يظن البعض - وإن بعض الظن إثم - أن الرئيس السيسى سينفرد بالحكم بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية، مدفوعا بأغلبية ساحقة تمكنه من فرض هيمنته على السلطة دون حساب. ولكن ينبغى ألا ننسى أن دستور مصر الجديدة حدد لرئيس الجمهورية مهام واختصاصات محددة لا يستطيع الحياد عنها، وأنه على الرغم من انتهاج هذا الدستور لنظام سياسى يميل إلى النظام شبه الرئاسى، فإنه يجمع بين النظامين الرئاسى والبرلمانى (المختلط) الذى يوازن بين السلطات الثلاث، والذى كلما أعطى للرئيس اختصاصات وسلطات واسعة، كلما تم تقييدها بمحاسبة ورقابة أشد من قبل السلطتين القضائية والتشريعية، بل ومشاركة الأخيرة له فى معظم القرارات المصيرية التى يتخذها بصفته رئيس السلطة التنفيذية فى البلاد. ولعل الدستور المصرى الذى بين أيدينا الآن بتعديلاته التى بدأ العمل بها فى عام 2014، يضع سيفا مصلتا على رقبة الرئيس - أى رئيس - فى مباشرة اختصاصاته، والتى وصلت إلى حد محاكمته فى بعض الحالات، حيث استحدث جريمة انتهاك أحكام الدستور ضمن الجرائم التى تعفى الرئيس من منصبه، فضلا عن جريمة الخيانة العظمى والجرائم الجنائية، وحدد الدستور طريقة تشكيل المحكمة الخاصة برئيس الجمهوية، التى يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، كما يسمح هذا الدستور - ولأول مرة - بإمكانية سحب الثقة من الرئيس عبر البرلمان وبعد الاستفتاء، على أن يحل البرلمان فى حالة رفض الشعب سحب الثقة. ولم يترك الدستور الجديد الحبل على الغارب للرئيس فى تشكيل الحكومة وإعفائها من مهامها - مثلما كان معمولا به فى دستور 1971 - حيث أناط بالبرلمان إقرار أى خطوة يتخذها الرئيس فى هذا الشأن، حتى إذا قرر إجراء تعديل وزارى محدود فى حقيبة أو أكثر. وعلى الرغم من منح الرئيس الحق فى اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، حال اختيار الحكومة من حزب أو ائتلاف الأكثرية البرلمانية، فإن الرئيس السيسى مقيد بنص دستورى انتقالى لفترتين رئاسيتين، بعدم اختيار وزير الدفاع فى هذه الحالة إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقد قيدت تعديلات الدستور عام 2014 من سلطة رئيس الجمهورية فى إعلان الحرب وإرسال القوات المسلحة إلى خارج البلاد، بحيث يتطلب ذلك فضلا عن أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب بدلا من أغلبية أعضائه كما كان فى دستور 2012. كما قيدت تعديلات عام 2014 حق الرئيس فى العفو عن العقوبة أو تخفيفها، وذلك بضرورة أخذ موافقة مجلس الوزراء، على أن يكون العفو الشامل بقانون شريطة إقراره بأغلبية أعضاء مجلس النواب. وعلينا أيضا ألا ننسى أن الدستور الحالى لم يطلق العنان للرئيس فى اختيار شاغلى المناصب العليا مثلما كان قائما فى ظل دستور 1971، حيث وضع مبادئ عامة تضمن استقلالية هذه المناصب عن رئيس الجمهورية، ومنها منصب النائب العام، ليتم اختياره عن طريق مجلس القضاء الأعلى وليس من قبل الرئيس، كما ألزم الدستور الرئيس بعدم تعيين رؤساء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية، إلا بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه، وبحيث لا يستطيع الرئيس إعفاء أى منهم من منصبه إلا فى الحالات المحددة بالقانون. وقلص الدستور الجديد كذلك من سلطة الرئيس فى إعلان حالة الطوارئ، ليجعلها مشروطة بمدة لا تزيد على 3 أشهر، ولا تمد سوى لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة ثلثى أعضاء البرلمان، كما تم تقييد سلطة رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات بقوانين، ليحق له إصدارها إذا كان البرلمان غير قائم فقط، وهذه القوانين ينبغى عرضها بطبيعة الأحوال على مجلس النواب الجديد لإقرارها أو رفضها، وقد شاهدنا رفض البرلمان الحالى لأحدها وهو قانون الخدمة المدنية. لمزيد من مقالات أحمد سامى متولى