هذا الفعل المشين من قبل هؤلاء الآباء والأمهات الذين تجردوا من مشاعرهم تجاه فلذات أكبادهم وقرروا فى لحظة قاسية موجعة إنهاء حياة هؤلاء الأبناء دون مراعاة أى نظرة ضعف واستعطاف وتشبث بالحياة من قبل أبنائهم والذين فوجئوا أيضا بهذا التصرف الغريب من آباء وأمهات قتلة يمثلون بالطبع حالات فردية وشاذة عن طباع المصريين، وظهرت فى الآونة الأخيرة على فترات متقاربة، ولكن هذا لايمنع أن نتوقف أمام هذه الجرائم ونتعرف على أسبابها ودوافعها النفسية والاجتماعية وأثرها على المجتمع بوجه عام وكيفية مواجهتها والحد منها بقدر الإمكان حفاظا على الاستقرار الأسرى والمجتمعى والسلم الاجتماعى، وكيف تناولها الإعلام ؟!.. بداية يوضح د.عماد مخيمر عميد كلية الآداب جامعة الزقازيق وأستاذ علم النفس قائلا: هناك لحظة نطلق عليها فى علم النفس «اللحظة الزاهمية» والتى يغيب فيها العقل والتحكم فى النفس وتغيب الإرادة والوعى غيابا كاملا، وهذه اللحظة يصاب بها بسهولة تلك الشخصيات الهشة التى ليس لها قدرة على التحمل ومواجهة المواقف الفجائية او تحمل الإحباطات او حل المشكلات، وأحيانا كثيرة تزداد الضغوط وتتراكم الى أن تصل بالشخصية حتى ولو كانت شخصية سوية إلى درجة الانفجار والذى يؤدى الى الإقدام على القتل، وأحيانا يكون هناك نوع من الاضطراب فى الشخصية وهى «الشخصية الشكاكة» وهذه الشخصية ممكن أن ترتكب جريمة فى محيط أسرتها أيضا فى أى لحظة بمجرد شكه والذى يكون فى غير محله فى معظم الأحيان.. ويرى أستاذ علم النفس أن إدمان المخدرات والذى يؤدى إلى تغييب كامل لعمل العقل والإرادة والوعى من أهم الأسباب التى تدفع الفرد إلى أن يرتكب أى فعل غير طبيعى فى إطار أسرته، وهناك جملة معروفة فى علم النفس تقول «المخدرات تذيب الضمير» وهذه تنطبق على متعاطى المخدرات، ومن ضمن الأسباب أيضا شدة الخلافات داخل الأسرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم قدرة الدخل على تلبية الاحتياجات الأساسية، وكذلك عدم التدين بشكل كاف.. ويؤكد د. مخيمر أن أثر مثل هذه الجرائم الأسرية فى المجتمع يصيب الرأى العام بالصدمة، ويقول: لأنه من الطبيعى أن الأب يضحى بحياته من أجل أبنائه، وكذلك الأم ولكن لايحدث العكس، وإذا حدث العكس فهنا تكون الطامة والصدمة الكبرى للمجتمع لأن هذا ليس من الطبيعى ولا يحدث حتى بين الحيوانات.. فالأم رعاية وحماية ومتابعة، وهنا تصبح الأم مصدرا للتهديد والاذى والقتل وكذلك الأب فى تلك الحالات الشاذة.. ويستطرد قائلا: والأثر الأخطر نتيجة تلك الجرائم على الأطفال فى المجتمع أنفسهم حيث من الممكن أن يتساءلوا فى أنفسهم هل من الممكن أن يحدث ذلك معهم من قبل ذويهم وأقرب الناس إليهم، فالطفل هنا ممكن أن يشعر بأن مشاعر أبويه تجاهه غير ثابتة مما يسبب له عدم استقرار والشعور بالقلق ويتوقع أن أباه سيأتى ويقتله فى أى لحظة حتى إذا كان والده يمزح معه سيخاف منه وخاصة إذا كان الطفل علاقته بوالديه ليست قوية او عميقة بالقدر الكافى.. ويشدد د. مخيمر على ضرورة إنشاء معاهد او مؤسسات لإعداد الفتيات والذكور لمهام وتحديات الزواج من خلال دورات تدريبية، مع وجود مراكز للإرشاد النفسى والعلاج لمن يعانون من مشكلات نفسية، وللمواجهة ايضا تجب أن يكون هناك بيوت استضافة للمعنفات من النساء حتى يلجئن إليها وقت الخطر. ويستنكر بشدة د.رشاد عبد اللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان طريقة تناول الإعلام لمثل تلك الجرائم ويقول: للأسف الإعلام المرئى تناولها بشكل عشوائى حيث يركز على الجريمة وإثارة الغرائز والحديث مع رجال الشرطة فقط ولكن تجاهلوا دور وتحليل علماء النفس والاجتماع حيث كان يجب زيارة هؤلاء المختصين لهؤلاء الأسر المنكوبة والحديث معهم قبل أن يظهروا على شاشات الفضائيات بأحاديث غير مدروسة وغير موضوعية.. ويرجع أيضا أستاذ تنظيم المجتمع أهم أسباب تلك الجرائم الأسرية الى تعاطى «المخدرات التخليقية» الجديدة والمنتشرة ورخيصة الثمن والتى تسبب اضطرابات عقلية وتدفع الشخص الى أن تصدر منه أفعال سيكوباتية غير أخلاقية.. ويشدد على ضرورة المواجهة من دور العبادة مساجد وكنائس بحيث أن يكون القائمون عليها قريبين من الناس، وينبغى أن يضم المسجد إضافة لإمام المسجد أخصائيا اجتماعيا يساعد من يلجأ إليه فى حل مشكلة ما ومن أى نوع، وكذلك يتم تخصيص ميزانية فى المؤسسات الاجتماعية فى كل منطقة او حى تحت بند «الإغاثة العاجلة» لمن يحتاجها بالفعل من خلال دراسة تقوم بها القيادات الاجتماعية، هذا بجانب تفعيل برامج الحماية الاجتماعية بحيث يكون هناك تعاون بين الداخلية والشئون الاجتماعية حتى لا يكون الدور العقابى فقط هو الحل، فلابد من تفعيل الجانب الاجتماعى للقانون والجانب الاجتماعى للدين حماية للأسرة وأطفالها من الخطر والانهيار وحماية للمجتمع ككل.