لم يخذل الابداع يوما من أخلص له بل يمنحه دوما التميز والمكانة رغم مرور السنوات، ولذا احتل هنريك إبسن مكانة متميزة استحقها بجدارة فهو أبو المسرح الحديث - كما أطلق عليه- ومن أهم كتاب المسرح عبر التاريخ. انتزع إبسن هذه المكانة بإخلاصه لإبداعه ولابتكاره طريقه الخاص بالمسرح وعدم اكتفاءه بالسير وراء من سبقوه ولسعيه عبر مسرحياته لكشف الزيف والنفاق والعلاقات المريضة فى المجتمعات المختلفة. أكد إبسن أنه يكتب مسرحياته ليطرح أسئلة وليس ليجيب عليها وقال عن نفسه: لقد كنت أكثر كشاعر وأقل كفيلسوف اجتماعى مما يظن الناس، وصف النقاد مسرحيات ابسن بالقنابل الموقوتة، لتبنيها قضايا حيوية وما يتبعها من ردود أفعال قوية ولدعوته للاعتدال ونبذه للتطرف بكل اتجاهاته. ولد هنريك يوهان إبسن فى 20 مارس 1828 ومات فى 23 مايو 1906وترك 26 مسرحية. عمل والده بالتجارة وكان ثريا ثم أفلس وتركت الأسرة بيتها وحياة الرفاهية، وغادر إبسن المدرسة وعمل مساعدا لصيدلى وعمره خمسة عشر ليكسب قوته ًثم عمل مخرجا بالمسرح. تميز إبسن منذ صغره برهافة الحس ورفض الخضوع لما يكرهه واهتم بالأدب وكتب الشعر فى عام 1850كتب أولى مسرحياته (كاتالينا) وكانت مختلفة عما شاع بعصره، حيث كانت المسرحيات السائدة حينئذ تنتمى للميلودراما التى تقوم على التأثير على عواطف المشاهدين بالمبالغات البعيدة تماما عن الواقع، بعكس مسرحيته المعبرة بصدق عن الواقع بتناقضاته، ثم بدأت شهرته مع مسرحيته الثانية (عربة المحارب). وأحس إبسن بالقيود التى تمنعه من الكتابة كما يحب فترك وطنه بارادته وواصل ابداعاته وانتماءه لوطنه رغم الغربة ولم تكن كتاباته محلية بل تعبر عن الإنسان بصفة عامة وعن الفروق بين المثالية الصادقة وإدعاء المثالية وأجاد التعبير عن سعيه لحياة أفضل بمسرحياته التى ترجمت للعديد من اللغات وما زالت بعض بالمسارح تعرض بعضها حتى اليوم . تميز إبسن بالتحليل النفسى العميق لأبطال مسرحياته وبكشف صراعاتهم الداخلية وكشف أسباب تصرفاتهم المتناقضة بين القول والأفعال وزعم الفضيلة ومخاصمتها على أرض الواقع ونادى دوما باختيار الصدق مع النفس ومع الأخرين. تميز إبسن باحترامه المتفرد للإنسان وإيمانه بحرية الفرد وقدرته على النهوض بحياته وبمجتمعه. أعلن إبسن الحروب على الزيف بألوانه وأشكاله المتنوعة وكان أول من اختار الكتابة الواقعية عن المشكلات الاجتماعية وعن الحياة العادية واهتم بكشف الأكاذيب بمسرحياته، وأنشأ مسرحية الفكرة وانتشرت من بعده. ونادى بالحقيقة فى مسرحية (عدو الشعب) فى مواجهة مجتمع قائم على الكذب وتميز باسلوب درامى يبدأ به المسرحية بالحاضر ثم يعود بأبطاله للماضي. ومن أشهر مسرحياته (بيت الدمية) وتحكى عن أسرة تبدو سعيدة والزوجة تعتقد أن حياتها ناجحة أو تتظاهر بذلك ثم تكتشف أنها مجرد دمية وتتمرد على واقعها وتترك زوجها لتحيا كإنسانة كما تريد وليس كدمية كما يتعامل معها زوجها والجميع وتنتصر لأحلامها ولانسانيتها وعاشت لتحقق ذاتها.