جاء اجتماع القاهرة السلام والأمن والرخاء في منطقة البحر الأحمر: نحو إطار إقليمي عربي وإفريقي للتعاون في الفترة(1211) ديسمبر2017 بمشاركة عدد من الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر, ليمثل أولي الخطوات التمهيدية نحو بلورة رؤية عربية لمنظومة أمن البحر الأحمر تأخذ في الاعتبار المصالح العربية وتنطلق من اعتبارات الأمن القومي العربي. وتعد هذه الخطوة من جانب مصر استكمالا لخطوات كثيرة تم اتخاذها في الماضي ولم يكتب لها النجاح, ففي أواخر السبعينيات, طرحت جامعة الدول العربية فكرة تشكيل قوة أمن عربية دائمة لمواجهة الأخطار التي تهدد أمن البحر الأحمر تكون تابعة مباشرة للأمانة العسكرية في الجامعة, وفي النصف الثاني من العام2008 وبعد تزايد عمليات القرصنة البحرية أمام السواحل الصومالية, عادت الفكرة لتطرح نفسها من جديد, وذلك بعد إعلان بعض الدول الأوروبية نيتها تشكيل قوة عسكرية لتأمين سلامة السفن العابرة للبحر الأحمر والمحيط الهندي. وقد جاءت الحاجة الملحة لهذه المنظومة ليس فقط انطلاقا من الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية للبحر الأحمر, باعتباره أحد أهم الممرات الملاحية التي تنقل حوالي20% من التجارة العالمية, كما أنه يمثل معبرا رئيسيا لتصدير نفط الخليج إلي الأسواق العالمية حيث يمر به45% من ناقلات النفط المحملة بنفط الخليج العربي, كما أنه المنفذ البحري الجنوبي لإسرائيل والرابط الأساسي بين التجارة الراغبة في الوصول إلي ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب, وإنما تكاملا مع طبيعة التحديات والتهديدات التي فرضتها بيئة الأزمات التي تعيشها المنطقة العربية والعديد من دولها, علي نحو جعل من منطقة البحر الأحمر تمثل أحد المساحات الضاغطة علي الأمن القومي العربي التي تدفع بالأزمات العربية نحو مزيد من التصعيد, عبر استدعاء الدور الخارجي الذي تمارسه العديد من الأطراف الإقليمية والدولية عبر قواعدها العسكرية المنتشرة علي طول سواحل البحر الأحمر بشكل غابت معه المصلحة العربية, وساهم في فرض درجة من التعقيد علي بيئة الصراع التي تشهدها الوحدات العربية. ومن ثم, جاءت المبادرة المصرية بالدعوة لتطوير منظومة جديدة لأمن البحر الأحمر تأسيسا علي أرضيات التعاون المشتركة التي قد توفرها أطر التعاون الاقتصادي فيما بين الدول المشاطئة, علي نحو يؤدي إلي إجراء حوار كاشف حيال الأوضاع السياسية في إقليم البحر الأحمر ومحيطه, وهو ما سيسهم بدوره في بلورة صيغة للتنسيق المشترك الفاعل لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة علي غرار ظاهرة الإرهاب, والهجرة غير الشرعية, والاتجار في البشر, وعمليات التهريب, والجريمة العابرة للحدود, وعمليات القرصنة. إلا أنه بالنظر إلي حالة الفشل التي باءت بها جميع المبادرات التي تم اتخاذها في الماضي, إلي جانب عدم وضوح المسارات المستقبلية للمبادرة المطروحة حاليا, تثور بعض التساؤلات حول متطلبات اللحظة الراهنة من حيث تحديد طبيعة وشكل المنظومة المقترحة والعناصر المكونة لها, وتحديد طبيعة التحديات التي تعرقل تطويرها إلي إطار مؤسسي ينظم حركة الدول الفاعلة داخل نطاق منطقة البحر الأحمر, هذا