامية, وبروز سطوتها ومرة أخري تسعي القوي المدنية لتأجيل الانتخابات الرئاسية الي ما بعد إعداد الدستور إلا أنه وتحت ضغوط الاسلاميين يقرر خوض تجربة الانتخابات الرئاسية, ويتم انتخاب رئيس, لا تعرف مصر حدود سلطاته, ولاتعرف هل هو رئيس في دولة برلمانية او رئاسية أم ذات نظام مختلط. ولم تكن له او لأمثاله تجارب في العمل السياسي, وتصوروا أن قيادتهم للقوات المسلحة, توفر لهم القوة والحماية والقدرة علي الضغط وضبط الأوضاع. وهنا يمكن القول إنه لم يستفد من دروس التاريخ المعاصرة فقد كان الفريق أول محمد فوزي وزيرا للحربية وكان أيضا يستند الي القوات المسلحة عندما خاض صراعا علي السلطة مع الرئيس السادات في مايو1971, تمكن السادات من الفوز في هذا الصراع ووضع محمد فوزي خلف القضبان. بعدها دار صراع طويل ومكتوم أحيانا وعلني أحيانا أخري بين مبارك والمشير محمد عبد الحليم ابو غزالة وزير الحربية. المهم أن مبارك تمكن من الاطاحة بأبو غزالة دون عقبات بالرغم من وجوده علي رأس القوات المسلحة, لم يقرأ الرجل الدرس ولم يستفد منه. وكان أن تمت الاطاحة به بسهولة عقب عمليات إعداد للمسرح شارك فيها عدد من أهم المساعدين الذين اختاروا التخلي عنه والوقوف بجانب رئيس الجمهورية. وذاق طعم الغدر شديد المرارة. ومثلما لم يتعلم درس فوزي وأبو غزالة, لم يتعلم من دروس الصدام بين الإخوان وعبد الناصر ومن بعده السادات ومبارك. وأتوقف عند درس السادات لأنه الأكثر وضوحا, فقد قرر الرجل إخراج القوي السياسية الإسلامية من السجون والمعتقلات وسمح لها بالعمل السياسي للاستفادة منها في الحد من نفوذ القوي الشيوعية والناصرية التي كانت تناصبه العداء. وتمكن الإسلاميون من التمدد والانتشار, ولكنهم في النهاية, أقدموا علي اغتيال السادات. كان الاغتيال هو أسلوبهم في التعبير عن الامتنان والشكر لمن أعطاهم قبلة الحياة. ربما تصور هذا المسئول أنه الأذكي والأقدر والأبرع, ونام مطمئنا علي فراش السلطة والقوة إلي أن استيقظ علي واقع الإطاحة به, ليخرج بحصاد وفير من الفشل والكراهية, لأنني لا أعتقد أن الغرور والاستعلاء والعجرفة والغطرسة والتسلط وافتقاد الخيال والقدرة علي المبادرة يمكن أن تثمر احتراما أو حبا أو تقديرا. المزيد من مقالات عبده مباشر