إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 7 مايو 2024    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    أسعار النفط ترتفع عند الإغلاق وسط ارتباك حول الهدنة في غزة    5 شهداء.. قصف إسرائيلي لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    في المساء مع قصواء يناقش مصير الهدنة بين إسرائيل وحماس    3 مراحل حاكمة للاتفاق الذي وافقت عليه "حماس"    الشرطة الإسرائيلية تعتقل ثلاثة متظاهرين في تل أبيب وتقول «المظاهرات غير قانونية»    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    «الصحة العالمية» تحذر من أي عملية عسكرية في رفح: تفاقم الكارثة الإنسانية    اللواء سيد الجابري: مصر الوحيدة اللي مكملة في حل القضية الفلسطينية.. فيديو    أوروبا تبتعد.. كريستال بالاس يضرب مانشستر يونايتد برباعية ويحقق ما لم يحدث تاريخيا    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال    شعرت بالقلق.. ندى مرجان لاعبة طائرة الزمالك بعد الفوز بالبطولة الأفريقية    هل تقدم كابونجو كاسونجو بشكوى ضد الزمالك؟ اللاعب يكشف الحقيقة    نجم بيراميدز يخضع لعملية جراحية    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    لأول مرة.. كواليس جديدة في أزمة أفشة وسر ضربة جزاء كهربا    بعد بيان الزمالك.. جهاد جريشة: لا يستحقون ركلة جزاء أمام سموحة    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    مائلا للحرارة على القاهرة الكبرى والسواحل الشمالية.. الأرصاد تتوقع حالة الطقس اليوم    كان وحداني.. أول تعليق من أسرة ضحية عصام صاصا    مصرع شاب التهمته دراسة القمح في قنا    محافظة الإسكندرية: لا يوجد مخطط عمراني جديد أو إزالة لأي مناطق بالمدينة    غدًا.. انطلاق قطار امتحانات نهاية العام لصفوف النقل والشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    ياسمين عبد العزيز باكية: أنا بعشق أحمد العوضي    "معلومات الوزراء" يكشف طريقة استخدام التكنولوجيا المتطورة في العرض الأثري بالمتحف الكبير (فيديو)    أقسم بالله مش خيانة..ياسمين عبد العزيز: فيه ناس مؤذية ربنا يجبلي حقي    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    ياسمين عبدالعزيز عن أزمتها الصحية الأخيرة: كنت متفقة مع العوضي إني أحمل بعد "اللي مالوش كبير"    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة.. فيديو    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    لا تأكل هذه الأطعمة في اليوم التالي.. نصائح قبل وبعد تناول الفسيخ (فيديو)    حي شرق الإسكندرية يعلن بدء تلقى طلبات التصالح فى مخالفات البناء.. تعرف على الأوراق المطلوبة (صور)    تعرَّف على مواصفات سيارات نيسان تيرا 2024    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 7-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ياسمين عبد العزيز: «كنت بصرف على أمي.. وأول عربية اشتريتها ب57 ألف جنيه»    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    برلماني: موافقة حركة حماس على المقترح المصري انتصار لجهود القاهرة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ إمام‏..‏ صوت الثائرين

بدأوا الطريق‏..‏ دقت ساعة‏25‏ يناير في الميدان‏..‏ فانتفض التاريخ ليقرأ الفاتحة علي أرواحهم‏..‏ غرسوا بذور الثورة في أرض النظام السابق.. فسقطت الثمار في ميدان المستقبل.. آمنوا أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.. اقتنعوا بأن الصمت في أحيان كثيرة يعني تحالف مع الهزيمة.. تقدموا الصفوف.. ولم يحملوا سلاحا ولم يقودوا دبابة, ولكنهم نجحوا في إفساح الطريق.. انحازوا بإخلاص للاغلبية الكادحة في القاع..
قالوا لا.. عندما كان آخرون يبصمون بالعشرة نعم..
دفعوا الثمن عندما كان آخرون يحصدون المغانم..
عرفوا أن الوطن مقطوعة إخلاص وصدق وأمانة.. فعزفوا نشيد المعارضة..
في حياتهم دخلوا معارك مع رأس النظام ورجاله.. فاحتفلوا بالانتصار في مماتهم..
لم يكن معهم الجاه والسلطة والثروة.. لكنهم راهنوا علي أن صوت الحق هو الاعلي دائما..
