هدوء حذر.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة وعيار 21 الآن يسجل هذا الرقم    البيت الأبيض: بايدن سيستخدم الفيتو ضد مشروع قانون يلزمه بإرسال الأسلحة لإسرائيل    بوتين: العلاقات التجارية والاقتصادية بين روسيا والصين تتطور بسرعة    سلمان رشدي: محاكمة ترامب في قضية منح أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية قد تفضي لسجنه    بعد توقف مولدات الكهرباء.. خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة    "ديانج خارج الأهلي".. شرط وحيد لرحيل بيرسي تاو هذا الصيف عن القلعة الحمراء    بسام وليد: أتمنى استمرار أحمد عيد عبد الملك في قيادة غزل المحلة    أبو مسلم عن مواجهة الترجي: الأهلي متمرس في الفوز بالنهائيات والجميع يهابه    عاجل - الثانوية العامة 2024 "اعرف جدول امتحاناتك"    ميريل ستريب تحصل على السعفة الذهبية الفخرية في نسخة مهرجان كان لعام 2024    على خطى زاهي حواس، وسيم السيسي: التاريخ لم يثبت أن الله كلم موسى فوق جبل الطور    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    اليوم، الحكم على المتهم بدهس طبيبة التجمع    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    المالية تزف بشرى سارة للعاملين بالدولة بشأن مرتبات شهر يونيو    عضو بملجس محافظي المركزي الأوروبي يرجح بدء خفض الفائدة في اجتماع الشهر المقبل    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    الأزهر يعلق على رفع مستوطنين العلم الصهيوني في ساحات المسجد الأقصى    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأربعاء (تفاصيل)    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    محافظ المنوفية يبحث مع رئيس الجامعة تعزيز أطر التعاون لدعم خطط التنمية المستدامة بالقطاعات الخدمية والتنموية    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد 94 عاما من وفاته الغامضة
هل اغتيل سيد درويش على طريقة قتل الإنجليز نابليون بونابرت؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 12 - 2017

* سر مقولته قبل وفاته بأيام «السنة دى لن تمر على وأنا فى الدنيا»
* حياة صبرى: مورفين فى «كأس ويسكى» سبب الوفاة
* حفيده: حياة صبرى كاذبة وسيد درويش مات ب «الزرنيخ»
* رئيس قسم الطب الشرعى والسموم: لاوجود لأفيون أو كوكايين فى وفاته!
* د. فؤاد رشيد: سيد درويش مات بأزمة قلبية «من الزعل»
* لماذا لابد من استخراج جثته الآن؟
* لغز اختفاء بطاقته وجواز سفره وملابسه ليلة وفاته
* د. شيرين غالب: لهذا السبب «السم والسقوط من مكان مرتفع» أشهر جرائم قتل فى العالم


فى إحدى ليالى 1922 كان الشيخ سيد درويش يجلس بأحد مقاهى شارع عماد الدين.. وفجأة التفت وراءه على صوت يناديه، فإذا بها سيدة عجوز مشوهة الوجه من توابع مرض السكر، وكانت تصيح بصوت كالاشباح: شيخ سيد .. ياشيخ سيد.. فنهض الشيخ سيد وتوجه نحو المرأة ووقف يتفرس فيها عدة ثوان ثم سألها: انت مين؟ فقالت: حتى انت ياشيخ سيد مش عارفني؟ فرد : معلش ياست سامحيني.. مش واخد بالى منك والله! فقالت: أنا شفيقة.. شفيقة القبطية، فانحنى الشيخ سيد يقبلها.. ثم انتحى بها جانبا محاولا منحها مبلغا من المال، فقالت شفيقة: أنا مش عايزة فلوس.. أنا نفسى أدوق السمك! أنهمرت دموع الشيخ سيد وذهب بها لأقرب مطعم، وتناول معها العشاء، ثم بعث صبى المقهى ليحضر لها العود.. وظل يغنى فى تلك الليلة لهذه السيدة.