بالإضافة إلي توضيح فرص التعاون التي قد توفرها هذه الأطر المقترحة وتضمن لها الفاعلية والاستدامة المطلوبة. وهو ما يحاول هذا التقرير الإجابة عليه عبر فك مساحات الاشتباك التي تفرضها مثل هذه الأطروحات. أولا: طبيعة المنظومة المقترحة والعناصر المكونة لها بالنظر إلي طبيعة المبادرات التي تم اقتراحها في الماضي والمطروحة حاليا, نجد أنها ارتبطت بمستوي عال من التعاون سواء تمثل في تشكيل قوة أمن عربية دائمة أو إطار إقليمي للتعاون, لم تساعد التفاعلات البينية للدول المقترحة في المنظومة علي تحقيقه, إلي جانب جملة التحديات الهيكلية التي تفرضها هذه الأطر المؤسسية للتعاون سواء تلك المتعلقة بأمور السيادة أو الاتفاق حول القيادة وغيرها من الإشكاليات. وبالتالي, فإن معطيات المشهد الحالي قد لا تؤهل إلي هذا المستوي العالي من التعاون, بل من الممكن أن يتم طرح هذا التعاون في البداية كمرحلة أولية في شكل منتدي للحوار الإقليمي يتم من خلاله استيعاب تخوفات الدول المقترحة للانضمام حول مختلف الإشكاليات التي تم الإشارة إلي جزء منها, إلي جانب توسيع مظلة الدول الأعضاء بحيث لا تشتمل فقط علي الدول المشاطئة للبحر الأحمر وهي( مصر والسعودية والأردن, والسودان, واليمن, والصومال, وجيبوتي يضاف لها إريتريا), وإنما يجب شمولها بدول الجوار ذات المصالح المتقاطعة علي غرار إثيوبيا وجنوب السودان, بالإضافة إلي الأطراف الإقليمية والدولية المتواجدة في هذه المنطقة من خلال قواعدها العسكرية علي غرار الولاياتالمتحدة والصين وفرنسا وغيرها من الأطراف الأخري, وذلك من أجل ضمان فاعلية هذه الأطر للتعاون. ثانيا: التحديات المطروحة تثور العديد من التحديات التي تفرضها البيئة الحالية المطروح فيها هذه الأنماط التعاونية من حيث حالة الضعف البنيوي الذي تعانيه بعض الدول المشاطئة والمجاورة للبحر الأحمر سواء تمثل في حالة النزاع المسلح الذي تشهده اليمن, أو الاضطرابات الداخلية في إثيوبيا, أو تنشط فيها الجماعات الإرهابية كالصومال, أو تعاني من معدلات فقر مرتفعة وبني تحتية مهترئة كجنوب السودان علي سبيل المثال, هذا إلي جانب تزايد حدة النزاعات الداخلية والإقليمية فيما بين هذه الدول, والاتجاه نحو مزيد من عسكرة هذه النزاعات عبر إطلاق سباق للتسلح بين الفواعل الرئيسية في هذه المنطقة في شمال البحر الأحمر وبين الأطراف المحلية في جنوبه( اليمن, السودان, إثيوبيا, إريتريا). إلي جانب هذه التحديات, يأتي تحد رئيس تمثل في حالة المزاحمة الشديدة لأدوار الأطراف الإقليمية والدولية المتواجدة في المنطقة, وذلك عبر تسابقهم في إنشاء مزيد من القواعد العسكرية التي باتت تفرض واقعا جديدا في هذه المنطقة خلال السنوات الأخيرة, مدفوعة بالعديد من العوامل منها الأهمية الاستراتيجية للمنطقة, وضعف دول إقليم البحر الأحمر, وسعيها للتحالف مع قوي خارجية لموازنة خصومها, وقد شهدت السنوات الأخيرة كثافة في إنشاء القواعد العسكرية الأجنبية, تكثفت بشكل كبير في جيبوتي( قاعدة أمريكية, قاعدة فرنسية, القاعدة الصينية المفتتحة حديثا في2017), وبعض الدول الأخري علي غرار الصومال( القاعدة التركية) وإريتريا( حيث تخرج التقارير بوجود قواعد إسرائيلية للتجسس في