في مارس 1980 اجتمع في باريس أربعون عضوًا من مشاهير مفكري العرب لتأسيس «حركة تنوير عربية». والمفارقة هنا أن ذلك الاجتماع التأسيسي كان هو الأول والأخير، أي أنه أصيب بالفشل، والسؤال هو لماذا؟. هذا السؤال أجاب عليه الفيلسوف الألماني العظيم "كانْت" الذي يقف عند قمة التنوير في القرن الثامن عشر، في مقال عنوانه «جواب عن سؤال: ما التنوير؟» ويمكن إيجازه في شعاره القائل: «كن جريئًا في إعمال عقلك». وقد كان يقصد به أنه لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه. وللجواب أيضا عن هذا التساؤل أستعين بحوار للكاتب الكبير توفيق الحكيم 1975 حيث أجاب بأن أوربا قد مرت بحركتين للتنوير: "تحرير العقل"، و"التزام العقل بتغيير الوضع القائم"، أما الدول العربية ومن بينها مصر فلم تمر بهاتين الحركتين. إلا أن هذا الصراع الذي تحدث عنه توفيق الحكيم سبقة فيه كل من ابن رشد ورفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي وأيضا الشيخ علي عبدالرازق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذي أنكر فيه الخلافة الإسلامية مؤكدا أنها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها. وكانت النتيجة محاكمته وإخراجه من زمرة العلماء، لعدم أهليته للقيام بأي وظيفة دينية، رغم أن الكتاب صدر بعد عام من إلغاء الخلافة في تركيا عام 1924. ورغم أن التعلم والتطور لا يتنافيان مع الدين، وإنما منسجمان معه تمام الانسجام. ونفس الشئ يحدث اليوم مع د. سعد الدين الهلالي، وإسلام بحيري، ود. خالد منتصر. لقد واجهت أوروبا الوضع ذاته، ولكنهم رفضوة وثاروا عليه بعد أن غرقت الكنيسة في غياهب الاستبداد، وبعد أن جمدت الحياة والمعارف والعلوم وثبتتها بوضعها في قوالب اللاهوت المقدس والثابت. واليوم يرفض الغرب العودة إلى الأصولية المسيحية، لأنهم يعرفون معنى التدين الأصولي والتعصب الطائفي والمذهبي الذى يحمله تحت طياته. ولذا جاء التنوير كرد فعل على هذه الحروب المذهبية التي حطمت أوربا. القرن العشرين كان بدايه لنهضة عربية كبيرة ارتكزت علي مفاهيم ومبادئ جديدة أعلت قيم الحوار والعقل وحرية التفكير والإبداع والبحث والاجتهاد، كما أن الثقافة العربية شهدت نهضة فكرية وفنية عاصفة أثرت حياتنا. ولكن دائما ما كانت قوى الظلام المعادية لأي إبداع أو علم أو فكر مخالف تتربص لزرع بذور تغييب العقل ومعاداة الحرية واستحضار الماضي، ونجحت بالفعل في تكوين كتله الفكر الأحادى المقدس للنص والمكرس للجهل والتبعية والمعادي للثقافة وللعلم ولإعمال العقل ولحرية المرأة.. وتمكن ليرفض الآن أي اختلاف ويعلن أنه يمتلك وحدة الحقيقة. نحن الآن في مرحلة يمكن أن يُطلق عليها "مفترق طرق" أو "معركة المصير"، فإما أن نذعن للخارجين من كهوف الماضي، أو أن نتكاتف حفاظا على هويتنا بهدف التنوير والإصلاح والاعتدال. [email protected] لمزيد من مقالات رانيا حفنى