فى أوائل شهر سبتمبر سنة 1923 ذهب سيد درويش إلى مسقط رأسه بالإسكندرية لترتيب استقبال عودة الزعيم سعد باشا زغلول من المنفى، إلا أنه بحلول يوم 9 سبتمبر رحل سيد درويش عن عمر يناهز ال32 عاما بشكل غامض ومفاجىء قبل 94 عاما من الآن، إذ مر يومان كاملان قبل أن تنشر جريدة السياسة يوم 17 سبتمبر عام 1923 خبر الوفاة، بعدما حمل جثمانه بسرعة إلى مثواه الأخير قبل أن يشعر أحد بموته، حيث دفن سيد درويش فى مقابر المنارة بالإسكندرية، وكتب على شاهد قبره:
يا زائرى لا تنسنى من دعوة صالحة
وارفع يدك إلى السما واقرأ لروحى الفاتحة
ليظل لغز مقتل سيد درويش غامضا، وراقدا معه فى قبره منذ يوم 9 سبتمبر 1923 وحتى وقت كتابة هذه السطور، ويظل السؤال مستمرا دون إجابة منذ 94 سنة: من قتل سيد درويش؟

«حياة صبرى» أشهر رواية عن مقتله
الشهادة الأولى وبطلتها المطربة القديمة «حياة صبرى»، التى كانت ملهمة سيد درويش، وقيل إنه تزوجها عرفيا قبل وفاته، حيث روت للصحفى الراحل يوسف الشريف كيف مات سيد درويش قائلة: «كان فيه عيلة من حبايبه المتريشين فى الإسكندرية اسمها عيلة الجريتلى، وواحد من العيلة دى عشق مطربة فالصو درجة ثالثة جابها للشيخ سيد يمرنها على الطرب.. سمعها واتكسف يقول له لا، وبعدين البنت راحت قالت لعشيقها إن الشيخ سيد بيغازلها .. خدته الغيرة.. راح عازم الشيخ سيد على العشاء.. وحط له مورفين فى كأس الويسكى.. وكان قبل ما يروح له شامم بالصدفة تذكرة كوكايين.. أتارى الكوكايين مع المورفين مع الكحول يعملوا تسمم.. جه الشيخ نام على السرير وقال سمونى.. قتلونى.. قلت له نجيب دكتور يا شيخ سيد؟، قال: لا دكتور ولا غيره، عليه العوض ومنه العوض، وراح يغنى: «أنا هويت وانتهيت وليه بقى ظلم العزول».
وبحسب رواية حياة صبرى أيضا فإن سيد درويش «كان ساعات بيشم كوكايين.. لكن لكى يستطيع السهر لما يكون عنده شغل مش عشان المسخرة، ولما قرف من الكوكايين طلقة بالثلاثة وكان دايما يغنى مونولوج «شم الكوكايين خلانى مسكين».
حفيده: حياة صبرى كاذبة ومات بسم الزرنيخ
وينفى محمد حسن درويش، حفيد سيد درويش تماما رواية «حياة صبرى» السابقة، قائلا: «روايات كاذبة.. منين نام على السرير وقال سمونى مع العلم إنه توفى وسط أسرته (اخته ووالدته)، كما أن سيد درويش لم يتزوج حياة صبرى، ولم يدفن سرا ولكن تم التعتيم على وفاته من الحكومة والاستعمار حتى لا تلتهب مشاعر الجماهير وتزداد ثورة الشعب، ولم يمش فى جنازته إلا أقاربه وجيرانه.
ويضيف: «للعلم سيد درويش كان ما بيهموش حد ولو سمع حد مش عاجبه كان بيقول له: «ما تغنيش تاني» بدليل انه مره ضرب إحدى المطربات بالعود لما غنت قدامه غلط فى لحن من ألحانه.. سيد درويش لم يتناول الكوكايين إلا مرتين أو ثلاث على الأكثر وبإلحاح من أصدقائه وعلى سبيل التجربة.
