يبدو أن إقامة الوطن الكردى ليس حلما منفردا، ولكنه جزء من كابوس الانفصال الدولي، فبعد صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى باستفتاء مثير للجدل، عاشت المملكة المتحدة حالة من الرعب خوفا من احتمال انفصال أسكتلندا أيضا عنها باستفتاء مماثل، وها هى إسبانيا هى الأخرى تواجه هذه الأيام الأزمة نفسها بعد أن أصبح شبح استفتاء انفصال إقليم كاتالونيا ماثلا وقريبا. وفى خضم حمى الاستفتاءات والانفصال، يأتى الاستفتاء حول انفصال إقليم كردستان عن العراق ليثير المزيد من الجدل. ولكن السؤال الآن: ما هو موقف المجتمع الدولي، والغربى على وجه الخصوص، من صراع الأكراد التاريخى للبحث عن وطن؟ بالطبع أى حديث عن الموقف الدولى إزاء الاستفتاء الكردى لابد وأن يستند إلى حقيقة المصالح الاقتصادية خاصة البترولية، وتحديدا إذا تناولنا الموقف الأمريكي. فمنذ الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، نجحت واشنطن فى فرض سيطرتها الكاملة على الحكومات العراقية المتعاقبة، وهو ما ساعدها على السيطرة على ثروتها البترولية. ولكن الموقف الأمريكى من الأكراد طالما كان متذبذبا على مر العصور، ففى عام 1920، حصل الأكراد على دولتهم الصغيرة بموجب معاهدة «سيفريس» التى قسمت الدولة العثمانية، ولكن هذا الحلم لم يدم طويلا، فسرعان ما دمرته اتفاقية لوزان عام 1923، والتى أعادت ترسيم الحدود التركية، ولكن هذه المرة دون أى وجود للدولة الكردية المأمولة. وعلى مدى القرن العشرين، تراوح الموقف الأمريكى بين الدعم والتجاهل للشعب الكردى. ولكن القرن الحادى والعشرين حمل توجها أمريكيا جديدا تجاه الشعب الكردى، فلم تتجاهل واشنطن الدعم الذى قدمه لها الأكراد خلال مرحلة غزو العراق والسيطرة على الدولة، ومن ثم كانت مكافأتهم إقليما يتمتع بالحكم الذاتى تحت مظلة الحكومة المركزية العراقية، وهو ما أثار فى واقع الأمر قلق دول الجوار التى تواجه صراعات من الانفصاليين الأكراد. وتجلى الدعم الأمريكى للأكراد مع ظهور تنظيم داعش الإرهابى وانطلاق التحالف الدولى للقضاء على إرهاب داعش تحت قيادة الولاياتالمتحدة، حيث قدمت واشنطن الدعم العسكرى واللوجستى للأكراد فى القتال ضد التنظيم التكفيري، كما خصصت لهم الجانب الأكبر من المساعدات الغذائية والطبية وتعاملت معهم بصفتهم كيانا موحدا لا يستهان به، ولكن هذا لم يمنعها من رفض الاستفتاء بشكل قاطع بذريعة المخاوف من عدم استقرار العراق وتهديد التحالف الدولى ضد داعش. أما الاتحاد الأوروبى الذى يعانى حاليا من حمى الاستفتاءات ومن الخوف من أن تتحول إلى الداء القاتل الذى قد يفتك بالتكتل الأوروبى ذات يوم، فكان موقفه رافضا تماما لفكرة الانفصال. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبى فى بياناته لم يشر تحديدا إلى الاستفتاء الكردى فى 25 سبتمبر الحالى، فإنه أكد ضرورة الوحدة العراقية بشكل عام، وشدد على أهمية الحوار لحل الأزمات الداخلية فى الدولة، وشدد على أهمية التعاون العسكرى والاقتصادى بين إقليم أربيل والحكومة المركزية العراقية، مذكرا بأهمية مثل هذا التعاون فى أوج الحرب على داعش. وإذا انتقلنا إلى روسيا، سنجد توافقا نادرا فى المواقف من هذا الاستفتاء بين واشنطن وموسكو، فقد أعلن سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى دعم بلاده الكامل للاستفتاء الكردي، مشيرا إلى أنه من حق هذا الشعب أن يحقق آماله وأحلامه المشروعة فى دولة مستقلة يعيش فيها وفقا للمعايير القانونية الدولية. أما فيما يتعلق بالجانب القانونى الدولي، وبعيدا عن المشاعر الوطنية العربية بألم التفكك، فإن الأكراد كشعب وكإقليم وكقوة سياسية واقتصادية مؤهلين تماما من وجهة نظر القانون الدولى لتكوين دولة ذات سيادة مستقلة، إلا أن العقبة الحقيقية التى ستعوق هذا الحلم هو مدى تقبل الحكومة العراقية لفكرة استقلال هذا الجزء الكبير المهم منها، وأيضا رفض القوى الإقليمية لمثل هذه الدولة قبل ولادتها.