* كان يستمع للقرآن صباحا والموسيقى الكلاسيكية مساءً * غضب من والدى وقال أحب ألا يقبل أحد يدى * اشترت وزارة الثقافة منزله ولم تدفع بقية ثمنه * والدتى كانت تعطيه السجائر من وراء جدتى
لم تشعر فى يوم من الأيام بأن جدها شخصية غير عادية، فكانت تراه الجد الطيب الكريم الحنون، الذى كان يحب أن يناديها «بلمبتى» كان يخفى لها الشيكولاتة والحلويات فى جيوبه خوفا من جدتها سوزان التى كانت ترفض تناولها الحلويات قبل الغداء. تعترف الحفيدة سوسن محمد حسن الزيات ابنة أمينة طه حسين، بأنها ظلت لفترة طويلة لا تعرف أن جدها ضرير،وتشعر بالحزن على ما وصل إليه حال متحف «رامتان» منزله سابقا من إهمال وسوء ادارة، وتطالب وزارة الثقافة بتسديد المبلغ المتبقى من ثمن المنزل وتطالب الدولة بالاهتمام بالمتحف أسوة بمتحف الشاعر أحمد شوقى. سوسن الزيات للمرة الأولى تتحدث عن عميد الأدب العربى، حيث كانت شاهدة على آخر 23 عاما من حياته. فى بداية الحوار رفضت سوسن الزيات التصوير نهائيا أو وضع صورة لها فى الحوار، وباءت محاولاتى لإقناعها بالتصوير بالفشل فاحترمت رغبتها، وسمحت لنا بنشر صورة لها وهى طفلة صغيرة مع جدها، وصورة أخرى لخطاب أرسلته والدتها أمينة لوالدها وهى فى الإسكندرية تحكى له كيف قضوا يومهم و من جاء لزيارتهم، كما احترمت صراحتها وبساطتها حين قالت «أنا مليش فى الادب وليس لدى القدرة على التحدث عن طه حسين كأديب». نريد التعرف عن قرب على حفيدة عميد الأدب العربى طه حسين؟ أنا ابنة أمينة طه حسين. والدى محمد حسن الزيات، شغل والدى منصب وزير الخارجية فى عهد الرئيس أنور السادات، حاصلة على ماجستير من أمريكا ومتزوجة من الوزير المفوض على القاضى، وأم لولدين، عملت لفترة فى منظمة الأوبك فى الجامعة العربية، تركت العمل بها نتيجة لارتباطى بعمل زوجى الدائم للتنقل والسفر. فيما يتعلق بعائلة الدكتور طه حسين.. من بقى منهم ومن رحل؟ أنجب طه حسين أمينة، ومؤنس وأنجبت أمينة منى الله يرحمها وحسن، وأنا، وخالى مؤنس أنجب أمينة وقد أطلق عليها اسم أمينة على اسم والدتى وجدتها لوالدتها زوجة امير الشعراء أحمد شوقى، وقد تزوج خالى من حفيدة الشاعر أحمد شوقى بعد قصة حب كبيرة وتزوجت أمينة مؤنس من يابانى الجنسية وتعيش حاليا فى لندن. كيف كان يتعامل الأديب الكبير طه حسين مع الأبناء والأحفاد؟ كانت جدتى سوزان صارمة وحازمة وكلامها لابد أن ينفذ، أما جدى طه حسين فكان يدللنى دائما، وأتذكر أن جدتى كانت ترفض بشدة تناول الحلويات قبل تناول وجبة الغداء، فكان جدى يخبئ لنا الشيكولاتة فى جيوبه، ويعطيها لنا سرا. وكان دائما ينادينى «بلمبة» وكان يقولى لى انت لمبتى التى تضيء لى المكان، وكان دائما يؤلف لنا القصص والحواديت، وكان لكل واحد منا اسم دلع غير اسمه يناديه به. ما هى اللغة التى كانت سائدة فى البيت؟ برغم السنوات التى عاشتها جدتى فى مصر إلا أنها لم تتحدث «العربية» إلا قليلا، وكانت اللغة الفرنسية هى السائدة فى البيت، ونتيجة لتنقل والدى فى فترة عمله كمندوب دائم فى الأممالمتحدة وتوليه منصب وزير الخارجية فى فترة الرئيس أنور السادات كنا دائمى التنقل والسفر معه لأمريكا وكانت جدتى سوزان تريد أن ندخل مدارس فرنسية وجدى لأبى كان يريد أن ندرس فى مدارس عربية لكن والدى قرر الدراسة فى مدارس انجليزية، وهذا لم يعجب جدى طه حسين. كيف كانت علاقة والدك محمد حسن الزيات بالدكتور طه؟ كان والدى تلميذا من تلاميذه قبل أن يلتحق بالعمل فى الخارجية، وارتبط بوالدتى وتزوجها بعد قصة حب كبيرة. كيف كانت علاقة والدتك أمينة به؟ كانت والدتى قريبة جدا من جدى لأنها الابنة الكبرى الكبيرة، ونتيجة للنظام الصارم الذى كانت تتعامل به جدتى كانت والدتى فى أحيان كثيرة تقوم بإعطاء جدى السجاير من وراء والدتها، لأنها كانت تمنعها عنه نهائيا، وكان خالى مؤنس قريبا من جدتى. ما هى الطقوس الخاصة لطه حسين فى البيت؟ كان يستيقظ مبكرا وبعد تناول الإفطار معنا يدخل جدى لغرفته الخاصة ليستمع للقرآن لمدة ساعة وكانت جدتى تدخل غرفتها لتصلى. وكانوا حريصين على سماع الموسيقى الكلاسيكية فى المساء. هل كان له نظام معين فى الأكل؟ لم يكن له نظام معين فى الأكل، فقد كان لا يحب الطعام، وكان يأكل بكميات قليلة جدا، وكانت هذه مشكلة تؤرق جدتى طول الوقت. ما هى طقوسه اليومية فى الكتابة والقراءة؟ كان يأتى له يوميا سكرتير يقرأ له بالعربية وسكرتيرة تقرأ له بالفرنسية. ما هى نقطة الخلاف الدائمة بينه وزوجته سوزان؟ كانت دائمة الشكوى من عدم اهتمامه بصحته. كيف أثرت العملية الجراحية التى أجريت له على قدرته على الحركة؟ كان جدى يعانى آلاما شديدة فى الظهر، وأصرت جدتى على إجراء عملية لتخفيف الألم عنه، ولكنه رفض بشدة إجراء العملية، لكن نتيجة لإلحاح جدتى وافق، وقد جاء طبيب مخصوص من فرنسا لإجراء العملية له، لكن للأسف فشلت العملية وفقد جدى القدرة على المشى كما كان قبل العملية، وأرادت جدتى تركيب أسانسير فى البيت، ليسهل له الحركة، لكنه رفض، وكان يعتمد فى تنقلاته فى البيت على السفرجى كان يحمله للطابق الثانى وينزله للطابق الأول. هل كان لبيت طه حسين تصميم خاص لكونه ضريرا؟ لا.. كان بيتا عاديا جدا مثله مثل أى بيت مصرى، وكان يتحرك فى المنزل قبل العملية بشكل سلس، والغريب أننى لم أعرف أن جدى كان ضريرا إلا وأنا فى الصف الأول الابتدائى، فى يوم كان مطلوب منى فى المدرسة حفظ درس فأعطيت له الكتاب وقلت له سمع لى الدرس ساعتها عرفت انه ضرير. وماذا عن باقى عائلة طه حسين؟ للأسف لم نعد على صلة ببعض كان فى بنات عم ماما اثنتان منهن كنت أعرفهما لكن انقطعت الصلة من فترة طويلة. ماذا عن بيت المنيامسقط رأس طه حسين؟ لم يتبق منه شىء فكل أخوات طه حسين جاءوا إلى مصر ولم يبق أحد منهم فى المنيا. هل كان يتدخل فى اختيارات أبنائه للدراسة التى يدرسونها؟ لا لم يتدخل مطلقا فى اختياراتهم فى الدراسة التى درسوها والدتى درست أدبا يونانيا. ما هى الأسباب التى دفعت مؤنس طه حسين للهجرة إلى فرنسا؟ أنا لا اعرف تفاصيل كثيرة حول أسباب سفره، وكل ما أعرفه انه تعرض لمشاكل فى الجامعة. أشعر من كلامك عدم الرضى عن متحف «رامتان» منزل طه حسين سابقا؟ هدا حقيقى مند فترة جاء صديق لى من فرنسا وألح على فى طلب زيارة متحف رامتان، وأنا كنت رافضة الذهاب إليه، ونتيجة لإلحاحه فى الطلب ذهبت معه، وعندما رأى المتحف وشاهد حجم الإهمال، وعدم النظافة، قال: الآن عرفت سبب رفضك للمجيء إلى هنا، وبعدها ذهبت إلى متحف أحمد شوقى وجدت الفرق شاسعا جدا من حيث النظام والنظافة والاهتمام. هل تشعرين بالتميز كونك حفيدة طه حسين؟ لم أشعر أننى متميزة كونى حفيدة طه حسين، كنت أراه رجلا عاديا جدا. كأى عالم بقيمة وقامة طه حسين يتعرض للهجوم والانتقادات من حين لآخر، ما تأثير هذه الانتقادات عليكم؟ أتضايق عندما اسمع هجوما عليه أو أقرأ انتقادات وتخاريف عنه، من عينة أن زوجته الفرنسية جعلته يتحول إلى المسيحية، وهذا الكلام تخاريف. جدى كان يسمع القرآن كل يوم وجدتى احتفظت بديانتها حتى الموت وكانت متدينة جدا وكانت حريصة كل يوم أحد الذهاب إلى الكنيسة. هل شاهدت جدتك مسلسل طه حسين الذى جسده أحمد زكى؟ شاهدت المسلسل وأعجبنى أداء أحمد زكى وأحببت صوت محمود ياسين فى فيلم قاهر الظلام. ماذا ترك طه حسين لأبنائه بعد وفاته؟ لم يترك سوى البيت الذى كانوا يعيشون فيه،ولم تترك جدتى أى مجوهرات، باستثناء بعض المشغولات الفضية القديمة، وبعد وفاة جدتى، باع والدى البيت لوزارة الثقافة، بموجب التوكيل الذى عمله خالى مؤنس لوالدى، وللأسف إلى الآن لم تسدد الوزارة المبلغ المتبقى من ثمن البيت. كيف وأنت تقولين إن البيع تم منذ عام 1992؟ بسخرية ممزوجة بالألم قالت سوسن الزيات الحفيدة: بعد أن عملنا كل إجراءات البيع من صحة توقيع ونفاذ، وتسليم البيت لتحويله لمتحف والتبرع بمكتبة طه حسين لوزارة الثقافة تبقى مبلغ قدره 100 ألف جنيه، قالوا لنا فى الوزارة سيتم تسديد المبلغ المتبقى بعد أن يتم تسجيل العقد فى الشهر العقارى، والى الآن لم يتم التسجيل ولم نأخد باقى ثمن المنزل. مات محاميان وتعاقب على الوزارة ستة وزراء، وآخر شىء قالوه لنا إن الموضوع سيحال إلى مجلس الدولة. كتب طه حسين فى احدى كتاباته يصف سوزان رفيقة دربة «من دونك أشعر بأننى ضرير لأنى معك قادر على استشعار كل شيء وعلى الاختلاط بالأشياء التى تحيط بى»، كيف كان يتعامل طه حسن مع زوجته سوزان؟ تبتسم سوسن وتقول لم أر فى حياتى حبا بهذا الشكل كان يدللها دائما، ويناديها بصوت جميل ويقول لها سوزى وكانت حواراتهما وقصصهما وحواديتهما لا تنتهى، وأتذكر انه عندما كنا نسافر فى الصيف إلى الإسكندرية، ونتيجة لظروف عمله كان يبقى هو فى القاهرة، كان يرسل لجدتى ووالدتى جوابا كل يوم وكانت والدتى ترسل له هى الأخرى جوابا كل يوم تحكى له تفاصل يومهم وقد أعطانى والدى هذه الجوابات وطلب منى أن أحتفظ بها. هل من الممكن أن نطلع على بعض هذه الخطابات؟ لا..لأن هذه الخطابات «مش للنشر» لأنها خطابات شخصية لا تهم أحدا. بعد محاولات منى وافقت وأطلعتنى على جواب واحد أرسلته أمينة للدكتور طه تحكى له كيف قضت يومها. لماذا لا توافقين على نشر هذه الجوابات؟ لأنى لا أريد أن أفتح على نفسى فاتحة فقد أخذت قرارا بعدم النشر فى هذا الموضوع لو كان والدى يريد نشر هذه الخطابات لكان نشرها لكنه معنى انه أعطاها لى انه لا يريد أن تتداول فى وسائل الاعلام لأنها فيها مسائل شخصية لا تهم أحدا. ما هى الصفة المشتركة بينك وبين جدك طه حسين؟ قالت ضاحكة «راسى ناشفة» طالعة لجدى هو كان عنيدا، وعندما يصمم على شىء لا يمكن أن يتراجع عنه. هل كنت موجودة يوم الوفاة؟ لم أكن موجودة فى مصر وقتها، وكانت والدتى ووالدى فى نيويورك، حيث كان يعمل وقتها فى الهيئة العامة للأمم المتحدة، فلم يكن فى مصر غير أخى حسن، وجاءت والدتى ووالدى بطيارة خاصة لان مصر كانت وقتها فى حرب 73 والطيران كان تقريبا متوقفا؟ كيف عاشت زوجته سوزان بعد رحيله؟ بعد الرحيل تركت منزلها فى الهرم وأقامت معنا فى منزلنا فى المعادى لمدة سنة، لكنها لم تستطع البقاء وفضلت العودة لمنزلها فى الهرم، وقد تعرضت للسرقة، لكنها أصرت على أن تبقى فى منزلها، لكن فى الفترة الأخيرة فى حياتها جاءت وأقامت معنا حتى وفاتها. كيف كانت علاقته بابنه مؤنس؟ كانت عائلة متماسكة جدا. ما الذى لا يعرفه الناس عن الأديب الكبير طه حسين؟ كان جدى طيبا وحنونا وكريما، ومن المواقف الغريبة التى أتذكرها أنه فى يوم طلب منا والدى أنا وإخوتى منى وحسن أن نقبل يد جدى عندما نسلم عليه، لكن جدى غضب جدا من والدى ورفض بشدة أن نقبل يده وقال لوالدى أنا أحب ألا يقبل أحد يدى.