لمع اسم يوسف أدريس فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، عندما نشرت له، مجموعة قصص قصيرة بعنوان أرخص ليالى. كانت العشر سنوات التالية فترة مدهشة فى تاريخ المجتمع المصرى فى السياسة والاقتصاد والثقافة. وأظن أنها كانت أيضا فترة مدهشة فى تاريخ العالم، نشطت خلالها حركة الحياد الإيجابى وعدم الإنحياز فى العالم الثالث، واشتد الصراع الأيديولوجى بين الشرق الاشتراكى والغرب الرأسمالى، وعرفت مصر خلالها تدشين برنامج التصنيع ثم بدء تطبيق أول خطة خمسية للتنمية (1960 1965)، وأظن أنها لم تكن فقط خطتها الأولى بل وأيضا خطتها الأخيرة إذا لم تطبق مصر بعد ذلك أى خطة أخرى بأى درجة من الجدية. أقترن لمعان اسم يوسف إدريس ببدء التحول الكبير فى المجتمع المصرى من مجتمع يعيش فيه نحو 80% من السكان على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية الى مجتمع يرفع شعارات المساواة والتقريب بين الطبقات، وكانت قصص يوسف إدريس تعبر عن هذا التحول بقوة وفصاحة. أذكر له قصة نشرت فى جريدة الأهرام منتصف الستينيات يصف فيها حادثا مأساويا لعضو من أعضاء سيرك الحلو إذا هاجمه، أثناء أحد عروض السيرك، أسد اسمه سلطان واصابه بجروح أدت الى مصرعه، حاول يوسف إدريس أن يستخدم هذا الحادث للتعبير عن حالة الشعب المصرى وقتها من خمول وضعف الهمة، فصور المواجهة بين الأسد سلطان وبين مدربه، كأنها تمثل حالة الشعب المصرى النفسية وقتها، مما شجع الأسد على مهاجمته، إذ لم يستشعر من المدرب الشجاعة الكافية للصمود أمامه، نشرت القصة بعنوان «أنا سلطان قانون الوجود» وأظن أنه أصبح عنوانا لكتاب نشر ل «يوسف إدريس» بعد ذلك. كان قصصيا موهوبا بلاشك، وإن كنت قد لاحظت، عندما أعدت قراءة بعض قصصه، أنه لم يكن يعتنى عناية كافية بأسلوب الكتابة أو دقة التعبير. كان يعبر عن فترة استثنائية فى تاريخ الثقافة المصرية، لا أعتقد أنه قد ظهر فى مصر بعد ذلك من يملأ ما تركه من فراغ.