مع عام1965 انتقلت الحرب الثقافية الباردة إلي داخل المعسكر الشيوعي. ففي10 نوفمبر من ذلك العام انتقد أديب شاب في مدينة شنغهاي اسمه ياو ونيوان مسرحية اسمها هي جيو, و هي جيو هو اسم لموظف أمين ومخلص عوقب بسبب أمانته وإخلاصه. حدث ذلك في زمن ماو تسي تونج الذي ارتأي أن المسرحية تهاجمه شخصيا, وأن هذا الهجوم يمكن أن يتخذ منه ذريعة لتفجير الثورة الثقافية من أجل تحرير المثقفين والفنانين والأكاديميين من القهر الفكري. وفي هذا الاطار أصبحت زوجة ماو المستشار الثقافي لليمين الصيني فأحاطت نفسها بشبان نشطاء من أجل مهاجمة العلماء- الطغاة- الذين اساءوا استخدام اللغة, من أجل كبت الصراع الطبقي, وكذلك من أجل مهاجمة الجامعات في ادعائها أن الكل متساو أمام الحقيقة. وهنا استعانت زوجة ماو( يانج كنج) بالحرس الأحمر وهو مجموعة من الطلاب الجامعيين مكرسة لمهاجمة السلطات الجامعية. ومع ذلك كانت النتيجة اندلاع العنف في الشوارع واعتداء الحرس الأحمر علي المطاعم والفنادق التي تقدم مشهيات غربية. وتبع ذلك غلق المكتبات وحرق الكتب. ومع النصف الثاني من عام1966 تحكم الجيش في المؤسسات الثقافية في الصين, ومن ثم انتهت الثورة الثقافية بعد أن تم قتل400000. وهنا يلزم التنويه بالتماثل بين ما أحدثته الثورة الثقافية في الصين وما أحدثه ستالين في الاتحاد السوفيتي, فكل منهما أشاع الارهاب الفكري والسياسي إلي حد القتل بلا رحمة بدعوي الدفاع عن ايديولوجيا ارتقت إلي حد المطلق ومن ثم لم يكن من حق أحد أن ينقد أو يعترض. ومع ذلك برز من بين المفكرين المقهورين إلي حد الصمت مفكر جسور رفض الاذعان للقهر, ومن ثم رفض الصمت, هذا المفكر اسمه الكسندر سولجنتسين(1928-2008). وجسارته بمفرده جديرة بأن تروي. إنه بسبب هذه الجسارة كشف لنا عن أبشع مأساة واجهها66 مليونا من البشر يقيمون في الاتحاد السوفيتي وذلك في روايته الخالدة أرخبيل جولاج. والمقصود بالجولاج هنا الادارة العليا لمعسكرات العمل حيث الرعب في توجيه الأسئلة مع الاستعانة بأفظع تقنيات التعذيب, الأمر الذي يدفع القارئ إلي رؤية عالم جديد وثقافة جديدة لم تكن تخطر علي عقل انسان, وكل ذلك مصحوب بسخرية وذلك بفضل الكشف عن الأسباب العبثية في اصدار الأمر بالاعتقال. مثال ذلك: اعتقال فتاة لأنها كانت تصلي في الكنيسة من أجل موت ستالين, واعتقال آخر لأنه أظهر تعاطفا مع أمريكا وثالث لأنه انتقد أساليب الاقتراض من الدولة. وكان مقصد سولجنتسين من هذا السرد التدليل علي أن روح الانسان لن تقهر مهما يكن عدد القتلي من البشر. وهنا يحكي لنا سولجنتسين في الفصول الأخيرة من روايته أن ثمة تمردا حدث في أحد معسكرات العمل ولكن قضي عليه ومع ذلك ظل العقل بلا خمود. والمغزي أن هزيمة الطغاة أمر حتمي. ولهذا قيل عن رواية أرخبيل جولاج: أن تعيش دون أن تقرأ هذا العمل يعني أن حماقتك تاريخية لأنك ستفقد جزءا أساسيا من الوعي بالعصر الذي تعيش فيه. استغرق تأليف هذه الرواية تسع سنوات من ابريل1958 إلي فبراير1967- وصدرت في1800 صفحة إلا أنها لم تنشر إلا في الغرب, في باريس, في28 ديسمبر.1973 وفي نهاية شهر يناير1974 أذيعت مقتطفات من الرواية في الاذاعة البريطانية والألمانية, كما تسربت في سرية تامة في موسكو بعد أن ترجمت إلي الروسية. وفي12 فبراير من ذلك العام تم اعتقال سولجنستين, ومع ذلك فقد بيع من الرواية من8 ملايين إلي10 ملايين نسخة في أمريكا و11 مليونا في ألمانيا وأقل من ذلك في انجلترا وفرنسا واليابان. واللافت للانتباه هنا أن سولجنتسين نال جائزة نوبل في الأدب في عام1970, أي قبل نشر تحفته الرائعة في الغرب بثلاث سنوات. والمغزي أن نضاله المتفرد ضد طغيان ستالين كان كافيا وحده لنيله الجائزة. والمغزي أيضا أن المفكر المناضل أقوي من الحاكم الطاغية, لأن الأول يظل فكره مؤثرا حتي بعد موته أما الثاني فيموت فكره مع موته. المزيد من مقالات مراد وهبة