قادوا المظاهرات, والاحتجاجات, والاعتصامات, دخلوا السجون.. لم ترتعش أياديهم لحظة.. ولم تهتز ضمائرهم, ولم تضعف عقيدتهم أمام أية صفقات أو إغواءات..
هؤلاء منهم الإسلامي.. اليساري.. الليبرالي.. والوسطي.. هؤلاء ومثلهم الكثيرون, أقلامهم.. وأصواتهم مهدت الطريق.. وعندما حانت لحظة النضوج.. لم يسعفهم القدر من تذوق طعم الثمار..
ماتوا جهادا وكفاحا ونضالا من اجل الوطن فإستحقوا لقب
شهداء بدأوا الطريق...
لكل ثورة مطرب.. لكن هو مطرب كل الثورات
.. ابن تجربة اتسمت بكل مواصفات التمرد
كفيف.. لكنه صاحب نظرة بعيدة المدي
صوته يشبه ملامح المصري الأصيل.. ترك بصمة علي كل جيل
جيل الهزيمة.. وجيل الانتصار.. وجيل الانفجار.. الجميع شاهد عندما هلت بشاير25 يناير كان صوت الشيخ إمام أول الحضور في الميدان:
صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر
صباح العندليب يشدي
بألحان السبوع يامصر
صباح الداية واللفة
ورش الملح في الزفة
صباح يطلع بأعلامنا من القلعة لباب النصر
ليست مصادفة أبدا أن يتعرفا إمام ونجم.. بل قطعا كان القدر ينحاز للعدل.. وأنه عن سبق الاصرار والترصد.. أراد أن يجمع الاثنين في مثل هذه التجربة رفقا منه بأحوال الأوطان وبطش الحكام علي مر الزمان فها هما الاثنان نجم وإمام..حاضران في الميدان طوال الأيام.. بالكلمة العفية واللحن الشجي, والصوت النقي فكلما هبت نسمات الانتصار... ويشعر الشباب والشيوخ والأطفال بأن موجة انتصار قادمة كان الخيال الفني يستجمع بسرعة البرق خيوط صوته الذي يهفو كالحرير:
يامصر قومي وشدي الحيل
كل اللي تتمنيه عندي
لا القهر يطويني ولا الليل
ظلت أغنياته وألحانه وقودا لشحذ الهمم طوال18 يوما عمر الثورة في الميدان
فكان الشباب يلتحف بها من برد الشتاء تارة أو يحتمي فيها من عصا أو حذاء أمن مركزي تارة أخري.
يوم28 يناير كان اليوم الفارق.. دماء الشهداء تحاول رسم خريطة لمستقبل هذا الوطن, وكانت المواجهة علي أشدها وواجه الشهداء الرصاص بصدورهم.. وغني الثوار
الجدع جدع
والجبان جبان
بينا ياجدع
ننزل الميدان
يوم11 فبراير نادي المؤذن حي ع الصلاح.. هتف إمام الثائرين بصوته ليصدع بكلمات الشاعر المناضل زين العابدين علي:
اتجمعوا العشاق في سجن القلعة.. اتجمعوا العشاق في باب الخلق.. والشمس غنوة من الزنازن طالعة.. ومصر غنوة مفرعة في الحلق.. اتجمعوا العشاق بالزنزانة.. مهما يطول السجن مهما القهر.. مهما يزيد الفجر بالسجانة.. مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر.
كان مخلصا في غنائه وفي سجنه واعتقاله ومع أهل بلده.. وجيرانه وأصدقائه.. حكاية عشق ونضال وثورة تشبه بذرة نبتت وبتكبر كل يوم وصفه المبدع الكبير خيري شلبي بأنه كان يحمل تراثا موسيقيا عربيا ضخما جدا لايستهان به وكانت صحوة التراث في نفسه دائمة, وكأنه بيغرف من بير عميقة لا ينتهي, وعندما تلقي كلمات نجم وهي أغاني معاصرة استخدم قدراته التراثية المتينة في تلحينها ألحانا ذات بناء فني, بنا فني من أول ضربة إيقاع لغاية ضربة الإيقاع الأخيرة التي تشبه النقطة في آخر الجملة.. تعبيراته أكثر شعبية.. تعبيرات قارحة شاربة من عرق الناس.. من أفكار الناس.. من أوهام الناس.. من أحلام الناس.. من أوجاع الناس, كما هم بدون محاولة.
