عقب ثورتى الخامس والعشرين من يناير 2011، والثلاثين من يونيو 2013 وصلت طموحات الشعب المصرى لعنان السماء؛ حيث الرخاء الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والحريات السياسية ...إلخ من المطالب المشروعة التى رفعها ثوار 25 يناير من شبابنا الوطنى الجسور، وأكدها مرة أخرى فى 30 يونيو، وزاد عليها التخلص من كل صور المتاجرة باسم الدين، وفى سبيل ذلك فقدت مصر أرواحا طاهرة زكية. كانت الروح السائدة آنذاك شبيهة بتلك التى سادت خلال ثورة يوليو 1952؛ حين سعى الضباط الأحرار ومن خلفهم شعب مصر العظيم، لخلق مصر جديدة، مصر حرة مستقلة، مصر قوية اقتصاديا وسياسيا، مصر القادرة على حماية مصالحها داخليا وخارجيا، مصر دولة المشروعات الكبرى، والأحلام والطموحات العظمى، تلك الأحلام والطموحات التى كانت تتعاظم مع كل نجاح يتحقق، مع الإنجازات الكبرى على صعيد العدالة الاجتماعية، على صعيد النمو الاقتصادي، على صعيد قوى مصر الناعمة، على صعيد تعاظم الدور المصرى عربيا وإفريقيا وعالميا، حتى صارت مصر رقما صعبا فى جميع المعادلات الإقليمية والعالمية، ونموذجا يحتذى فى تجارب النمو والتنمية. والسؤال الذى يلح على الجميع الآن، وفى طليعتهم شباب المصرى العظيم، أين نحن الآن من كل هذا؟! لماذا التأخر والتعثر؟ لماذا يعانى هذا الشعب بعد كل ما قدمه من تضحيات؟ هل كتب عليه أن يضحى إلى ما لا نهاية؟! أكاد أسمع كل هذه الأسئلة كل يوم، حين أتحاور مع الشباب وأرصد تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى باعتبارها منفذا حقيقيا لهؤلاء الشباب للتعبير عن آرائهم فى ظل ضعف الأحزاب، وهيمنة رأس المال على وسائل الإعلام. نعم أدرك صعوبة المرحلة، واختلاف معطياتها مع تلك التى عاصرت ثورة 23 يوليو وبين ما هو معاصر الآن، الأمر الذى يجعل من تحقيق كل هذه الآمال مسألة معقدة، وتتطلب بعض الوقت، وكثيرا من العمل، إلا أننى أدرك أيضا طبيعة تلك الفئة العمرية من الشباب؛ حيث الحماسة، واستعجال المستقبل، والعناد، وحالة التشكك فى كل شىء. وبرغم شعورى بالفخر الشديد من وعى هذا الشباب ومدى حرصه على وطنه، فإنه ينتابنى الكثير من الخوف والحزن نتيجة حالة الحيرة والإحباط والغضب الذى يجتاح هذا الشباب، ومما يزيد من شعورى بالقلق طريقة تعامل أجهزة الدولة بكل تنويعاتها ومستوياتها مع هذا الوضع؛ حيث حالة الصمت والتجاهل، والاكتفاء بتحرك الرئيس على صعيد العمل الشبابى من خلال الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب، والمؤتمرات الشبابية، التى تقدم نخبة من الشباب يرى أقرانهم من ملايين الشباب المصرى أنهم من أصحاب الحظوة، وأبناء الكبار. تحرك الرئيس بمفرده وبهذه الآلية لا يكفي، ولابد من وضع إستراتيجية حقيقية شاملة، وبآليات حقيقية على الأرض تخاطب جميع الشباب وتستوعبهم وتشركهم فى عملية البناء الوطني؛ إستراتيجية تجعلهم مدخلا رئيسيا فى تلك العملية، مشاركا فيها، ومستفيدا رئيسيا من مخرجاتها. خاطبوا الشباب بوعيهم وبلغتهم وبحماسهم ووطنيتهم، لا تتعاملوا معهم على أنهم فئة مغرر بهم، ليس لديهم وعي، عازفون عن المشاركة.. لدى الدولة مؤسسات كثيرة وقدرات هائلة لكى تصل لكل شاب مصري، ولكن المسئولين عن هذه المؤسسات مازالوا يتعاملون بمنطق ثلاثين عاما مضت. أيها السادة.. لا تتركوا ذخيرة هذا الوطن من الشباب فريسة لتزييف الوعي، وتشويه الإنجازات، ضعوا الحقائق مهما بلغت من صعوبة وقسوة كاملة أمامهم، أشركوهم فى صنع مستقبلهم بالفعل لا بالشعارات، ضعوهم أمام مسئولياتهم فى تحمل صعوبات المرحلة، ثقوا فى وعيهم ووطنيتهم، وقدرتهم على الإنجاز، واتركوا لهم عنان الإبداع والابتكار، ادعموهم ولا تحبطوهم.. سلموا الراية للقادرين على مواجهة المستقبل، إن فعلنا نجحنا ونجونا، وان لم نفعل تعثرنا وخسرنا لا قدر الله. لمزيد من مقالات ◀ سامى شرف