ويستكمل: «ولما ما عجبوش الوضع امتنع فى الحال وكان يقوم بنصح أصدقائه بالامتناع والتوقف عن تلف العقل، وقام بمحاربة هذا الأمر فى ثلاثة من ألحانه التى كانت تحث على محاربة المخدرات والفوقان وانتباه والوعى لمصلحة البلد الذى كان يعشق ترابه».
قلت له: من قتل إذن سيد درويش؟ وكيف؟
الاستعمار الإنجليزى عن طريق إحدى الأسر الصديقة لسيد درويش والخائنة للوطن وسيد درويش، والتى تم إغراؤها بالمال، حيث أعدوا له عشاء بمناسبة الانتهاء من لحن استقبال سعد باشا وتم دس السم له فى الطعام، وبمجرد عودته إلى المنزل وافته المنية ولم تتمكن الأسرة من إسعافه على الفور.
ويضيف: «ونظرا لشكوك الأسرة والمحيطين طالبوا بإخراج الجثمان وإعادة تشريحه لمعرفة سبب الوفاة، فامتنعت السلطات ورفضت تنفيذ هذا الطلب لتأكدهم من دس السم له وخافوا من افتضاح الأمر.. هذه هى النهاية المؤكدة لوفاة سيد درويش أى تحريف نحن لا نقبله على الإطلاق».
وماذا عن إدمانه المخدرات؟
لم يكن سيد درويش مدمنا، والدليل على ذلك خطاب بخط يده مصور بكتاب (حياة ونغم) للكاتب الصحفى (محمد على حماد)، الذى كان من المعاصرين لسيد درويش وكتب الكثير عن حياة سيد درويش، وأيضا جملة من ألحانه تقول (يحرم علينا شربك يا جوزة.. روحى وانتى طالقة مالكيش عوزة.. دى مصر عاوزه جماعة فايقين) كان يحارب بها تعاطى المخدرات فكيف يتعاطاها أو يدمنها وهو يحاربها ويعتبرها قضية من القضايا السلبية الكثيرة التى كان يقدمها كرسالة من رسائله إلى مجتمعنا.
مات بأزمة قلبية من الحزن
فى جريدة الشعب عدد 2 ابريل 1958 كتب الدكتور فؤاد رشيد رواية مختلفة تماما عن وفاة سيد درويش، مشيرا إلى أن سيد درويش توفى وهو لم يتجاوز العقد الرابع من عمره، بعدما تعاقد مع فرقة عكاشة على تلحين ثلاث روايات هى (هدى- عبد الرحمن الناصر- الدرة) مقابل أجر قدره 600 جنيه، وكان لهذا الاتفاق صدى قوى فى كل الأوساط الفنية، حيث اعتبر ذلك الأجر قياسيا لأبعد حد، وأتم الشيخ سيد تلحين روايتى الافتتاح (هدى - وعبد الرحمن الناصر) ووضع لرواية هدى ألحانا غاية فى الروعة والجمال، منها لحن (عذارى هدى- يا سحاب- الورد- القناطر الخيرية) وكلها ألحان نجحت نجاحا يفوق الوصف، فلما جاء تلحين الرواية الثالثة حدث خلاف كبير بين سيد درويش وآل عكاشة، حيث رأى الشيخ سيد أن الرواية كانت قد كتبت لمنيرة المهدية وعلى هذا فقد كانت ألحانها فردية فلا ألحان ثنائية ولا ألحان للمجموعة وإنها رواية لا يمكن أن تنجح حيث تم وضعها خصيصا لشخص المطربة منيرة المهدية ورفض تلحين الرواية وأبدى استعداده لأن يلحن أى رواية أخرى بدلا منها، ولكن إدارة الفرقة رفضت وأصر كل منهما على وجهة نظره، وظهرت الرواية وفشلت فشلا ذريعا، وفى اليوم نفسه أبلغت الفرقة سيد درويش عدم التعاون معه مطلقا، وهنا أصيب درويش بصدمة كبيرة وتصبب جسمه عرقا وأغمى عليه وحمله أحد أصدقائه إلى داره، حيث تم إسعافه بالعلاج، فلما أفاق فى صباح اليوم التالى قصد مسقط رأسه الإسكندرية، وما هى إلا ايام معدودات حتى نعاه النعاة، فقد مات فجأة.
زين نصار: لماذا رفضت الحكومة تشريح جثته؟
ويروى لنا المؤرخ الموسيقى الدكتور زين نصار أستاذ النقد الموسيقى، شهادته على وفاة سيد درويش قائلا: «حسن درويش نجل الفنان سيد درويش رحمهما الله قال لى إنه كانت هناك شبهة جنائية فى وفاة سيد درويش، وطلبنا وقتها تشريح الجثة، لكن الحكومة رفضت، ولم تفسر لهم حكومة الإنجليز وقتها سبب الرفض، خاصة أن سيد درويش وقتها كان مسببا قلقا كبيرا للإنجليز فى مصر بأغانيه وموسيقاة التى تحرك التظاهرات.
ويضيف د. نصار «سيد درويش توفى وعمره 31 سنة، وإنتاجه الموسيقى كله كان خلال فترة عمرة وهو فى سن من 14 إلى 23 سنة وهى 9 سنوات فقط، لأن سيد درويش وبكل المقاييس كان لديه تدفق لحنى، فقد لحن 30 مسرحية فى 6 سنوات، كما أن الموسيقى قبل سيد درويش كانت تهتم بعنصر التطريب «إعادة الكلمات أكثر من مرة» حتى يضيع المعنى، وأيضا القدرة على الارتجال، وهذه قدرة موسيقية قوية لأنها ستستعرض المساحات الصوتية للمطرب لأنه وقتها لم يكن هناك ميكروفونات.
ويضيف: «لذلك استفاد سيد درويش من كل ذلك، وجعل ألحانه قائمة على التعبير عن معانى الكلمات خلال اللحن، مع شىء من التطريب، فمثلا لحن «أنا هويت وانتهيت» يحتاج إلى مطرب ليغنيه، فى حين أن «سلمى يا سلامة» ممكن أى حد يغنيها، فقد كان سيد درويش شخصا موهوبا، والناس اللى بالشكل ده بتاخد خبرة على طول ولا تحتاج إلى أن تعيد عليها مرة أخرى».
أما عن تعاطيه الكوكايين فيشير د. نصار إلى أن ذلك شيىء لا يدعو للاهتمام أو وضعه فى الاعتبار لأن المهم لدى شغله الموسيقى الذى أدخله التاريخ.
الطب الشرعى يكشف الحقيقة ولغز الوفاة
عرضت كل الشهادات السابقة على الدكتورة شيرين غالب، أستاذة الطب الشرعى والسموم بجامعة القاهرة ورئيسة قسم الطب الشرعى بكلية طب بنى سويف، فقالت: «وضع مورفين فى كأس الويسكى كلام غير دقيق طبيا وعلميا، لأن المورفين لا يؤخذ عن طريق الفم ولا يمتصه الجسم إلا إذا أخذ عن طريق الحقن ليؤدى الغرض منه وهو تهدئة الأعصاب، وتسكين الآلام، وفى حالة الجرعة الزائدة تؤدى إلى توقف التنفس عن طريق تدمير مركز التنفس فى المخ، أضف إلى ذلك أن كأس ويسكى واحدة هى جرعة غير قاتلة ولا مسكرة، فكيف تؤدى للوفاة؟
وتستكمل د. شيرين شهادتها ل «الأهرام» قائلة: فى حالة سيد درويش فإن المورفين لو وضع فى كأس خمر له، فإنه لا يمتص عن طريق المعدة حتى وإن كان سيد درويش شامم كوكايين فهو من المنبهات وليس المثبطات للجهاز التنفسى، وبالتالى فإن الويسكى مع الكوكايين يوقف كل منهما مفعول الآخر، وعلى حسب شهادة حياة صبرى فإن الكوكايين برىء من وفاة سيد درويش، إلا إذا كانت المادة التى وضعت بالكأس لسيد درويش نوعا آخر من السموم.