فنجد مثلا في مرحلة الانفتاح أيام الرئيس السادات قدم إمام كلمات ربما لا تكون مقبولة في شكلها لكنها لها معاني سياسية ومؤثرة في الرئيس نفسه:
بوتيكات النات كوا النات
وشقق مفروشة وعمولات
ياحلاوة الناوه كوا الناوة
يابلد ياآخر فتكات
وصوت الشيخ إمام حقيقة يشهد عليها وجدان كل مصري عاش لحظات الانكسار.. والانتصار...الظلم والهوان صوت لم يتردد في الخروج عن السلطان بحثا عن الحقوق وعندما أفرج عنهما السادات.. أملا في استمالتهما إليه.. لم يقبلا التنازل وقدم هو ونجم عام1972:
رجعوا التلامذة..
ياعم حمزة للجد تاني..
يامصر انتي اللي باقية..
مع هزيمة1967 التي كانت كالزلزال علي جيل بأكمله.. الجيل الذي آمن بعبدالناصر وسمي بجيل الثورة وتربي في ظل شعارات الزهو الوطني والقومي وفجأة استيقظ علي انكسار وطن واحتلال أجزاء شاسعة منه.. سقط الحلم لكن هذا الجيل لم يسقط.. وكان في ذلك التوقيت بداية مرحلة التعارف بين نجم وامام وقدما الاثنان بقرة حاحا.. وحملت هذه الاغنية رمزية حول البقرة التي تراخي أولادها في الدفاع عنها, وبالتالي تركوا الفرصة لنهبها.
في انتفاضة الطلاب الوطنية عام1972 عندما كان نجم وامام داخل المعتقل, التقيا هناك بنجوم الحركة من الطلاب فسكنت بداخلهما الفرحة وانفعلا كتبا ولحنا.. وغني الشعب معهما بكائية يناير..
أنا رحت القلعة وشفت ياسين..
حواليه العسكر والزنازنين..
أنا شفت شباب الجامعة الذين..
أحمد وبهاء والكردي وزين..
حارمنهم حتي الشوف بالعين.
الشيخ حالة تشعر فيها بالمصرية القارعة أو مصرية الحواري السد والدروب والمنعطفات لكل موقف في حياته حكاية. ووراء كل حكاية قصة.. عندما حاول في بداية الثمانينيات السفر إلي الخارج فوجيء بأنه ممنوع, وحين حاول الشيخ إمام سؤال مدير أمن المطار عن السبب فأجاب: هذا أمر من المدعي العام الاشتراكي فضحك إمام ساخرا.. المفروض اللي يمنعنا المدعي العام الرأسمالي وغني..
ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام.. كل يوم في حبك تزيد الممنوعات.. وكل يوم بحبك أكثر من اللي فات.
خطف الموت جسد الشييخ إمام.. لكنه لم يخطف صوته فلايزال حاضرا يعبئ المشاعر ويحفز الهمم في حب مصر.
مصر يا اما يا بهيه..
يام طرحه وجلابية..
الزمن شاب وانت شابة..
هو رايح وانت جايه.. جاية فوق الصعب ماشية..
فات عليكي ليل وميه.. واحتمالك هوه.. هوه..
وابتسامتك هي..هي..
يابهية


بركة العجز
كتب: صلاح عيسي
رئيس تحرير جريدة القاهرة
علي العكس من أحمد فؤاد نجم الذي بدا لي عندما عرفته لاول مرة, في بداية السبعينيات شخصية انبساطية لاتحتاج إلي مجهود لاقتحامها أو التعرف علي خصائصها, فقد بدا لي الشيخ امام عيسي شخصية انطوائية غامضة تتطلب مجهودا لاقتحام عالمها العصي علي الاقتحام أو الفهم. في الجلسات الخاصة المغلقة, وفي حفلات الغناء المحدودة, أو العامة, كان يجلس بقامته القصيرة النحيلة, منكمشا علي نفسه, محتضنا عوده, يميل بأذنه ناحية المتكلم لكي يستمع لما يقول, ولايعلق عليه إلا بنغمة موسيقية تتراوح بين القهقهة والحماسة والجنائزية, يعزفها علي عوده, وكأنه يعلن أن هذا العود هو لسانه, وأن مايصدر عنه هو رأيه وموقف من الحياة والناس.
وفيما بعد أدركت انه كان فائق الحساسية تجاه كف بصره الذي يجعله عاجزا عن القيام بكثير من شئون حياته دون الاستعانة بآخرين, ولأنه كان خجولا وشديد الاعتزاز بكرامته, فقد كان يضحي بكثير مما تتطلبه الحياة, حتي لايثقل علي الآخرين, وينفس عن احساس بالعجز بالسخرية من اعاقته فيقدم صديقه محمد علي الذي كان يقوده ويساعده في شئون حياته, قائلا انه واحد ساحبنا.
