ليس لدي معرفة بخلفياته السياسية والفكرية ولا ما يفسر اختياره رئيسا لوزارة, ربما هي الأخطر في تاريخ مصر بحجم الأشواق للاستقرار, والتطلعات للتنمية, وما تتعرض له البلاد الآن من حرب شرسة من ثورة مضادة لأذرع وذيول النظام الذي أسقطته الثورة التي مازالت تسيطر وتتحكم بمنظومة فسادها في أغلب مفاصل الدولة. أهم أسباب الخلاف مع قرار رئيس الجمهورية أنه لم يقم بالوفاء بعهد المشاركة الوطنية, وجوهرة المصارحة والشفافية, وإدخال الشعب شريكا في القرار السياسي, وكان هذا الالتزام بالمشاركة الوطنية في مقدمة التزامات كثيرة للدكتور محمد مرسي قطعها أمام الجبهة الوطنية يوم21 يونيو قبل إعلان النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية, ولا أظن أنه بعد ثورة25 يناير صاحبة الفضل في كل من يتولي مسئولية مصر الآن, أن تتم العودة إلي تجاهل حق الشعب في أن يعرف ويفهم ويشارك في القرار الذي يشكل حاضره ومستقبله. لم يعد مقبولا ما كان قبل الثورة أن يعيش الشعب مغتربا وغريبا ومستبعدا في وطنه. انتظرت أن يستكمل رئيس الجمهورية قرار تعيين د. هشام قنديل رئيسا لمجلس الوزراء ببيان بحيثيات الاختيار المسار والإنجازات إجابة علامات استفهام وهواجس حول دور مكتب الإرشاد ورجل الجماعة القوي خيرت الشاطر, المرشح نائبا, وفي بعض الأقوال رئيسا فعليا لمجلس الوزراء, المصارحة والشفافية حق للشعب بعد ثورته, وتوفير أسباب لاطمئنانه, خاصة ولديه المتوافر من أسباب القلق تفرض احترام حقه في أن يفهم علي الأقل ليتجاوب مع ما تتم دعوته إليه من مسار طويل من الصبر والاحتمال. كانت الدعوة الأولي والأساسية للجبهة الوطنية دعم وتحصين القرار السياسي بالحصول علي ثقة الشعب وتأييده للقرار, وبما يضمن دخوله شريكا في تفعيله وإنجاحه, ملاحظاتي السريعة والأولية علي مجموعة من الأسماء المقترحة لتولي حقائب وزارية ضخ دماء جديدة, ورؤي وخبرات ومتوسطات أعمار تنهي مراحل تصلب الشرايين, ومراحل جفاف الإبداع والإصرار مع الدوران في فلك مجموعة محدودة من الأسماء بعينها, وفك الاشتباك, ولأول مرة منذ قيام الثورة وحتي الآن, من رموز ووزراء ومسئولين رجال وسيدات يحملون أختام الرضا من العهد البائد. أول وأهم ضمانات سلامة الاختيارات أن يضع رئيس مجلس الوزراء يديه مع مجموعة من فيض أعظم الخبرات التي تمتلئ بها مصر, والتي تجمع إلي التميز فكرا ثوريا, وابتكارات في الحلول للأزمات التي أزمنت وامتلأت بالعطن والفساد والتخلف, وأن يسلح القيادات الجديدة بالقوانين التي تستعيد هيبة الدولة, وسيادة القانون, وأن يضع خطة مدروسة لاقتحام أخطر الأوكار التي يتجذر فيها الفساد, وأولياء وخدام النظام القديم, الذين يتوارثون إدارة المحليات, والسكان هناك كأنهم عبيد ليس عليهم إلا السمع والطاعة, والدفع بقيادات جديدة شابة من الأجيال التي امتلأت بها ميادين مصر في أثناءالثورة ليقودوا تطهير وتحرير المحليات, وإحداث ثورة في اختيار المحافظين المحترمين الذين لا ينتظرون أوامر رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء ليدركوا قيم النظافة ورفع القمامة, وليضعوا مخططات جادة لتعظيم الثروات البشرية والطبيعية في محافظاتهم. نريد محافظين من أفضل وأكفأ أبناء الأقاليم, عارفين بمكمن القوة التي يفيض بها كل شبر علي أرض مصر الخلاقة واحترام أفضلية الاختيار علي أسس الكفاءة العلمية القادرة علي إنجاز مهمات الإنقاذ بقدرات إبداعية, وإرادة وطنية, وروح ثورية, وألا يفسد الاختيار ولاءات وانتماءات حرمت مصر مع النظام البائد من أكفأ أبنائها. وإذا كان الأمن والاقتصاد أخطر ملفين يجب أن يمثلا أولوية للوزارة الجديدة, فلا يقل عنهما ملف المياه القادم منه رئيس مجلس الوزراء وعبر التاريخ كانت المياه والوحدة الوطنية الأعمدة الفقرية لقوة وتماسك مصر, وكان قطاع الموارد المائية, وثروة مصر البشرية من أعلي الكفاءات العارفة بمقدمات التنظيم الإداري وأحوال الأرض والفلاحين, ومصدر الحياة الأساسي وهو المياه, فالفلاح والأرض والزراعة والنيل والأمن الغذائي والأمن الصحي لاقت من الإهمال والتدمير ما يصل إلي مستويات الخيانة العظمي, وبما يفرض أن تكون لهم أولويات تبدأ بتحرير علماء وخبراء مراكز الأبحاث, خاصة الزراعية, لدينا ثروات من البحوث والعقول قادرة علي إحداث طفرات في جميع مجالات الحياة. وقد وثقت في مئات المقالات علي صفحات الأهرام منذ نهايات القرن الماضي تفاصيل المؤامرة علي أخطر ما في حياة المصريين الأرض والفلاح والمياه والخبراء والبحث العلمي, والنتائج التطبيقية التي حققت نتائج مدهشة علي الأرض ومافيا الاتجار في الأراضي الزراعية والبناء فوقها, وتحويل شبكة الترع العبقرية التي أنشأها محمد علي إلي مقالب قمامة أو سدها للأبد بالخرسانة. كل المقدمات التي حذر منها العالم الجليل جمال حمدان ونهايتها المحتومة إذا تواصلت أن تتحول مصر إلي مقبرة بحجم وطن! الأخطار والمسئوليات الوطنية بلا حدود تتطلب تشكيلا وزاريا علي قدرها, لا علي قدر توزيع الحقائب الوزارية خضوعا لصراع وتقسيم النفوذ بين المجلس العسكري والجماعة, ودون مبالاة بهموم شعب يشتاق إلي الاستقرار والتنمية والبناء, ومعالجة آثار دمار أكثر من ثلاثين عاما, وجني ثمار الثورة: العيش, والحرية, والكرامة, والعدالة الاجتماعية. مؤشرات كثيرة تثير القلق عن الصراع داخل التشكيل الوزاري, نرجو أن تفوز فيه مصلحة وحق وطني علي جميع المتنافسين علي النفوذ, وعدم احترام عهد المشاركة الوطنية لا يعني انتفاء واجب وحق المتابعة والمراقبة والمحاسبة داخل الجبهة الوطنية أو خارجها, فالرقابة والمحاسبة حق ودور للجميع, ولم تسقط الثورة طاغوت نظام ليقبل المصريون بقيام طواغيت أخري, والتشكيل الوزاري والأعمال بيننا. المزيد من مقالات سكينة فؤاد