لكي تحقق أي دولة النجاح وقوة التأثير في الخارج, يجب أن تكون ناجحة ومستقرة في الداخل أولا.. أما إذا ظل الداخل ضعيفا مضطربا, فلن يستعيد الدور الخارجي مكانته. والأمثلة علي ذلك كثيرة, أهمها مثال أمريكا.. فقد عادت الأصوات التي تدعو لانسحابها تدريجيا عن دورها القيادي العالمي بعد أن أصبح حمل التاج ثقيلا عليها.. فلماذا تهتم بشئون العالم وتنفق المليارات علي المساعدات الخارجية والسلاح والقواعد العسكرية التي تحقق لها السيطرة الخارجية, بينما هناك47 مليون أمريكي, أي واحد من كل ستة, يعانون الفقر؟ اقتصادها وجيشها هما الأضخم, وقراراتها السياسية تؤثر علي الاقتصاد العالمي, ولكن هناك قلقا عميقا تجاه مستقبل الدولة.. وربما لأول مرة في تاريخ أمريكا يشعر مواطنوها بأن أفضل الأوقات انتهت بلا رجعة.. وهناك توقعات بأن معدلات الفقر ستتصاعد إلي مستويات غير مسبوقة منذ نصف قرن, وأنه سيستمر لعدة سنوات.. ويخشي الملايين من اليوم الذي قد تقطع فيه الحكومة مساعداتها من ضمان اجتماعي ورعاية صحية وكوبونات طعام.. لذلك أصبح لزاما علي الدولة أن تبحث عن أسباب علاتها في الداخل أولا وتعالجها قبل أن تتدخل في شئون غيرها أو تفرض سيطرتها علي ما هو خارج حدودها. هناك ميل إلي إلقاء اللوم علي أسباب خارجية للأخفاق الداخلي بحيث لا تملك الدولة القدرة علي التحكم فيها, مثل التنافس المتصاعد من الدول سريعة النمو كالبرازيل والصين والهند واندونيسيا وروسيا وكوريا الجنوبية.. أضف إلي ذلك حدود أمريكا غير المحكومة جيدا وارتفاع اعداد المهاجرين غير الشرعيين.. اختفاء القطاع الصناعي الخاص المانح لفرص العمل والأجور.. تراجع الاستثمارات في البني التحتية كالطرق والكباري, وأيضا في التعليم والتكنولوجيا, علاوة علي التكلفة المعوقة للعلاج.. كذلك تدني القيم الثقافية وفقدان الاحساس بقيمة العمل الجاد, وضعف الحكومات وفشلها في اجراء اصلاحات جريئة.. كلها عوامل تفرض علي الأمريكيين الرغبة في الانغلاق والاحتفاظ بثروات البلاد لأنفسهم بدلا من ترك ملايين المواطنين عرضة للفقر والعوز. ولكن هل تسمح ظروف العالم الخطير الذي نعيش فيه لدولة مثل أمريكا أن تتراجع وتنسحب وتغلق أبوابها علي نفسها؟ العالم يحتاج إلي قيادة.. وأمريكا هي وحدها المؤهلة لذلك الآن.. ولكن لا يجب أن تسمح لنفسها بقيادة العالم إلا إذا نجحت في قيادة نفسها أولا. المزيد من أعمدة سلوي حبيب