برز اسم الأديب الراحل يوسف إدريس، كواحد من أبرز من حصدهم عشق الأدب من عالم الطب، عشق القصة، وغاص في عوالمها حتى استطاع أن يحقق مصرية القصة القصيرة، فاستحق أن يُلقّب بأمير القصة، ووصِف كذلك بأنه أديب الأطباء وطبيب الأدباء، وظلت آراؤه بارزة في كل النواحي الفكرية والسياسية. فيوسف إدريس المولود في التاسع عشر من مايو بمحافظة الشرقية عام 1927، والذي تلقى تعليمه في مدارس حكومية، ثُم التحق بكلية الطب جامعة القاهرة، لم يخلق لممارسة الطب، رغم أنه بالفعل عمل مفتشًا صحيًا في الدرب الأحمر؛ لكنه كذلك بدأ في الاهتمام بموهبته الأدبية، فأخذ ينشر قصصه القصيرة في الصحف بداية من عام 1950، وبزغ نجمه بعد نشر قصة "أنشودة الغرباء" والتي نشرت في مجلة القصة، وبعدها تابع نشر قصصه في مجلة روز اليوسف، وجريدة المصري التي كان ينشر فيها قصصه بانتظام، ثم كتب عدة مقالات في مجلة صباح الخير، وشارك في تحرير مجلة التحرير، ثم أصبح من كُتّاب جريدة الجمهورية التي كان يتولى رئاسة تحريرها الرئيس الراحل أنور السادات، وبدأ ينشر فيها حلقات قصصه "قاع المدينة، المستحيل، وقبر السلطان "، ثُم أصدر مجموعته القصصية الأولى "أرخص ليالي" عام 1954، التي مثّلت البداية الفعلية للواقعية في الأدب المصري، وأعقبها بمجموعته الثانية "العسكري الأسود"، والتي وصفها أحد النقاد بأنها "تجمع بين سمات دستويفسكي وسمات كافكا معًا". كان إدريس متأثرًا بالفكر الماركسي الذي انتشر بتعاظم دور الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية، والتحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العالم في ذلك الوقت؛ وكانت رؤيته الأدبية والفكرية تستند إلى إدراك حقيقي ورؤية متعمقة لمظاهر الوجود الإنساني وحقائقه، فجاءت كتابته مُتسمة بمعرفة عميقة للواقع الاجتماعي المصري، ورواها بأسلوب ساخر تشوبه الفكاهة، وكان معتمدًا على استعمال العامية المصرية في أغلب الحوارات، ليكون عالمه مصريًا خالصًا. https://www.youtube.com/watch?v=I3FUHw1LQSw جاء عالم إدريس القصصي ليدور حول الموضوعات الأكثر حساسية، وهي الدين، الجنس، والسلطة؛ ما برز في مجموعته الشهيرة "بيت من لحم"، وكانت فكرة القدر ووجود قوة عليا مهيمنة بقوة على العديد من شخصياته ومسار قصصه مثل "قبر السلطان، لأن القيامة لا تقوم، وأكبر الكبائر"، وكان ينتصر دومًا للإنسان المسحوق في مجتمع طبقي ظالم؛ وناقش في أعماله فكرة الاستبداد، فكتب مسرحيته الشهيرة "الفرافير" التي تدور حول الصراع بين السادة والعبيد، كما نشر مسرحية "المخططين" التي لم تُعرض سوى ليلة واحدة، حيث صدر قرار بإيقاف عرضها؛ لكنها عرضت بعد ذلك على مسرح الطليعة، وكتب كذلك نصه الشهير "اللحظة الحرجة"، والذي حلل فيه حالة أسرة مصرية إبان حرب 1956 وردود أفعال أفرادها تجاه الحرب؛ أيضًا رواية "البيضاء" مثّلت الصراع بين الغرب والشرق، وبين الشمال والجنوب، وأظهر الشتات بين التفكير العقلاني والعاطفي، وأبرز كل الصراعات النفسية التي تمر بها الشخصية الرئيسية في الرواية. https://www.youtube.com/watch?v=2ijzFSpbAfg أصابت إدريس" أزمة إبداعية سيطرت على حياته وغلفت أعماله، وبدت شكلًا للانهيار الفني والفكري الذي أصابه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، حيث كفّ عن الإبداع رغم أنه حاول استرداد موهبته، فكتب في أواخر السبعينيات بعض المحاولات القصصية، منها قصة "الرجل والنملة" التي نشرها في مجلة الدوحة، لكنها جاءت بعيدة عن البصمة التي تميز بها في قصصه القصيرة السابقة؛ وهو ما أرجعه البعض إلى أن تجربة المسرح جاءت على حساب اهتماماته القصصية لفترة غير قصيرة، وكانت أهم مظاهر الأزمة اهتمامه الغير معهود منه لكتابة المقال، فكرّس ذاته ووقته للصحافة والنشر في الصحف التي كان أبرزها الأهرام، فتوقف عن كتابة القصة، وجرفه المقال ليكتب في السياسية والاجتماع، فازدادت الأزمة لديه عمقًا ووضوحًا، وظهرت مقالاته متوترة، لتأتي حسب وصف البعض وكأنها مقالة وليست بالمقالة، وقصة وليست بالقصة. https://www.youtube.com/watch?v=Rmoq-rEZR6w طال إدريس الكثير من النقد عندما تقاطعت أعماله مع علاقاته السياسية، مثل موقفه من جائزة مجلة حوار عام 1966 التي وافق عليها ثم تغير موقفه بعد أن اتضح أن تمويلها من خلال المنظمة العالمية لحرية الثقافة، والتي كانت تابعة لحلف الأطلنطي، مما دفع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى تعويضه عن رفضها بمنحه مبلغ الجائزة؛ كذلك توترت علاقته بالرئيس السادات بعد أن كتب مقالات "البحث عن السادات"، فغضب الرئيس، وخرجت الصحف تقول إن إدريس ينتحر ويغتال تاريخه، ووصل الأمر إلى حد الاتهام بالعمالة والخيانة، فكتب مسرحيته "البهلوان" من وحي هذه الهجمات التي تعرض لها، فجاء بطله صحفيًا يمُارس مهام رئيس التحرير نهارا، وفي المساء يمارس بسرية عمله كبهلوان في السيرك، مستعينا بالمساحيق والطلاء لإخفاء ملامحه، وفي الحوارات التي جرت بينه ومساعده قال له أنه في عمله الصحفي ليس أكثر من بهلوان. https://www.youtube.com/watch?v=Cc8ICzBepxM حصل إدريس على عِدة جوائز أبرزها جائزة عبدالناصر في الآداب عام 1969، جائزة صدام حسين للآداب عام 1988، جائزة الدولة التقديرية عام 1990 ؛ ورحل عن عالمنا في أول أغسطس عام 1991. https://www.youtube.com/watch?v=q3yRe3lA5wk