ما بين دستور 1971 و دستور 2012 و تعديلاته الأخيرة هذا العام، فروق كبيرة فيما يتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية و صلاحياته و كيفية مباشرة مهامه. فالدستور القديم إبان بداية حكم السادات أعطى للرئيس صلاحيات شبه مطلقة، و كان نظام الحكم بمثابة النظام الرئاسى المقنع، بينما اختلف الوضع كثيرا فى ظل دستور الإخوان لعام 2012 حيث تم تقييد سلطاته ليقترب الوضع إلى النظام البرلمانى، و أخيرا فى تعديلات 2014 التى صاغتها لجنة الخمسين، فقد تم إقرار نظام حكم شبه رئاسى، أعيدت معه بعض الاختصاصات للرئيس بشكل متوازن، مع تشديد إجراءات محاسبتة و محاكمته. و لعل طريقة تشكيل الحكومة و إعفائها من مهامها و إجراء تعديلات على تشكيلها يمثل لب القضية و الخلاف بين الدساتير الثلاثة (إذا ما أطلقنا مجازا على التعديلات الأخيرة دستور 2014). فدستور 1971 أطلق العنان لرئيس الجمهورية فى تعيين رئيس مجلس الوزراء و إعفائه من منصبه، كما كان تعيين نواب رئيس مجلس الوزراء و الوزراء و نوابهم و إعافاؤهم من مناصبهم بقرار من الرئيس بعد أخذ رأى رئيس مجلس الوزراء. و فى دستور 2012 كان تشكيل الحكومة يمر بأربع مراحل، أولاها أن يختار الرئيس رئيسا لمجلس الوزراء و يكلفه بتشكيل الحكومة، و إذا لم تحصل على ثقة مجلس النواب، فالمرحلة الثانية أن يكلف الرئيس رئيسا آخر لمجلس الوزراء من حزب الأكثرية بتشكيل الحكومة، و إذا لم تحصل على الثقة، تكون المرحلة الثالثة بأن يختار مجلس النواب رئيس الوزراء و يكلفه الرئيس بتشكيل الحكومة، على أن يحل الرئيس مجلس النواب فى حالة عدم الحصول على الثقة و يدعو لانتخاب مجلس جديد، ثم تجىء المرحلة الرابعة بأن يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته و برنامجها على مجلس النواب فى أول اجتماع له. أما التعديلات الدستورية الأخيرة، فقد اختصرت المراحل إلى ثلاث فقط، لتبقى الأولى كما هى، مع تعديل الثانية ليكلف الرئيس رئيس الوزراء بترشيح من الحزب أو ائتلاف الأكثرية، و يعد مجلس النواب منحلا حال عدم حصول الحكومة على الثقة، و بذلك فقد تم إلغاء المرحلة الثالثة المتعلقة باختيار مجلس النواب رئيس الوزراء، وتظل المرحلة الرابعة كما هى. ومن أبرز تعديلات 2014 التى أدخلت على دستور 2012 هى منح الرئيس الحق فى اختيار وزراء الدفاع و الداخلية و الخارجية و العدل، حال اختيار الحكومة من حزب أو ائتلاف الأكثرية البرلمانية، كما تقررت له سلطة إعفاء الحكومة أو إجراء تعديلات وزارية محدودة، شريطة موافقة البرلمان، و ذلك بعد أن كان تغيير الحكومة فى دستور 2012 مرتبطا فقط بتغيير البرلمان أو سحب الثقة منها أو أحد أعضائها. و فى مقابل الصلاحيات الأخيرة للرئيس فى ظل تعديلات 2014 ، شدد الدستور على محاسبته من قبل البرلمان، بحيث استحدث جريمة انتهاك أحكام الدستور ضمن الجرائم التى تعفى الرئيس من منصبه فضلا عن جريمة الخيانة العظمى و الجرائم الجنائية. وبينما لم يحدد دستور 1971 طريقة تشكيل المحكمة الخاصة برئيس الجمهورية و تركها للقانون، فقد أقر دستور 2012 و تعديلاته هذه الطريقة فى صلب المواد، و على أن يرأس هذه المحكمة رئيس مجلس القضاء الأعلى، لتصبح لدينا آلية دستورية فعالة لمحاكمة الرئيس. هذا و قد سمحت التعديلات الأخيرة و لأول مرة بإمكانية سحب الثقة من الرئيس عبر البرلمان و بعد الاستفتاء، على أن يحل البرلمان فى حالة رفض الشعب سحب الثقة. و قد استحدثت التعديلات نصا جديدا يمنع رئيس الجمهورية من أن يمنح نفسه أى أوسمة أو نياشين أو أنواط، و هو ما قام به الرئيس السابق بموجب نص تم استحداثه فى دستور 2012 لم يكن قائما فى ظل العمل بدستور 1971. و قد قيدت تعديلات 2014 من سلطة رئيس الجمهورية فى إعلان الحرب و إرسال القوات المسلحة إلي خارج البلاد، بحيث يتطلب ذلك فضلا عن أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى، موافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب بدلا من أغلبية أعضائه كما كان فى دستور 2012. و سدت