وتستكمل قائلة: «شهادة حفيد سيد درويش وشهادة دكتور زين نصار تؤكد وجود شبهة جنائية فى وفاته، الأمر الذى يحتاج إلى استخراج رفاته والحصول على عينة من الأجزاء التى لم تتحلل مثل الأظافر، والعظام، والأسنان، حيث إنه من المعروف أن الموت بالتسمم أو السقوط من علو هما الأكثر شيوعا فى عالم الجريمة السياسية أو الوطنية لصعوبة اكتشافها إلا بالتشريح، والكشف عن السموم فى البول والدم وباقى أجهزة الجسم بأجهزة حديثة متاح الآن.
سألتها: هل كان يمكن لعبقرى مثل سيد درويش أن يكون مدمن كوكايين؟
قالت: مستحيل طبعا أن يؤلف ويلحن كل هذه الروائع وهو مدمن، لأن المدمن له مواصفات خاصة فى الشكل والطباع، وعدم الاهتمام بمظهره، والهلاوس والهذيان، وعدم الوعى، فكيف لمدمن أن يستطيع التركيز فى أعمال مثل سيد درويش، كما أن الكوكايين يؤدى للسهر بالفعل لكن دون عمل أو تأليف، فى حين أن إبداع سيد درويش كان فى حاجة إلى مخ واع وحاضر.
قلت لها: وماذا عن تسمم سيد درويش بالزرنيخ؟
أجابت: التسمم بالزرنيخ له أعراض مختلفة تماما عن التسمم بالمخدرات، فهو يسبب ألما شديدا فى البطن، وغيثانا، وقيئا، وإسهالا شديدا ويؤدى إلى فشل حاد فى الكبد، وهو من السموم المشهورة لقتل السياسيين، حيث قتل نابليون بونابرت على يد الإنجليز بعد نفيه لجزيرة سانت هيلانة عقب هزيمته فى معركة (واترلو) بسم الزرنيخ، الذى لا تظهر أعراضه على المريض إلا بعد مرور 4 ساعات، وبعد مئات السنين من وفاة نابليون تم تحليل عظامه واكتشفت وفاته بسم الزرنيخ .
وماذا عن وفاة سيد درويش بأزمة قلبية؟
- الجثة تحللت الآن تماما وبالتالى لا يمكن تحديد ذلك، ولكن السم موجود ويمكن كشفه بسهولة، وبالتالى لابد من استخراج الجثة مرة أخرى لتحليل العظم والشعر، لأن السموم تظل فى العظام ولا تتحلل، ونتأكد من أنها جثته من خلال تحليل «دى إن ايه» لاحفاده ومنهم الفنان إيمان البحر درويش، وبه يمكن معرفة الجثة حتى لو مر عليها 100 سنة.
مفاجأة.. سيد درويش بوهيمى
ويروى عن سيد درويش أنه كان بوهيميا، حيث يعيش فوضى ليس لها مثيل فمثلا كان يأكل أى شيء. وفى أى مكان، وكان يصوم أياماً فلا يأكل ولا يشرب إلا ما يسد الرمق، وكنت تراه فى كل مكان، ثم يختفى فلا يعرف له أحد مستقراً، وقد روى عنه أنه كان مختليا بنفسه فى قهوة على ضفة النيل ليتم تأليف لحن من ألحانه بينما كان بيته غاصا بأصدقائه ومعارفه وكانت عروسه تنتظره ليلة الزفاف!.
