فجأة ودون أية مقدمات، انقلبت احتفالات «أحد الشعانين» أو «أحد السعف» - كما يطلق عليه الأخوة الأقباط إلى مأتم، وتعالت الصرخات داخل كنيسة مارجرجس بطنطا بعد انفجار مدوى راح ضحيته العديد من الشهداء والمصابين. كان الهدوء والأجواء الروحية والدينية تسود المكان داخل كنيسة مارجرجس التى شهدت الانفجار، كانت الأسر المسيحية تمارس طقوسها الدينية وصلواتها وقداسها فرحين مسرورين، حتى حدث الانفجار، الذى لم يتوقع أحد من المتواجدين داخل الكنيسة أو خارجها أن يتحول ذلك الاحتفال إلى مأتم وصراخ وعويل وأشلاء تتطاير ودماء تنزف بفعل الانفجار. شهد محيط الكنيسة أمس حالة من الاستنفار الأمني، حيث انتشرت قوات الأمن فى محيط المكان، وهرعت سيارات الحماية المدنية إلى محيط الكنيسة تحسبا لنشوب حرائق، كما اتجهت سيارات الإسعاف صوب مكان الانفجار لنقل المصابين إلى عدة مستشفيات بمدينة طنطا من بينها مستشفى المنشاوى والمواساة والمستشفى الجامعي. وقد تجمع الآلاف من المسلمين والأقباط حول الكنيسة، وتعالت الهتافات «مسلم ومسيحي.. أيد واحدة»، فيما سادت دعوات بين الأقباط المتواجدين فى محيط الكنيسة للتبرع بالدم لإنقاذ المصابين. الحادث الإرهابى الآثم والمحزن، أوجع قلوب مسلمى ومسيحيى طنطا، هكذا قال لنا «جورج» الذى كان يصرخ بشكل هستيرى ويذرف الدموع، ويبكى بحرقة على من اغتالته يد الإرهاب الآثمة، الذى أزهق أرواح عشرات الضحايا، وخلف عشرات المصابين، مؤكدا أن هذا العمل الخسيس والجبان لن يزيد المسلمين والأقباط إلا ترابطا ومودة، وإصرارا على التصدى للإرهاب، حيث أصبح الجميع يدركون المحاولات الخسيسة للنيل من وحدتهما، وتستلزم تلك الحوادث الآثمة ملاحقة مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمة بأقصى سرعة حتى يتم القصاص العادل منهم لردع من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن واستقراره وتهديد وحدته. المصريون أقباطا ومسلمين، نسيج وجسد واحد، تجمعهما المودة ومشاعر الانتماء لهذا الوطن.. هكذا قال لنا «مينا» أحد أقارب ضحايا الحادث الإرهابي، مشيرا إلى أن ذلك العمل الجبان أصاب المسلمين والأقباط بالحزن والأسي، وأن ما حدث من تفجير لن ينال من تماسك المواطنين المصريين أقباطا ومسلمين، فالإرهاب لا يستثنى أحدا، وكما نرى حوادث اغتيال يومية لرجال الجيش والشرطة، الذين يدفعون دماءهم ثمنا للدفاع عن الوطن، ومعهم فى نفس الخندق يقف الأقباط والمسلمون، دفاعا عن مصر واستقرارها وأمنها. ويضيف «مينا»: نحن جميعا ندرك أن مثل هذه الأعمال الخسيسة تهدف لنشر الفوضي، وزعزعة الاستقرار، وتقويض جهود التنمية، لكن هؤلاء الإرهابيين، لن يستطيعوا النيل من وحدة المصريين وتماسكهم وإصرارهم على مواصلة التحدى من أجل بناء الوطن والنهوض به. والحال هذه، فإن الحادث الأليم كما يقول «محمد عبد العزيز» أحد قاطنى مدينة طنطا، والذى كان متواجدا فى محيط كنيسة مارجرجس، محل الانفجار، عكس أسمى معانى الوحدة الوطنية والتلاحم بين أبناء الوطن الواحد، مؤكدا أن آلاف المواطنين مسلمين وأقباطا تدافعوا إلى مقر الكنيسة فور وقوع الانفجار، لمساندة أخوتهم الأقباط ومواساتهم ومحاولة إنقاذ المصابين، ولاشك أن تلك المشاعر الوطنية تكشف صلابة الشعب المصرى وتماسكه ورفضه لأية محاولات للنيل من الوحدة الوطنية، أو علاقة الود التى تجمع المسلمين والأقباط، ومهما حدث لن تتأثر تلك العلاقة بالأعمال الإرهابية الخسيسة. من أحد الأبواب الجانبية لكنيسة مارجرجس، خرجت السيدة «كريستينا» تبكى بحرقة من هول صدمتها بعد وقوع الانفجار حيث أكدت أن هذا العمل الإرهابى الجبان يهدف إلى إفساد فرحة الأقباط بأعيادهم ومناسباتهم الدينية، كما يحاول هؤلاء الإرهابيون الخونة بث بذور الخلاف والفرقة بين الأقباط والمسلمين، لكنهم لن يفلحوا، ولن يحققوا ما أرادوا مهما فعلوا، مؤكدة أن الأقباط مستعدون للشهادة دفاعا عن وطنهم، فدماؤهم ليست أغلى من دماء إخوانهم المسلمين، وشهداء الوطن من رجال الجيش والشرطة، كما أن أهالى الضحايا وغيرهم من الأقباط يتمنون الشهادة لقضاء العيد مع المسيح، كما أن الحادث الإرهابى الجبان الذى وقع بالكنيسة لن يثنى الأقباط عن مواصلة الاحتفال بذكرى دخول المسيح لأورشليم.وتضيف «كريستينا»: ما حدث من تفجير لا ينم إلا عن مشاعر حقد وكراهية، ورغبة فى النيل من الوحدة الوطنية التى تسود هذا الوطن، وتتساءل «ما ذنب هؤلاء الأبرياء حتى تغتالهم يد الإرهاب أثناء الاحتفال بمناسبتهم الدينية؟!»، مطالبة بسرعة ضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يرتكبون مثل هذه الأعمال الإرهابية.من ناحية أخري، توافد رجال النيابة العامة والأدلة الجنائية لمعاينة مقر التفجير، ومناظرة جثث الضحايا فى إيثار الجهود المبذولة للتعرف على ماهية الحادث وأسبابه ومحاسبة مرتكبيه. وأكد شهود العيان ل «الأهرام» أن أهالى المنطقة أفاقوا من نومهم على صوت انفجار مروع داخل الكنيسة، فهرعوا إلى مكان التفجير، فوجدوا أشلاء الضحايا متناثرة، كما عثروا على العديد من الجثث المتفحمة إثر التفجير، مؤكدين أن مشاعر الحزن تسيطر على بيوت أهالى طنطا، وأن الحادث الإرهابى الغاشم لن ينال من المصريين، ولن يؤثر على علاقتهم بإخوانهم الأقباط. ولمن لا يعرف، فإن «أحد الشعانين» أو «أحد السعف» الذى حلت ذكراه أمس، هو ذكرى دخول السيد المسيح لأورشليم، واستقبال أهلها له بسعف النخيل، ويحتفل به الأقباط فى مصر سنويا بالسعف والورود فرحا بتلك المناسبة الدينية، ويعد «أحد الشعانين» هو بداية أسبوع الآلام التى تسبق عيد القيام المجيد، والذى تحولت فيه الآلام من رمز إلى حقيقة مؤلمة بعد ذلك الانفجار الذى حول تلك الاحتفالات إلى مأتم، ليس فى طنطا وحدها فقط، ولكن فى بيوت المصريين جميعا مسلمين وأقباطا.من ناحية أخري، أصيب جراء الحادث الإرهابى الغاشم عشرات الأشخاص من بينهم: أسامة نبيل جرجس، ومينا مجدى فهيم، ومنير رزق، وأيوب جرجس رزق الله، وبيتر ماهر شفيق، وفادى رمسيس جرجس، وكيرولس عوض سليم، وأشرف كامل بطرس، وصبحى عوض الله. وعلى الجانب الآخر، توافد المئات من أهالى طنطا على مسجد أحمد باشا المنشاوى للتبرع بالدم للمصابين الذين يتلقون العلاج حاليا فى مستشفى المنشاوى العام، وتم تحويل 13 حالة لتلقى العلاج اللازم بمعهد ناصر بالقاهرة.