لم تعد المدافع والطائرات والسفن هى مصادر القوة الوحيدة التى يعمل لها العالم الف حساب، هى لم تفقد تأثيرها واهميتها ولكن هناك مصادر قوة الآن تهز اركان العالم وتقيم الثورات وتقتحم خصوصيات الشعوب وتدمر الثقافات وتنشر الفتن .. انها الإعلام هذا الأخطبوط الذى غير تماما موازين القوى بين الدول والشعوب واصبح قادرا على ان يغير ملامح الأشياء ويشوه الحق من اجل الباطل ويحرم الحلال وينشر الحرام بل انه قادر الآن على ان يغير تاريخ الشعوب ومساراتها.. ان امتلاك وسائل الاعلام لم يعد حكرا لأحد وتحول الى معارك ضارية سالت فيها الدماء وضاعت الأوطان.. لابد أن نعترف أن الإعلام اصبح قوة مسيطرة فى أرجاء هذا الكون وهو يستمد قوته انه قادر على ان يتجاوز الحدود ويعبر الآفاق دون أن يوقفه احد.. إنه يتسلل الى غرف النوم ويقتحم عيون الأطفال ليرسم صورة الحياة كما يحب وكما يريد .. وقد نبهت مع غيرى منذ سنوات أن هذا الضيف القادم سوف يصبح يوما قوة تقتحم كل شىء وتهدد أى شىء حتى وجدنا أنفسنا الآن ونحن نجلس أمام الشاشات بالملايين فى حالة صمت وذهول نسمع ولا نتكلم ونتلقى الأوامر وليس لنا حق الرد او الاعتراض! انه الإعلام الذى يشاركنا بيوتنا وغرف نومنا ولن يكون غريبا أن تجد نفسك امام باقة ورد جميلة او تجد امامك صندوقا للقمامة فى صورة او كلمات أو وجوه كئيبة لا تعرف من أين خرجت وكيف نشأت؟.. وللأسف الشديد انها تطاردك على الشاشات وفى تليفونك المحمول وفى عشرات المواقع المليئة بالفضائح والبذاءات وهى تعطى الأطفال الصغار دروسا فى الانحطاط وسوء الأخلاق وفساد التربية .. اذا لم تجد كل هذا على الشاشات فهو على شاشة صغيرة تسرق من أطفالك كل ما غرست فيهم من الفضائل والأخلاق .. وسط هذا الركام يطل الإعلام المصرى ضعيفا واهيا ركيكا فى كل شىء، ومع مرور الوقت تزداد حدة الأزمة ونجد أنفسنا شعبا وحكومة أمام حالة إنحدار وتراجع فى الرسالة والمهنية والمسئولية وحق المواطن فى ان يعرف ويتعلم ويشارك بعيدا عن هذا الصخب المجنون وهذا المال الضائع ان اخطر ما فى الإعلام الآن ليس برامجه وحواراته واساليب انحطاطه ولكن الأخطر انه يخدم مصالح مشبوهة، ويستخدمه البعض من أجل تشويه الحقائق ونشر الأكاذيب وتضليل الشعوب. لقد اكتشف العالم العربى بعد عشرين عاما أن قناة الجزيرة التى تنطلق من إمارة صغيرة نجحت فى أن تضرب فى الجذور ثوابت هذه الأمة وتشجع الإنقسامات وتؤيد الإرهاب وتنشر الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.. من كان يصدق ان هذه القناة التى تنطلق من بضع حجرات فى قطر يمكن ان ترتكب كل هذه الجرائم فى حق شعوب هذه الأمة .. لقد حدث ذلك كله والجميع فى مقاعد المشجعين حيث التكنلوجيا المتقدمة التى كانت تنقل كل ليلة كيف تم تدمير قدرات وامكانيات وجيوش هذه الأمة فى بغداد ودمشق وصنعاء وفلسطين وليبيا. هذا نموذج يعيش بيننا ونراه وترك فى كل بيت اثرا من الانقسامات والتضليل والجرائم .. لقد استوعبنا الدرس بعد فوات الأوان .. منذ فترة وانا احذر واطالب بوقفة مع الإعلام المصرى وما حدث فيه فى السنوات الست الأخيرة ومنذ ثورة 25 يناير .. هناك ظواهر غريبة معروفة ومرصودة ولا تخفى على احد ان السؤال الذى ينبغى ان نجيب عليه هل قدم الإعلام فى هذه السنوات انسانا افضل وعقولا اكثر وعيا ومجتمعا اكثر تماسكا وفكرا اكثر تحررا .. اريد من سلطة القرار أن تقول لنا وتوضح الحقائق حول مصادر تمويل جزء كبير من الإعلام المصرى الذى ظهر فى هذه السنوات: من اين اقيمت الفضائيات والمواقع الإخبارية والصحف والمجلات؟.. ومن اين جاءت المبانى الفخمة التى اقيمت فيها هذه المشروعات الغامضة لأشخاص الكل يعرف تاريخهم ؟.. لأنهم بلا تاريخ لقد طالبت اجهزة الأمن إن تكشف لنا حقيقة هذه الأموال خاصة ان الجميع كان يتحدث عن الأموال الخارجية التى تسربت للشارع المصرى وكان الإعلام من اهم المواقع التى دارت حولها الشبهات.. ان الإعلام المصرى يعانى الأن من هجمات مالية ضارية افسدت كل شىء فيه.. ولا ادرى ما هو السر فى صمت اصحاب القرار حول هذه الجرائم وهى واضحة ومعروفة وليست فى حاجة الى تأكيد لقد سمعنا وشاهدنا قصصا كثيرة عن التمويل الخارجى لشباب ثورة يناير وشاهدنا عمليات تسريبات ادانت الكثيرين ولم نشاهد تسريبا واحدا عن وسيلة اعلامية مشبوهة. لا يخفى على أحد حالة الانحدار بل الانحطاط الذى أصاب الكثير من وسائل الإعلام المصرية ابتداء بالبرامج والمسلسلات وانتهاء بما نقرأ فى المواقع الاخبارية الصحفية التى تخلت عن كل مظاهر الأخلاق فى قصص الانحرافات الجنسية وزنا المحارم وجرائم القتل والجثث التى تتناثر اشلاؤها كل يوم على شاشات هذه المواقع ومنها تتجه الى شاشات التليفزيون ومواقع التواصل الإجتماعى. ان البذاءات والشتائم التى نشاهدها كل يوم على وسائل التواصل الإجتماعى تمثل جرائم يومية فى حق هذا الشعب، وللأسف الشديد انها تزداد كل يوم انحطاطا .. لقد افسدت هذه المواقع اخلاقيات الأجيال الجديدة واساءت فى احيان كثيرة للعلاقات التاريخية مع الشعوب الشقيقة وسربت قصصا واخبارا كاذبة عن اسرار الناس وحياتهم وإذا حاولت ان تصرخ او تشكو فلا توجد جهة واحدة تنصفك وتعيد لك حقك فى الرد او كشف الحقيقة .. ان السؤال الذى يطرح نفسه بقوة من اين تنفق هذه المواقع ومن اين يأتيها كل هذا المال إذا كانت ملكا لرجال الأعمال لماذا لا نعرف الحقيقة.. إذا كانت تعمل لحساب دول اخرى فهذه خيانة ومن حق المواطن المصرى ان يعرف مصدر هذه الأموال بعيدا عن الأسماء الغامضة التى تتصدر الصفحات او المواقع .. هناك روائح كريهة كثيرة تفوح من هذه المواقع وتستهدف اشخاصا او مؤسسات، بل انها تعمل لحساب اشخاص آخرين فهل هى دعاية مدفوعة؟.. ولماذا لا تفصح عنها ولماذا لا نجد اسماء ملاكها على هذه المواقع سواء كانوا مصريين او اجانب؟.. وهل من حق الأجانب ان يقيموا مثل هذه المشروعات فى مصر دون موافقة السلطات المسئولة. ان الإعلام المصرى يواجه محنة حقيقية امام تساؤلات كثيرة عن دوره وخطاياه ومستوى المهنية فيه.. وقبل هذا كله عن مصادر تمويله ومن أين تأتى؟.. وعلى الدولة ان تجيب عن هذه التساؤلات وتكشف كل جوانب السرية والغموض فى هذه القضية .. لم يعد الإعلام المصرى يهتم بتلك القضايا التى تهم الناس.. لقد سقطت فى السنوات الماضية عواصم عربية ولم نعرف شيئا عنها لأن إعلامنا لا يتجاوز حدود الوطن او حدود القناة أو الصحيفة ان كل ما يصل الينا من افلام وبرامج وحوارات صناعة غربية او يجىء الينا من قنوات مشبوهة وحتى الإنجازات الداخلية لا تجد من يقدمها للناس فى الطرق والمدن وقناة السويس واستصلاح الأراضى والعشوائيات والإسكان وما انجزناه فى قطاعات الزراعة والصناعة والبنوك انها فقط إعلانات مدفوعة اما الخدمة الإعلامية فلا مكان لها فى الإعلام المصرى اين التغطية الإعلامية لما يجرى فى سيناء؟!.. لم نشاهد فيلما وثائقيا واحدا قدمته فضائية مصرية عن دماء الشهداء فى سيناء غير ما يصدر من البيانات العسكرية من المتحدث العسكرى .. على جانب آخر فإن الفضائيات المصرية الخاصة تعانى الآن ظروفا مالية صعبة ورغم كل الأخطاء التى وقعت فيها إلا أن اختفاء هذه القنوات وانسحابها من الساحة يمثل خطرا كبيرا على دور الإعلام المصرى امام منافسة خطيرة على المستوى العالمى او الإقليمى ولهذا ينبغى ان تبدأ هذه القنوات فى تعديل مسارها ماليا وإعلاميا ومهنيا حتى