وكان قد فقد بصره وهو في الثانية من عمره عندما أصيب بالرمد الحبيبي, ولجأت أمه إلي الداية التي عالجته بحشو عينيه بروث البهائم, حتي فقد البصر تماما, هو ماحدث لطه حسين, الذي يقول أنه فقد بصره بسبب هذا النوع من العلم الآثم, فلم يعد امامه من سبيل إلا أن يلتحق بالكتاب لكي يعد نفسه ليكون قارئا للقرآن الكريم علي المقابر.
وحيث ثقلت مئونته علي أبيه حمله إلي القاهرة, ليودعه في ملجأ تابع للجمعية الشرعية الاسلامية, حيث أكمل تجويده للقرآن, وغادره ليعمل قارئا ومؤذنا في المساجد, ولكنه لم يكتف بذلك إذ كانت بداخله قوة كامنة تدفعه لتحدي العجز, لذلك سعي لتعلم العزف علي العود, وتدرب علي انشاد الموشحات والتواشيح الدينية وإنشاد الأذكار, وحفظ الطقاطيق والأدوار القديمة.. والتحق ببطانة أحد منشدي التواشيح الدينية المعتمدين من الاذاعة, ليصبح بعد قليل ملحنا لتواشيحه من الباطن.
وحين التقي ب أحمد فؤاد نجم عام1962, وجده مثله يتيما عاش طفولته في ملجأ, وعمل عاملا زراعيا ومطبعجيا وصبي ترزي وبائعا متجولا بين محطات الترام, وعاملا بمعسكرات جيش الاحتلال في منطقة القناة, ثم تركها بعد الغاء معاهدة1936 عام1951 ليلتحق بعمل حكومي, ثم يغادره مضطرا ومسجونا بسبب اختلاسه عهده مصلحية, ويخرج منه ليبحث عن عمل, فتقوده المصادفة إلي حارة حوش قدم بالغورية ليجد أمامه يتيما يتكفف القوت مثله, ومكفوفا يقاوم العجز مثله, ؟ والاثنان انهما رغم سوء الحال, يملكان القدرة علي مواجهة عجزهما بالغناء فيؤلف نجم ويلحن امام ويغني!
تلك هي بركة العجز التي جعلت المصريين يؤمنون بأن الله يعوض المعاقين بقوي خارقة بمنحها لهم, وجعلت طه حسين يتحدي اعاقته فيصبح عميدا للأدب العربي بدلا من أن يتكفف القوت بقراءة القرآن علي المقابر, وهي التي جعلت نجم وإمام يكتشفان بين اطلال هزيمة1967 الدور الذي كان ينتظرهما, وانطلقا يغنيان للصمود والتحدي والمقاومة, ويبعثان الأمل في نفس الجيل الشاب الذي صنع انتفاضات السبعينيات بأن النصر قادم.
في تلك الأيام, اختار امام ونجم قصيدة صرخة جيفارا ليختتما بها المؤتمرات السياسية التي كانا يشاركان فيها, فاذا وصل الشيخ امام إلي المقطع الاخير من الاغنية, الذي يقول صرخة جيفارا ياعبيد/ في أي موطن أو مكان مافيش بديل مافيش مناص ياتجهزوا جيش الخلاص/ ياتقولوا ع العالم خلاص وقف الشيخ امام وسط طوفان من التصفيق, ورفع عوده فوق رأسه, وكأنه شارته أو علمه أو سلاحه, فاذا بجسده المنكمش يستقيم واذا بقامته القصيرة تمتد.. وإذا بعضلاته الضامرة تتنفس, وإذا بي أقول: انها حقا بركة العجز.


طابع بريد تذكاري للشيخ إمام
كتبت: صافي ناز كاظم
هذا العنوان ليس خبرا أذيعه لكنه كان واحدا من تصوراتي الكثيرة, التي لم تتحقق, للكيفية التي كنت أتمني أن يتم بها تكريم الشيخ إمام عيسي; طابع بريد يحمل صورة الشيخ إمام وعوده يكون في واقعه طابع بريد يحمل الوجه الناصع لجهاد وعناد الشعب المصري ووجدانه العربي الأصيل.