التعديلات أيضا الفراغ الدستورى في حالة عدم وجود مجلس النواب، حيث تمت إضافة بند جديد يقضى بضرورة أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، و موافقة كل من مجلس الوزراء و مجلس الدفاع الوطنى و بموجب التعديلات الأخيرة و التى لم تكن موجودة فى ظل دستورى 1971 أو 2012 فقد تم تقييد حق رئيس الجمهورية فى مسألة العفو عن العقوبة أو تخفيفها، و ذلك بضرورة أخذ موافقة مجلس الوزراء، و أن يكون العفو الشامل بقانون شريطة إقراره بأغلبية أعضاء مجلس النواب. و قد ألغت التعديلات ما استحدثه دستور الإخوان فى ِشأن تولى الرئيس سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء و الوزراء، و هو ما أثر سلبا على الاختصاصات المقررة للرئيس بالنسبة لأعمال السيادة، و قد تعطلت قرارات للرئيس السابق بعد الطعن عليها على أساس أنه لم يأخذ موافقة مسبقة من الحكومة. و فى الدساتير الثلاثة التى أمامانا الآن، نجد أن جميعها قد حافظ على الاختصاص الأصيل للرئيس فى وضع السياسة العامة للدولة بالاشتراك مع الحكومة، و التى يشرفان على تنفيذها على النحو المبين فى الدستور. وكذلك حافظت على اختصاصه فى تعيين الموظفين المدنيين و العسكريين و الممثلين السياسيين، و إعفائهم من مناصبهم، و اعتماد الممثلين السياسيين للدول و الهيئات الأجنبية، وفقا للقانون. وبالنسبة لطلب رئيس الجمهورية حل مجلس النواب، وضعت التعديلات الأخيرة قيدا جديدا يلزم الرئيس بعدم الحل إلا عند الضرورة و بقرار مسبب، و بعد استفتاء الشعب، و لا يجوز حل المجلس لذات السبب الذى حل من أجله المجلس السابق. بينما ألغت شرط استقالة الرئيس حال رفض طلبه بحل البرلمان عبر الاستفتاء، وهو النص الذى كان قائما فى دستور 2012 و أحدث جدلا واسعا. و كان دستور 1971 بعد تعديله عام 2007 قد قرر صلاحيات واسعة للرئيس بالنسبة لحل مجلس الشعب، حيث تقرر له هذا الحق عند الضرورة و لكن دون شرط استفتاء الشعب، و كانت المبررات آنذاك بأنه تم منح البرلمان سلطة سحب الثقة من الحكومة دون منح الرئيس حق الاعتراض و اللجوء للاستفتاء على بقاء المجلس أم الحكومة. و بالنسبة لعلاقة رئيس الجمهورية بالقوات المسلحة، فلم يختلف الأمر فى الدساتير المتعاقبة على اعتباره القائد الأعلى لها، كما يترأس مجلس الدفاع الوطنى و مجلس الأمن القومى. بينما لم تشر التعديلات الأخيرة لعام 2014 إلى أن رئيس الجمهورية هو الرئيس الأعلى للشرطة، كما كان منصوصا عليه فى دستورى 1971 و2012. و حول طريقة تعيين النائب العام و التى كانت متروكة للقانون فى ظل دستور 1971، و كان يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، أدخل دستور 2012 نصا يحافظ على استقلالية منصب النائب العام بعيدا عن الرئيس، بحيث يتم اختياره عن طريق مجلس القضاء الأعلى، و قد سار دستور2012 و تعديلاته على نفس نهج استقلالية المناصب العليا عن رئيس الجمهورية، فبالنسبة للهيئات المستقلة والجهات الرقابية، يقوم رئيس الجمهورية بتعيين رؤسائها بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه. و قد تخلص هذا الدستور من الإشكالية الدستورية التى كانت قائمة فى ظل دستور 1971، و المتعلقة بمنصب نائب رئيس الجمهورية المثير للجدل، بعد أن تم إلغائه، وقد آلت مهامه فى أن يحل محل الرئيس عند المانع المؤقت، و ذلك إلى رئيس مجلس الوزراء هذا و قد تم تقليص سلطة الرئيس فى إعلان حالة الطوارىء، فبعد أن ترك دستور 1971 تحديد المدة للرئيس على أن يحددها بنفسه ويمكن مدها من قبل البرلمان، أصبح الوضع حاليا مشروطا بألا تزيد المدة على 3 أشهر يمكن مدها لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة ثلثى أعضاء البرلمان. كما تم تقليص سلطات رئيس الجمهورية فى إصدار قرارات لها قوة القانون، بعد أن تم إلغاء حقه الذى كان مقررا له بموجب دستور 1971 بإصدار القوانين عند الضرورة و فى الأحوال الاستثنائية وبناء على تفويض من ثلثى أعضاء البرلمان، بينما تم الإبقاء على حقه فى إصدار القوانين إذا كان البرلمان غير قائم.