تتجاوز ازماتها.. يبقى بعد ذلك موقف مايسبيرو إعلام الدولة وتراثها بكل ما فيها من الكنوز ان المحنة الحقيقية فى هذا الجهاز هو الديون والعمالة وسوء الإدارة والمطلوب الآن البحث عن حل لأزمة الديون وقد اقتربت من 30 مليار جنيه والبحث عن وسيلة لمواجهة اكثر من 40 الف من العاملين فى هذا الجهاز العريق وتوفير المستوى الإدارى السليم لإنقاذ هذا الجهاز الخطير من ازماته مازلت اعتقد ان مايسبيرو هو اكثر المواقع امانا وثقة وحرصا على الوطن فى المنظومة الإعلامية المصرية. ان القضية معقدة امام هذا التداخل الشديد بين إعلام الدولة وازماته والإعلام الخاص وسقطاته، والإعلام الغامض الذى يتسرب الينا ونحن لا نعرف مصادر تمويله ومن اين جاءت هذه الأموال وان كنت على يقين ان الأجهزة الأمنية تعرف كل شىء. بقيت عندى نقطة اخيرة وهى حالة التردى التى اصابت لغة الحوار فى بعض الوسائل الإعلامية من صحافة وفضائيات وهى بكل المقاييس تعكس المستوى الفكرى والثقافى والأخلاقى الذى وصل اليه البعض ويحتاج الى علاج نفسى، لأن فيه تجاوزات فى اللغة والأسلوب تؤكد اننا امام ظواهر مرضية ولسنا امام فكر يناقش بالرأى والحجة والترفع ..ان كل شئ يمكن ان يقال ومن حق اى إنسان ان يبدى رأيا او يعترض على رأى آخر ولكن كيف يكون ذلك هذا هو السؤال .. ما يجرى فى منظومة الحوار يحتاج الى تربية ثقافية واخلاقية تعيد للحوار قدسيته . ان العبء كبير على الأصدقاء الأعزاء الذين يتولون الأن المسئولية فى هذه الظروف الصعبة وفى مقدمتهم كاتبنا الكبير الأستاذ مكرم محمد احمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والأستاذ عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الاهرام والأستاذ حمدى الكنيسى نقيب الإعلاميين والأستاذ كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة والاستاذ حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام وهم الأن يواجهون تحديات واخطاء سنوات طويلة تراكمت على كل المستويات ماليا ومهنيا واخلاقيا ولابد من البحث عن طريق ..ويبقى الشعر يا للمدينة حين يبدو سحُرها وتتيه فى أيامها النضراتِ ومواكبُ الصلواتِ .. بين ربوعها تهتز أركانُ الضلال ِالعاتى فى ساحةِ الشهداء لحنٌ دائم صوتُ الخيول ِ يصولُ فى الساحاتِ والأفقُ وحىٌ .. والسماءُ بشائرٌ والروضة ُ الفيحاءُ تاجُ صلاتِى ويطوفُ وجهُ محمدٍ فى أرضها الماءُ طهرى .. والحجَيج سُقَاتى ماذا أقولُ أمام نوركَ سيدى وبأى وجهٍ تحتفى كلماتى بالعدل ِ .. بالإيمان ِ .. بالهمم ِالتى شيدتها فى حكمةٍ وثباتِ ؟ أم بالرجال ِالصامدينَ على الهدى بالحق ِ ..والأخلاق ِ.. والصلواتِ ؟ أم إنه زهدُ القلوبِ وسعيها للهِ دون مغانم ٍ وهباتِ ؟ أم أنه صدقُ العقيدة ِ عندما تعلو النفوسَ سماحُة النياتِ ؟ أم أنه الإنسانُ حين يُحيطه نبلُ الجلال ِ وعفة ُالغاياتِ؟ أم انه حبُ الشهادةِ عندما يخبو بريقُ المال والشهواتِ ؟ أم أنه زهدُ الرجال إذا علتَ فينا النفوسُ عَلى نِدا الحاجاتِ ؟ أم إنه العزمُ الجليلُ وقد مضى فوق الضلال ِ وخسةِ الرغباتِ ؟ بل إنه القرآنُ وحى محمدٍ ودليلنا فى كل عصر ٍ آت .. *** يا سيدَ الدنيا .. وتاجَ ضميرها أشفع لنا فى ساحة العثرات ِ أنا يا حبيب الله ضاق بِىَ المدى وتعثْرتْ فى رهبةٍ نبضاتى وصفوكَ قبلى فوق كل صفاتِ نورُ الضمير ِ وفجرُ كل حياة ِ بشرا ولكن فى الضمير ترفعُ فاق الوجودَ .. وفاقَ أى صفاتِ وصفوكَ قبلى فانزوت أبياتى وخَجلتُ من شعرى ومن كلماتى ماذا أقولُ أمامَ بابك سيدى سكتَ الكلامُ وفاض فى عبراتى يارب فلتجعل نهاية َ رحلتى عند الحبيبِ وأن يراه رفاتى يومًا حلمتُ بأن أراه حقيقة ً ياليتنى القاه عند مماتى ..