يبرز اسم إبسن في التاريخ كواحد من أحد كُتّاب المسرح، فهو أبو المسرح الحديث، وأحد من كشفوا الأقنعة الاجتماعية الزائفة التي يرتديها الناس طوال الوقت؛ صدمت أعماله الجمهور لكنهم في الوقت نفسه كانوا مُتابعين جيدين لها، وهو ما جعل أعماله تستمر في مسارح العالم حتى اليوم. ولد "إبسن" في مدينة شين النرويجية في 20 مارس 1828، وعندما بلغ السادسة عشرة أصبح صيدليًا مساعدًا في مدينة جريمستاد، وفي سن الثانية والعشرين كتب أولى مسرحياته "كاتالينا" وعمل في العام التالي كمساعد في مسرح بيرجين، ثم سافر إلى الدنمارك وألمانيا لدراسة التكنيك المسرحي، وعاد ليكتب مسرحية "السيدة إنجر من ستوارت" التي تجري أحداثها في العصور الوسطى وأعقبها مسرحية تتناول موضوعًا من العصور الوسطى بطريقة رومانسية شاعرية مليئة بالحديث عن أمجاد النرويج السابقة وقد حققت قدرًا من النجاح. عام 1862 أفلس مسرح بيرجين، وأصبح إبسن مديرًا فنيًا للمسرح النرويجي في مدينة أوسلو، وفي نفس العام قدم له المسرح مسرحية شعرية قوبلت بالضجيج والرفض، لكنها في الوقت نفسه نجحت في لفت الأنظار إليه، وفي العام التالي عرض مسرحية تاريخية تمتازبالتحليل النفسي والشاعرية، ليحصل بعدها على منحة مكنته من زيارة إيطاليا وألمانيا؛ وأصدر بعد ذلك "فورة الشباب" وهي مسرحية ساخرة تدور حول الزيف والخداع؛ وأعقبها بالكتابة في مسرحية "ملك الجليل" التي تتناول الصراع بين المسيحية والوثنية في الأيام الأولى للمسيحية في أوربا في عصر الإمبراطور جوليان. كتب إبسن أربع مسرحيات واقعية تصور الحياة العادية في بلدة صغيرة معاصرة، وتكشف الأكاذيب التي تقوم عليها المجتمعات، كان أولها "أعمدة المجتمع" التي بدأت مرحلة تأليفه لما سمي " المسرحية المشكلة"، وأسس بها ما يسمى اليوم ب"المسرحية الاجتماعية"، ثُم مسرحية "بيت الدمية" -والتي أثارت غضب المشاهدين فرموا الممثلين بالطماطم معتبرين المسرحية إهانة تمس بمكانة المرأة، وتهدد الطمأنينة العائلية- و"الأشباح" و"عدو الشعب"؛ وأعقب هؤلاء بمسرحيات " البطة البرية، روزمرشولم، سيدة البحر، هيدا جابلر، المهندس سولنس، أيولف الصغير، جون جابرييل بوركمان، وحينما نستيقظ نحن الموتى". يُعتبر إبسن من أبرز الشخصيات العالمية في الأدب المسرحى الحديث، وله العديد من المقالات الصحفية وأعمال شعرية ونقدية وعدة روايات، ووصف النقّاد كل مسرحية من مسرحياته ابسن، حيث كانت كل منها تفجّر قضية ما وتثير ردود فعل عنيفة، حيث اختار تمزيق الأقنعة الاجتماعية كلها وكشف الزيف الاجتماعي داعيًا إلى الاعتدال والوسطية بعيدا عن التطرف. لقب إبسن بأبو المسرح الحديث، حيث انتهج المنعطف الواقعي في أعماله وتطرق إلى قضايا واقعية وخطيرة يُعاني منها المجتمع الأوربي، كما تناول قضايا إنسانية شغلت الإنسان عبر العصور، مثل ماهية الحقيقة، والفارق بين الحقيقة والواقع، والصراع بين الواقع والمثال، وقضية النفاق الاجتماعي، وغيرها من القضايا التي أثارتها أعماله المسرحية، وقد عرف مسرحه أسلوبًا مميزًا هو المنهج الانقلابي، حيث تبدأ المسرحية بموقف في الحاضر ثم تتوالى أحداث من الماضي في العودة لتنسج النهاية المأساوية لأبطال المسرحية. توفي إبسن عام 1906 عن عمر يُناهز الثامنة والسبعين بعد صراع طويل مع المرض، وبعد أن وضع اسمه في مصاف أشهر المسرحيين في العالم، ليبقى أثره خالدًا بمسرحياته التي لا يزال يُشاهدها جمهوره في العالم كله.