أعلنت المملكة العربية السعودية يوم 12/12/2018 تأسيس كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن يضم كلاً من السعودية ومصر والسودان وجيبوتى واليمن والصومال والأردن، لتعزيز سبل التعاون فى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والسعى لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمى والدولى، وذلك استكمالاً للتفاهمات التى سبق التوصل اليها بالقاهرة في11 و12 ديسمبر 2017، حيث ينتظر أن تستكمل المشاورات خلال اجتماع قادم لوزراء الخارجية وكبار المسئولين فى الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن بالقاهرة لمواصلة بحث كل التفاصيل لهذا الاتفاق الذى يجب أن يبدأ بالتعاون فى المجال الاقتصادى ويعقبه تعاون أمنى، بالتوازى مع العمل على احتواء الدول غير العربية المطلة على البحر الأحمر مثل إسرائيل وإريتريا وخصوصاً إريتريا لتحكمها فى مضيق باب المندب، خاصة أن البحر الأحمر يعد ممرا مائيا تجتازه أهم سلعة إستراتيجية وهى النفط، ومن ثم تسعى بعض الدول الكبرى لكى تنفرد بالسيطرة على منطقة البحر الأحمر لحماية مصالحها وأهدافها وضمان تدفق البترول من دول الخليج وضمان أمن إسرائيل بالمنطقة. ويشكل البحر الأحمر ضرورة إستراتيجية للأمن القومى المصرى والعربى، كما أن الوضع الاقتصادى لدول البحر الأحمر سيظل ركيزة أساسية لها انعكاساتها على نظريات الاقتصاد العالمى، حيث تمر به 20% من حجم التجارة العالمية ونحو 30% من استهلاك العالم من البترول، بالإضافة إلى دور قناة السويس الذى أدى إلى زيادة أهميته، ومن هذا المنطلق يجب أن تقوم الدول المشاطئة على البحر الأحمر بالعمل على الحد من التدخل الأجنبى بالمنطقة، مما يتطلب مزيداً من التعاون الإقليمى بين الدول العربية لتقليص التنافس الدولى الذى يهدد المصالح الإستراتيجية لدوله، خاصة فى ظل المساعى المبذولة لتدويل البحر الأحمر وفقاً للرؤية الأمريكية التى تؤيدها إسرائيل، والتى يمكن أن تتيح لها التحكم فى الملاحة فى البحر الأحمر أو استخدامها كذريعة لبقاء القوات الأجنبية فى جنوبالبحر الأحمر لاسيما الأمريكية والإسرائيلية مما يؤثر على أمن الدول العربية. تجدر الإشارة إلى أن المحاولات السابقة لإقامة مشروع قومى عربى لأمن البحر الأحمر كانت دائماً تصطدم بحساسية الدول العربية لمسألة السيادة المطلقة، وبما يضع قيوداً على إمكانية تحقيق الأمن الإقليمى لمنطقة البحر الأحمر فى ظل عدم استعداد الدول العربية للتضحية ببعض اختصاصاتها القطرية لصالح تحقيق المصلحة الإقليمية أو القومية، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسى فى بعض البلدان العربية المطلة على البحر الأحمر، وتباين وجهات نظر الدول العربية المطلة على البحر الأحمر إزاء مصادر تهديد أمنها القومى، حيث أصبحت بعض الدول العربية ترفض النظر إلى إسرائيل باعتبارها مصدراً من مصادر التهديد أو على الأقل لا تعتبرها المصدر الرئيسى لتهديد أمنها، بل ترى فى إيران والدول العربية المجاورة لها مصدر التهديد الرئيسى لأمنها القومى ، لاسيما مع سعى إسرائيل لفرض واقع التعامل مع البحر الأحمر بعيدا عن المفهوم العربى أو حتى الافريقى للأمن والتعاون، ومن ثم عدم السماح بوضع أطر إقليمية تتيح استبعاد إسرائيل بحكم الأغلبية العربية المطلة على البحر الأحمر. وفى هذا الإطار ينبغى تطوير العلاقات مع الدول العربية المشاطئة وصولاً إلى تحقيق تعاون مشترك بين دوله العربية والافريقية، والعمل على تنقية الأجواء بينها، مع تدعيم جامعة الدول العربية لتفعيل دورها كمركز رئيسى للتعاون والتفاعل العربى المشترك، من خلال تعاون سياسى وعسكرى بين الدول العربية المطلة على البحر الأحمر تحت مظلة الجامعة العربية ، وكذا تمكين الدول العربية المشاطئة من امتلاك القدرات العسكرية اللازمة لتأمين مياهها الإقليمية وسواحلها والجزر التابعة لها وحماية أهدافها الحيوية والإستراتيجية بالبحر ومراقبة ومكافحة التلوث البحرى ووضع نظام دقيق ومستمر لتبادل المعلومات والإنذارات ، والعمل على تكوين قوة بحرية / جوية عربية للعمل داخل حوض البحر الأحمر وخارج المياه الإقليمية للدول المشاطئة. ولا شك فإن إقامة تجمع عربى يضم الدول العربية المطلة على البحر الأحمر بهدف إقامة تنظيم إقليمى لتنسيق مصالح الدول المطلة عليه لمواجهة التحديات المعاصرة مثل تلوث البيئة ومحاربة الإرهاب والهجرة غير المشروعة مع التفاعل والتنسيق مع كتل إقليمية مجاورة مثل الخليج العربى (مجلس التعاون الخليجى)، سيدعم قدرة الدول على استغلال الجزر ذات الأهمية الإستراتيجية الواقعة على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، مثل جزر بريم وسوقطرة وإقامة منشآت صناعية لاستغلال الثروات السمكية والمعدنية الموجودة فى البحر الأحمر على أن تكون برأس مال عربى مشترك، وإتاحة المجال لكل من مصر والسعودية والسودان لاستغلال الثروة المعدنية الموجودة فى قاع البحر الأحمر فى المنطقة الواقعة بين هذه الدول، وبما يتطلب ضرورة الإسراع فى تنفيذ جسر الملك/ سلمان بين مصر والسعودية الذى تم الاتفاق على دراسة الجدوى الخاصة به خلال زيارة العاهل السعودى الملك / سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة وذلك لتحقيق الربط البرى بين البلدين بما يدعم التنمية الاقتصادية بين شرق وغرب البحر الأحمر. وفى التقدير إسهام تأسيس الدول العربية كيانا يضم الدول العربية المطلة على البحر الأحمر فى تحقيق أهداف الأمن القومى العربى، هنا تبرز أهمية إسهام دول مجلس التعاون الخليجى ممثلة فى صناديقها الإنمائية فى التنمية الافريقية عن طريق قروض إنمائية خاصة بدول القرن الإفريقى حتى تكون هناك أرضية مشتركة للتعاون والتفاعل والتنسيق بين الإقليمين مستقبلاً، وإيجاد آلية تعاون يمكن أن تأخذ شكل المنتدى كبداية للتلاقى وتبادل الآراء، تمثل فيه كل الأطراف الرسمية إلى جانب المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدنى ورجال الأعمال والهيئات الخيرية من إقليم البحر الأحمر ومن خارجه، فضلاً عن تطوير الهيئة الإقليمية لحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وتوسيع صلاحياتها لتشمل إلى جانب حماية البيئة، دراسات الجدوى للمشاريع التى يمكن استغلالها بواسطة دول البحر الأحمر. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود