مع انطلاق الانتخابات الرئاسية المصرية يجد المتابع للشأن المصرى فى المانيا نفسه كالعادة أمام كم متنوع من التقارير الإذاعية والتليفزيونية والصحفية، والتى لا تركز بالضرورة- كما هو الانطباع السائد فى مصر- على السلبيات وقضايا الحريات وحقوق الإنسان من وجهة النظر الغربية بل توجد ايضا خاصة فى وسائل الإعلام «الرسمية» الألمانية تقارير «متوازنة» تتناول ما تم تحقيقه من إنجازات فى مصر على الصعيد الاقتصادى تحديدا بشهادة المؤسسات الدولية ودون تجاهل للتحديات الأمنية والإرهابية التى تواجهها البلاد. ولكن بعيدا عن وسائل الإعلام التى تعتبر نفسها هنا أداة للرقابة ومراجعة سياسات الحكومة الألمانية، هل من تغير قد يطرأ تجاه مصر على سياسة هذه الحكومة الألمانية الائتلافية التى حلفت اليمين أخيرا بعد أشهر طويلة وشاقة من المفاوضات؟ الإجابة تحملها اتفاقية الائتلاف الحكومى الجديد فى ألمانيا، التى تتضمن الخطوط العريضة لسياسة هذه الحكومة الجديدة داخليا وخارجيا. فتحت بند «مسئولية المانيا تجاه تحقيق السلام والأمن والحرية فى العالم» ترى حكومة المستشارة انجيلا ميركل الجديدة أن العالم اصبح أكثر اضطرابا واقل أمانا وأن من أهم التحديات التى تواجه ألمانيا وأوروبا عدم الاستقرار فى الشرق الأوسط وتيار الهجرة غير المشروعة إلى اوروبا والقومية الجديدة المتصاعدة داخل وخارج اوروبا. ولمواجهة هذه التحديات تراهن المانيا خلال السنوات الأربع المقبلة فى إطارها الأوروبى على دبلوماسية الحوار ثم التعاون التنموى وبناء شراكات قوية وتحالفات مع دول بعينها.ولذلك تنص الاتفاقية الرسمية على ضرورة دعم شركاء المانيا الإقليميين فى المناطق الهشة، من خلال التعاون القائم عبر وزارتى الخارجية والدفاع، ومن خلال زيادة ميزانية التعاون التنموى كعنصر اساسى من عناصر السياسة الخارجية الألمانية، بالإضافة إلى تقديم الخبرة الألمانية والاستشارات وبرامج التدريب والتأهيل فى مختلف المجالات لهذه الدول تحديدا عبر ميزانية أوروبية منفصلة عن ميزانية التعاون التنموي. ثم فى فقرة لاحقة حددت اتفاقية الائتلاف الحكومى الألمانى هذه الدول وهى : مصر والأردن ولبنان وتونس مؤكدة أن ألمانيا « ستعمل على تعزيز الاستقرار السياسى والاقتصادى لهذه الدول وتقوية قدراتها للتصدى للهياكل الإرهابية وتهديداتها». وإلى جانب هذه الوثيقة الرسمية التى الزمت حكومة المستشارة انجيلا ميركل رسميا، اكدت الحكومة الألمانية على لسان وزير داخليتها رؤيتها لمصر باعتبارها دولة « ذات أهمية كبرى لاستقرار المنطقة». الرد جاء فى إطار تأكيد حكومى المانى للبرلمان « البوندستاج» ردا على حزب اليسار، أن التعاون مع مصر لمواجهة خطر الإرهاب وظاهرة الهجرة غير المشروعة قد ارتقى لمستوى اخر بعد أن بدأت المفوضية الاوروبية بالفعل فى يناير الماضى مفاوضات مع مصر لإبرام اتفاقية للتعاون مع هيئة اليوروبول لتبادل البيانات ومواجهة الجريمة المنظمة والتهديدات الإرهابية وملاحقة الإرهابيين وللتعاون القضائى ومراقبة الحدود وتأمين المطارات وتجرى مشاورات اوروبية حول ذلك فى بروكسل حاليا. ايضا بدأت وفقا للمفوضية الأوروبية مفاوضات لإبرام شراكة فى مجال مواجهة الهجرة غير المشروعة نظرا لعدم الاستقرار فى ليبيا. اللافت ان حزب اليسار الذى ينتقد بعض أعضائه السياسة الألمانية تجاه مصر ودول الشرق الأوسط فوجئ بالسياسية الالمانية فى الحزب «انكه دومشايت بيرج» فى كلمتها امام البرلمان تشيد بمستوى شبكات الاتصالات المصرية فى حديثها حول ضرورة الارتقاء بشبكة الاتصالات والإنترنت فى المانيا وتطويرها. حيث قالت امام البرلمان إنها سافرت بالسيارة من القاهرة للبحر الاحمر وطيلة خمس ساعات قضتها فى الطريق الذى يخترق الصحراء كانت الشبكة ممتازة طيلة الوقت، لتنهى كلمتها بسؤال « إذا كانت مصر قادرة على ذلك لماذا توجد مناطق كثيرة فى ولاية براندنبورج الالمانية لا تصلها شبكة المحمول ، ان ذلك لشعور شائن للغاية ». بالتزامن مع ذلك خرج المعهد الألمانى للسياسات التنموية بتوصية للحكومة الألمانية الجديدة يحذر فيها من التخلى عن دول شمال إفريقيا- مصر وتونس وليبيا تحديدا- ويطالب بالبدء فى تنفيذ مشروع مارشال الألمانى الذى طرحه وزير التنمية السابق بهدف تحسين الأوضاع المعيشية والارتقاء بمستوى التعليم والتأهيل المهنى للشباب فى هذه الدول باعتبار ذلك أفضل وسيلة لوقف تيار الهجرة المتدفق من الجنوب نحو الشمال . المعهد يطالب الحكومة الالمانية بدعم الجهود المبذولة فى هذه الدول لتحسين المستوى المعيشى للقطاع العريض من الشعب بما يثبت اركان النظام السياسى فى حين ان استمرار حصد طبقةمحدودة ثمار اى إصلاحات إقتصادية سيؤدى إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعى والسياسى فى هذه الدول كما حدث من قبل. ويرى كل من الدكتور مارك فورنيس والدكتورة انابيل هودريت أن الفرصة الآن سانحة بالتعاون مع فرنسا وفى إطار السياسة الجديدة تجاه إفريقيا خاصة عندما تتولى المانيا رئاسة الاتحاد الأوروبى فى 2020 لكى تصبح المانيا شريكا رئيسيا ولاعبا سياسيا واقتصاديا اساسيا فى شمال إفريقيا، على ان تمضى حكومة ميركل الجديدة قدما فى فتح السوق الأوروبية امام المنتجات والخدمات من هذه الدول وتوسيع اتفاقيات الشراكة مع شمال افريقيا لتشمل دول جنوب الصحراء ايضا. الحكومة الألمانية الجديدة كما تنص اتفاقية الائتلاف تسعى خلال السنوات الاربع القادمة لتقوية دور الاتحاد الاوروبى لتصبح اوروبا قوة دولية تستخدم قوتها ونفوذها السياسى بشكل اكبر وبمزيد من الثقة فى النفس بعيدا عن التبعية الأمريكية، ولذلك وكما يتوقع مراقبون هنا فإنها ستركز على الجوار الأوروبى لتجعله اكثر امنا وستسعى لتقوية علاقاتها بدول شمال إفريقيا تحديدا وتعزيز الاستقرار بها بأى ثمن.