كما انه كان ينام وينام وينام، ثم يسهر ويسهر ويسهر فلا ضابط لنومه او سهره، اما ملابسه فقد كانت فوضى لا حد لها، ولم يكن ينتظم منها الا رباط رقة الفن الذى كان لا يفارق رقبته لحظة، وكان يتقاضى ثمن ألحانه فى فترات متقطعة إذ لم يكن له مرتب ثابت اللهم الا عند اشتغاله مع نجيب الريحانى فكان يرسل جانبا من النقود إلى عائلته فى الاسكندرية، وينفق الباقى وقد يتجاوز مئات الجنيهات على أكثر من عشرة من اصدقائه كانوا يصاحبونه فى سهراته البوهيمية ولياليه الليلاء- او الملاح كما كان يسميها .
لغز اختفاء بطاقته وجواز سفره وملابسه
أعود لسؤال الحفيد محمد حسن درويش: أين مقتنيات وأوراق سيد درويش الشخصية؟
فيجيب: أو ملابسه، طبعا حين توفى سيد درويش كانت تجرى عادات هذه الأوقات توزيع ملابس المتوفى بعد اربعين يوما من الوفاة، ولم يكن يوجد الوعى للاحتفاظ بملابس متوفى وذلك للجهل وعدم اكتراث لمكانة سيد درويش، وأنه من مشاهير الفنانين وكان يجب الاحتفاظ بملابسه الشخصية ماكانوش فاكرين أنه ممكن الاحتفاظ بها فى متحف أو غير ذلك، أما أصول النوت فيوجد منها بمكتبة الإسكندرية مع قسيمة الزواج الخاصة بالزيجة الأخيرة جليلة عبد الرحيم (جدتي) وقد أهديناها لمكتبة اسكندرية للحفاظ عليها وعرضها للجمهور، حيث يوجد ركن بالمكتبة به الصور والنوت والعود الخاص بسيد درويش. أما بخصوص البطاقة الشخصية وجواز السفر فلم يستدل عليهما تماما، فى حين أن منزل سيد درويش بالإسكندرية هدم ولم يتبق منه غير حطام، أما منزله بالقاهرة فنحن نحافظ عليه ونرممه وهو بحى روض الفرج جزيرة بدران حارة على عبد الناصر متفرع من شارع ابن الرشيد وجزيرة بدران، مع العلم أنه يوجد ثلاثة أعواد لسيد درويش، واحد بمنزل سيد درويش بجزيرة بدران، والثانى بمكتبة الإسكندرية إهداء منا، والثالث مع أولاد العم.
« السنة دى مش حاتتم على وأنا فى الدنيا».
بعد وفاة سيد درويش بأيام قليلة روى صديقه بديع خيرى هذه الواقعة، مشيرا إلى أن سيد درويش كان يتوقع الموت فى أية لحظة، حيث قال: «أهدى إليه ذات يوم صورة له كتب عليها:
صديقى ان عفا رسمي
وهد الموت بنياني
فناج الروح واذكرني
نزيل العالم الثاني
وكان يكتب أمثال هذين البيتين المفعمين بالتشاؤم كلما أهدى إلى صديقه صورة له..
ودخل على صديقه ذات يوم وقد اصفر لونه وظهر عليه التأثر الشديد وقال: «اسمع.. أنا النهارده الصبح كنت قاعد باشتغل جوه أوضتى فى أمان الله، بصيت على غفلة لقيت صورتى اللى محطوطة قدامى جنب زهرية ورد قلبت على الأرض لوحدها بدون أى شيء ما يمسها، وأقول لك الحق مر على ذهنى ساعتها خاطر محزن ألهمنى بأن السنة دى مش حاتتم على وأنا فى الدنيا».
ومن المصادفات العجيبة أن سيد درويش مات بعد هذه الحادثة ببضعة أشهر!!
ويبقى السؤال حائرا منذ ما يزيد على 90 عاما، من قتل سيد درويش؟، ومن دمر سمعته وألصق به إدمان الكوكايين؟
كلها اسئلة حائرة رقدت مع جثمانه بقبره فى انتظار من يكشف الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.