أرخبيل دهلك وميناء مصوع, ومركز للتنصت في جبال أمبا سويرا). ثالثا: المنظور العربي لأمن البحر الأحمر وحدود الفاعلية في ضوء التحديات السابقة التي فرضت درجة من التوتر وتنافس الأدوار فيما بين الأطراف الإقليمية والدولية المتواجدة في منطقة البحر الأحمر, علي نحو أوجد صعوبة في تعزيز الحضور العربي ضمن معادلات أمن هذه المنطقة التي تمثل امتدادا فرعيا لإقليم الشرق الأوسط وفناء خلفيا للأمن القومي العربي. فعلي الرغم من توافر العديد من العوامل والمتغيرات التي تساعد في تعزيز وفرض الرؤية العربية حول هذه المنطقة التي أثير تحويلها إلي بحيرة عربية في أعقاب حرب73, حيث تمتلك الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر ما مجموعه90% من إجمالي سواحله, إلا أنها لم تتمكن حتي الآن من بلورة رؤية ومنظور عربي يراعي المصالح العربية ويحدد أهدافها في هذه المنطقة, ويتفق علي طبيعة وحجم التهديدات الآتية منها, بالشكل الذي يعظم من فعالية المواجهة ويفشل المحاولات الساعية إلي تدويل هذه المنطقة دون مراعاة لمصالح وخصوصية الدول المشاطئة صاحبة الحق والسيادة في هذه المنطقة. وفي هذا الإطار يمكن صوغ بعض الأفكار التي تعزز الحضور العربي وتفرض رؤيته حول هذه المنطقة الأكثر أهمية في اللحظة الراهنة بالنسبة لاعتبارات أمنه القومي, ومنها: تحديد والاتفاق علي وحدة الأهداف والمصالح العربية في منطقة البحر الأحمر, وذلك عبر تنسيق الجهود والتحركات التي تقوم بها حاليا بعض الأطراف العربية من أجل إعادة التموضع في هذه المنطقة عبر تعزيز التواجد العسكري لها. توظيف الشراكات والتحالفات العربية مع بعض الحلفاء الدوليين الفاعلين بشكل نشط في هذه المنطقة, من أجل تخفيف درجات التنافس فيما بين الأدوار ودفعها نحو أطر جديدة للتعاون والتنسيق. العمل من خلال بعض الأطر الإقليمية القائمة والتي تنضوي في إطارها بعض الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر, من أجل تعظيم فعالية الحركة الجماعية في فرض وحضور المصلحة العربية, عبر تنشيط العمليات الدبلوماسية التي تسعي لحل النزاعات المتعددة التي تتفاعل في منطقة البحر الأحمر, والتي قد تسهم في تحجيم استدعاء الدور الخارجي والتدخلات الأجنبية. الاتفاق علي طبيعة التهديدات والتحديات المشتركة التي تواجه الدول العربية في إطار منظور يتجاوز المصلحة الذاتية لهذه الدول إلي منظور أشمل ينطلق من اعتبارات الأمن القومي العربي. وختاما, يجب التأكيد علي ضرورة البناء ومتابعة المبادرة المصرية المطروحة حاليا( خاصة مع الأنباء التي تتواتر حول تأجيل الاجتماع الثاني الذي كان مزمع عقده في الربع الأول من عام2018), وإبداء قدر من المرونة حول التصورات المطروحة بشأن منظومة التعاون في منطقة البحر الأحمر, خاصة تجاه مشروعات وآليات التعاون المطروحة, حتي وإن جاء ذلك علي حساب مستوي التعاون, بحيث يكون في إطار صيغة أقل من صيغة التعاون المطروحة كإنشاء منتدي للحوار الإقليمي في منطقة البحر الأحمر كمرحلة أولية لتطوير التعاون وتعزيزه فيما بعد عبر أطر وشراكات مؤسسية أكبر, والسماح كذلك بسرعات متفاوتة للتنفيذ بما يمكن كل دولة منهم من اللحاق بأي مشروع إقليمي وفقا للملاءمة الوطنية.