تشكل الخطوة الإسرائيلية الأخيرة بإقامة بوابات معدنية وكاميرات مراقبة على أبواب المسجد الأقصى، التى تمت ازالتها أمس، حلقة جديدة فى سلسلة العدوان المتكرر على المسجد وتحمل تداعيات خطيرة على وضع القدس والأماكن المقدسة فيها, فحجة الحكومة الإسرائيلية أن إقامة تلك البوابات كانت لدواع أمنية تهدف لمنع دخول الأسلحة والمتفجرات وبزعم حماية المسجد, تنطوى على مغالطة فادحة, لأنها تحمل أهدافا سياسية. فقد سعت حكومة نيتانياهو إلى اتخاذ حادثة ساحة المسجد الأقصى التى قام بها فلسطينيون من عرب إسرائيل ضد قوات الشرطة الإسرائيلية والتى وقعت صباح الجمعة 14 يوليو ذريعة لتحقيق هدفها الأساسى وهو السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى وبسط سيادتها عليه, خاصة بعد قرار اليونسكو الأخير باعتبار الأماكن المقدسة فى القدس تراثا فلسطينيا وإسلاميا خالصا بما يؤكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى للقدس الشرقية، ولذلك فإن الخطوة الأخيرة جزء من سلسلة متواصلة من المخططات الإسرائيلية لتهويد المدينة عبر إقامة المستوطنات فيها وفى محيطها لطمس الهوية العربية والفلسطينية عنها, ومن خلال الحفريات المستمرة تحت جدران المسجد الأقصى تحت أوهام إقامة جبل هيكل سليمان والعمل على تنفيذ مخطط التقسيم الزمانى للمسجد, كذلك السماح للمستوطنين المتطرفين بانتهاك حرماته واقتحامه أكثر من مرة والاعتداء على المصلين الفلسطينيين والتضييق عليهم فى أداء شعائرهم الدينية بحرية, إضافة إلى إعلان رئيس الوزراء نيتانياهو صراحة أكثر من مرة بأنه لا تنازل عن القدس كعاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل وهو ما أقره الكنيست الإسرائيلى عبر تشريع يلزم أى حكومة بعدم التنازل عن القدس إلا بعد موافقة الثلثين مما يعنى محاولة لإنهاء السيادة الفلسطينية والإشراف الأردنى على المقدسات. ولو أن الهدف أمنى فعلا كما تزعم إسرائيل فإنه يمكن حماية المسجد الأقصى والمصلين من خلال وسائل مختلفة، أبرزها قيام الفلسطينيين أنفسهم بإجراءات عمليات التفتيش لمنع أى عناصر مسلحة من الدخول, كما أن إسرائيل تناست القضية الأساسية وهى استمرار الاحتلال غير الشرعى, حيث إن زوال هذا الاحتلال وعودة القدسالشرقية إلى السيادة الفلسطينية هو الكفيل بإزالة أى مسببات للتوتر أو حدوث عمليات مسلحة، ولذلك أظهر المقدسيون بطولة واضحة عبر صمودهم ومقاومتهم ورفضهم قبول تلك البوابات والمرور منها والإصرار على الصلاة خارج المسجد الأقصى وباحاته حتى تم إزالتها، ولاشك أن مرور تلك الخطوة دون رد فعل فلسطينى وعربى وإسلامى قوى يردع عن إسرائيل عن مساعيها العدوانية ضد الأقصى كان سيؤسس لأوضاع مستقبلية لن تكون فى صالح القضية الفلسطينية وتؤمن لإسرائيل تنفيذ مخططاتها منذ عقود بطمس الهوية الإسلامية والعربية للقدس. لقد استغلت إسرائيل جيدا حالة الانقسام الفلسطينى والانشغال العربى بمشكلاته وهمومه وصراعاته المنتشرة فى الكثيرة من دوله وتراجع الاهتمام الدولى بالقضية الفلسطينية وتركيزه على قضية الإرهاب ومحاربة التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» وجبهة النصرة وغيرهما للقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية وممارسة سياسة التهويد فى كل الأراضى الفلسطينية المحتلة. خطورة الخطوة الإسرائيلية أنها تقضى على أى آمال فى إحياء مفاوضات السلام وفقا لقرارات الشرعية الدولية واستعادة الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية وعودة اللاجئين, ولذلك فإن نتيانياهو يريد استباق أى اتفاقات مستقبلية حول وضع القدس فى ظل احتمالات تحرك إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نحو إحياء عملية السلام وإنجاز ما يعرف بصفقة القرن, ووضع العقبات الحقيقية أمام حدوث أى تقدم فيما يتعلق بتحقيق حل الدولتين، ولاشك أنه لا يمكن المراهنة على أى دور أمريكى فعال فى عملية السلام يمكن أن يفضى لحل تلك القضية المزمنة وإعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين فى ظل وجود الحكومة الإسرائيلية اليمينية الدينية المتشددة ورفضها لتقديم أى تنازلات جوهرية فى عملية السلام, حيث تستغل تلك الجهود لإضاعة الوقت والمراوغة تحت شعار الظهور أمام العالم بأنها راغبة فى السلام لكنها على أرض الواقع تقوم بكل ما يؤدى إلى موت القضية الفلسطينية, فكل المحاولات السابقة لعملية السلام وعلى مدار أكثر من عقدين ونصف العقد تحطمت جميعها تحت التعنت الإسرائيلى وغياب الإرادة الحقيقية للإدارات الأمريكية المتعاقبة فى الضغط على حليفتها إسرائيل لإنجاز تسوية عادلة ودائمة. ما حدث شكل صرخة عالية لكل العرب والمسلمين باعتبار أن المسجد الأقصى ليس ملكا فلسطينيا خالصا وإنما يمثل رمزا دينيا لمليار وستمائة مليون مسلم فى العالم, وهو ما يتطلب تحركا عاجلا على كل المستويات العربية والإسلامية والدولية لكشف العدوان الإسرائيلى على المقدسات واتخاذ موقف حازم باعتبار أن القدس خط أحمر لا يمكن المساومة عليه ويدفع فى اتجاه توحيد الصف الفلسطينى وتنحية أى خلافات جانبية والالتفاف حول هدف واحد يتمثل فى تحرير الأراضى الفلسطينية. لكن رغم كل هذه الممارسات الإسرائيلية فإنها لن تقضى على الحق الفلسطينى المشروع فى القدسالشرقية ومهما استخدمت إسرائيل من أساليب عدوانية أو تحدى المجتمع الدولى أو توظيف حالة الضعف العربى فإن الاحتلال فى نهاية المطاف إلى زوال. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد