فى يوليو من هذا العام 2017 تمر الذكرى ال 65 على قيام الثورة المصرية فى عام 1952 - خمسة وستون عاما شهدت مصر خلالها أحداثاً جساما...وتغيرت طبيعة الحياة ليس فى مصر فقط بل فى المنطقة العربية بالكامل، وأيضا فى كثير من دول العالم... خاضت مصر خلالها وعبر أكثر من نصف قرن العديد من الحروب.. وتعرضت إلى كثير من الأزمات.. تحملت خلالها اعباء ثقالا انطلاقا من وضعها الجغرافى والاستراتيجى المهم الذى تحظى به مصر والذى يميزها عن باقى دول المنطقة والعالم، على أن احتفالنا هذا العام بهذه الذكرى القومية يأتى فى ظل ذكرى قريبة لقيام ثورة بيضاء فجرتها الملايين من شعب مصر العريق، فهنا فى مصر بقايا ثقافية تنتمى إلى العصور الفرعونية القديمة والبطالمة والفرس والرومان ثم عصر الفتح الإسلامى وما بعده من احتلال عثماني، وهكذا. وهذه الجذور الثقافية بلورت سمات الشخصية المصرية فأصبح شعبها يمتلك خصائص: الصبر والاعتزاز بالنفس والإيمان وعدم الميل إلى الحرب والدمار، ومع ذلك يشهد التاريخ على أن هناك فترات يتخلى فيها شعب مصر عن كل هذا ليتحول إلى مارد عملاق يلفظ الظلم والفساد ولا يهاب الموت فى سبيل ذلك، من أجل ذلك وصفه هيرودوت: (بأنه شعب الأصول الراقية والمفاجآت الحضارية)، ونستطيع إدراك ذلك عندما نتوقف أمام الحركة الوطنية المصرية الثورية عبر العصور المصرية الثورية عبر العصور وصولا إلى العصر الحديث. وعلى قدر نجاح ثورة يوليو 1952 عبر السنين الماضية ولبعض الوقت إلا أنها كثيرا ما تعثرت وانحرف مسارها عن السير على درب مبادئها الحضارية التى قامت عليها، فقامت ثورتها لتصحيحها فى مايو 1971، وهكذا إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011، وهى أيضا ثورة قام بها الشعب وقام الجيش بحمايتها، لكن فى غفلة من هذا الشعب الطيب سرقتها جماعة الافك والإخوان الإرهابية التى حاولت تفتيت الدولة والإضرار بالأمن القومي، ونشر الفساد، وليتصدى لها الجيش لحماية مصر المحروسة من طغيان هذه الجماعة التى قدر لها أن تحكم مصر على مدى عام من الزمن، ومؤكدا أن علاقة الشعب والجيش علاقة أزلية بل هى جزء من أدبيات القوات المسلحة تجاه شعب مصر لن تستطيع أحد الالتفاف حول هذه العلاقة واختراقها، وهكذا قامت ثورة تصحيح أخرى فى 30 يونيو 2013، ثورة اشعلتها عشرات الملايين من المصريين وقام الجيش بحمايتها وإنقاذ البلاد من الانزلاق نحو نفق مظلم من الصراع والاقتتال والخراب فى الوقت الذى كانت عيونها ساهرة ويقظة لحماية حدود الدولة برا وبحرا وجوا ورفع الملايين فى كل محافظات مصر شعار الجيش والشعب إيد واحدة، كما ارتفع شعار يقول الشعب يريد إنهاء الفساد. ونحن بصدد إحياء ذكرى الثورة فى يوليو 1952 فى هذا المقال نقول ايضا بأنها هى الاخرى لم تنشأ من فراغ، لكن كانت لها جذورها العميقة واسبابها المتعددة بدءاً من إصرار الشعب على التحرر من الاستعمار الجاثم على صدر مصر لمدة 80 عاما والإصلاح الداخلى والتخلص من الفساد الذى ساد أركان الدولة ومعالجة الآثار الناجمة عن حرب فلسطين عام 1948، والمطالبة ببناء جيش وطنى قوى وإقامة عدالة اجتماعية، إلى غير ذلك من الأسباب الموضوعية التى أدت إلى قيام الثورة، وما حظيت به من تأييد شعبى جارف. فالأحداث التاريخية التى سبقت قيامها جاءت على فترات متقطعة عقب الحرب العالمية الأولى بهدف مقاومة الاستعمار، ثم ازدادت وتوطدت أركانها مع اشتعال الحرب العالمية الثانية، وما صاحبها من استغلال بريطانيا للقدرات المصرية لدعم جهودها فى هذه الحرب، كما شكل اشتراك الجيش المصرى فى حرب فلسطين عام 1948 فى ظروف غير مواتية نقطة تحول رئيسية كاشفة للحقائق وبوتقة انصهر بداخلها تنظيم الضباط الاحرار الذين بدأت خليتهم الأولى تتكون فى أثناء حصار الفالوجا. حيث أوضحت لهم حتمية بناء جيش قوى يمكنه مجابهة التهديدات المحتملة والتصدى لكل ما يمس كرامة مصر سواء كان هذا التهديد قادما من قبل قوات الاحتلال أو من الأراضى المحتلة فى فلسطين (من الدولة الإسرائيلية الجديدة). ولما كان الجيش هو القوة التى تمتلك القدرة على التغيير والقيام بالثورة فى هذا الوقت فإن الضباط الأحرار لم يتوانوا عن التضحية فى سبيل تحقيق آمال الأمة، وبالتالى يمكننا القول إنه فى يوليو 1952 قاد الضباط الاحرار ثورة من رحم الجيش المصرى والتف الشعب حولها مؤازراً ومؤيداً بينما فى ثورتى يناير 2011 و30 يونيو 2013 قاد الشعب الثورة الأولى فى يناير وقام الجيش بحمايتها وتأييدها إلى أن سرقتها جماعة الإخوان الإرهابية ليقوم الشعب بكامله مرة اخرى بتصحيحها فى ثوراته المتتالية التى بلغت ذروتها فى 30 يونيو 2013. ولم يتخذ الجيش موقفا سلبيا أو كمتفرج للأحداث ولانتفاضة الشعب لكنه انحاز إليها وأيد مطالب العادلة واحتواء اسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر التى كانت تجابه الوطن، وذلك انطلاقا لما نص عليه دستور الدولة فى أحد بنوده بأن القوات المسلحة تعتبر مسئولة عن تأمين الجبهة الداخلية والمصالح القومية للدولة، بالاضافة إلى تأمين وحماية سيادتها على أراضيها ومياهها وأجوائها، وهكذا... توقفت عجلة التاريخ لتسجل فى أزهى صفحاتها أن مصر المحروسة التى وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها كنانة الله فى ارضه، من أرادها بسوء قصمه الله وان منها خير أجناد الأرض ليهب الله منهم لمصر قائدا ليلم شملها ويحفظ نسيجها من التفكك، كما أنها مصر التى باركها وبارك شعبها سيدنا المسيح عليه السلام، كما انها مصر الكنانة التى أحرزت فوزين عظيمين فى أقل من نصف قرن من خلال عبورين: الأول: ذلك العبور العظيم فى السادس من أكتوبر 1973 الذى حققته القوات المسلحة بمؤازرة الشعب وعبوره الثاني: نحو الإصلاح أنجزه الشعب وحمته القوات المسلحة فى ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 .. وتحيا مصر. لمزيد من مقالات لواء أ ح م مسعد الششتاوي;