طابع بريد يكرم ذلك العود الذي احتضنه, باستبسال وصوفية, رائد الأغنية السياسية المعاصرة الشيخ إمام عيسي ملخصا مبدئيته بكلمات شاعره ورفيق دربه أحمد فؤاد نجم: قول الكلمة عالي بالصوت البلالي قول إن العدالة دين الإنسانية, وبكلمات نجيب سرور: في إيدي عود قوال وجسور وصبحت أنا في العشق مثل.
الشيخ إمام هو ذلك الفنان الذي لم تفتر ولم تهمد قواه عن الغناء والتلحين لأوجاع الشارع المصري وأحلامه الثورية العربية الخالصة, منذ1967 حتي رحيله إلي رحمة الله; استمرارية متكاملة لخط ثوري متأجج متجانس مع نفسه لم ينحرف ولم يتناقض لحظة, أينما كان بسجن ظالم أو مهرب من اعتقال متربص, جزء فعال باهر من ذلك الكيان الفني الفذ نجم إمام, يعطي بفدائية وقدرة وتدفق وسلاسة أعمالا تتعدي قيمتها الجهادية السياسية الآنية إلي قيمتها الفنية التراثية تضيئ صفحة بارزة إلي تراث العود العربي.
بدأ الشيخ إمام حياته مقرئا يرفض التنغيم والتطريب الخارج عن أصول القراءة الشرعية للقرآن الكريم, ثم تعلم العزف علي العود واستطاع أن يكون لنفسه أسلوبه الخاص في العزف والتلحين والغناء منطلقا من أرضيته الدينية الخصبة, التي ظل محافظا عليها متمسكا بها مطورا الكثير من فنيات المدائح النبوية والتواشيح الدينية, واستطاع أن يشق لفنه تيارا رائدا متفردا للأغنية العربية السياسية المحرضة ذات التأثير الثوري الإيجابي وسط الجماهير, فقدم بذلك لأول مرة وبكل دماء الموسيقي الإسلامية مايمكن أن نسميه موسيقي الرأي وغناء الرأي.
تكريم الشيخ إمام عيسي, الذي لم يخطر لي علي بال, كان بحمد الله وفضله يوم25 يناير2011 عندما انطلق صوته منجدلا مع هتافات الثوار يردد بكلمات نجيب شهاب الدين: يامصر قومي وشدي الحيل كل اللي تتمنيه
عنديييييييييييييييييييييييييي!



عاشق بجنون
كتب: سيد مهدي عنبة
حكايتي مع الشيخ إمام هي حكاية كل مصري بيحب مصر, هكذا أقولها بتلقائية و بدون تفكير لأنها تعبر عن واقع الحال. لقد أحب الشيخ إمام مصر و غني لها و تغني بها علي مدي سنين طوال.
و تحمل في سبيل ذلك ما لا يستطيع أن يتحمله كثير من المبصرين دون أن يحيد عما هو مؤمن به, وعليه فمن الطبيعي أن يحبه و يقدره كل من يحب هذا البلد, و رغم علاقتي الشخصية الوطيدة به و خاصة في السنوات الخمس الأخيرة من حياته, إلا انه بالنسبة لي في المقام الأول, رمز من رموز الوطنية المصرية, حيث انه أحد مكوني الكيان الفني إمام/ نجم, هذا الكيان الذي لعب دورا مهما في إنقاذ الوجدان المصري و العربي من هزيمة لا تقل عن هزيمة67 ذاتها, حيث قدم هذا الكيان فنا تنويريا يحض علي عدم الاستسلام و رفض الهزيمة و نقد الواقع الذي أدي إليها, و دفعا معا في سبيل ذلك ثمنا غاليا, و كان موقفهما النضالي الجسور سراجا وهاجا تألقت في ضوئه الكلمة الصاحية النوراة التي هي مشرط الجراح أحيانا أو بلسم الطبيب في أحيان أخري.
لهذا قد عاهدت نفسي أن أكون واحدا ممن يحافظون علي انتاجه و طرح هذه الحالة الفنية الفريدة التي أرخت لفترة هامة من تاريخنا المعاصر. ومن هذا المنطلق أناشد المسئولين في المؤسسة الإعلامية الرسمية العمل علي وضع أغاني الشيخ إمام علي خريطة الغناء المرئي و المسموع, حتي نتجنب أحكاما قاسية من الأجيال التي سوف تأتي من بعدنا, و لعل ترديد أغاني الشيخ إمام من قبل الشباب بميدان التحرير أثناء أحداث ثورة25 يناير خير شاهد علي أن هذه الأغاني و إن كانت من الماضي إلا أنها تضئ للمستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.