لم يعد هناك شك فى أن النظام العربى الحالى لم يعد قادرا على مواجهة التحديات المتصاعدة التى تضرب الأمة العربية من كل اتجاه ، وهو أمر ليس بجديد بل يعانى منه العرب منذ سنوات طويلة، وقد سبق أن كتبت فى نوفمبر 2011: هل يمكن أن تؤدى الثورات والاحتجاجات التى تشهدها عدة دول عربية الآن إلى ظهور نظام عربى جديد بدلا من النظام الحالى الذى أثبت فشله فى التصدى للتحديات التى واجهت الأمة العربية منذ53 عاما على الأقل. وتحولت الجامعة العربية رمز هذا النظام إلى كيان بيروقراطى متكلس يكافح من أجل مجرد الوجود على قيد الحياة؟ سؤال مهم ينبغى أن نفكر فيه, لأن التغيير الذى خرج من أجله الشعب العربى فى عدة أقطار خلال الفترة الأخيرة, لا يمكن حصره فى استبدال حكام بآخرين, أو مجموعة اصلاحات سياسية داخلية فقط. فطوال السنوات الأخيرة كانت المنطقة العربية ضحية لمشروعين يتصارعان للهيمنة على الوطن العربي, مشروع أمريكى فى مواجهة مشروع ايراني, مع غياب كامل لأى مشروع عربى يجسد آمال وتطلعات الشعب العربى ويستطيع الدفاع عن المصالح العليا للأمة العربية والحفاظ على هويتها والتصدى للتحديات التى تواجهها.وكان من الطبيعى فى ظل هذا الوضع أن تسود سياسة المحاور, وتزداد حدة الانقسامات بين الدول العربية, وترتفع قيمة المصالح القطرية فوق المصالح القومية,وتتداخل العناصر الشخصية مع العوامل الموضوعية فى تحديد طبيعة العلاقات العربية العربية. ورغم أن الأوضاع المعيشية والظروف السياسية الداخلية كانت المحرك الأساسى للثورة فى كل من مصر وتونس, وهى أيضا الدافع للاحتجاجات الحالية فى ليبيا واليمن وسوريا, إلا أن بعض القوى السياسية فى تلك الدول لديها إدراك كبير بأهمية إعادة النظر فى توجهات السياسة الخارجية, وفى مقدمتها ضرورة العمل على تطوير العمل العربى المشترك.لكن عدم استقرار الأوضاع لهذه الثورات, واستمرار الصراع بين المشروعين الامريكى والايراني, يعنى أن محاولة التوصل إلى نظام عربى جديد قد تستغرق وقتا أطول مما نعتقد, وأنه من الضرورى وضعها ضمن أولويات التغيير الذى ننشده. كما عدت للكتابة فى نفس الموضوع فى سبتمبر 2014، وقلت: المتغيرات المتسارعة التى شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة، وحجم التدخلات الخارجية، وما آلت إليه الأوضاع فى بعض الدول التى شهدت ثورات الربيع العربي. وظاهرة انتشار المجموعات الدينية المسلحة وسيطرتها على بعض المناطق العربية، ناهيك عن تفسخ النظام الرسمى العربى وفشله فى مواجهة التحديات التى تجابه الأمة العربية، كل ذلك يؤكد الحاجة إلى نظام عربى جديد يعبر عن الأوضاع الجديدة فى المنطقة ويستطيع الحفاظ على المصالح العليا للأمة العربية، وحمايتها من عوامل الانهيار الداخلية والخارجية. لقد نشأ النظام العربى الحالى عقب الحربين العالمية الأولى والثانية وفى ظل وجود مباشر للاستعمار فى معظم الدول العربية، التى تم تقسيمها وترسيم حدودها طبقا لمعاهدات سايكس بيكو، ورغم اعتبار إعلان قيام جامعة الدول العربية عام 1945 أهم حدث فى التاريخ الحديث على طريق العمل العربى الوحدوي، فإن بعض المفكرين القوميين يرون العكس، فالدول العربية اصبحت ملتزمة بميثاق الجامعة كإطار عام للعلاقات العربية العربية والذى ينص على ضرورة احترام حسن الجوار ورعاية الحدود وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وهذا الشكل يعنى حسب رأى استاذنا الدكتور عصمت سيف الدولة أن وجود الجامعة العربية يعد اعترافا صريحا بمعاهدات سايكس بيكو وكل مشاريع التقسيم التى تعرض لها الوطن العربي، ذلك أن وجود مؤسسة بهذا الشكل هو فى نهاية الأمر عملية تقنين لحالة التفتيت. ورغم بروز قيادات وحدوية بعد ذلك قادت ودعمت حركات التحرر الوطنى فى الوطن العربي، لم يستطع حلم الوحدة العربية أن يفرض نفسه، نتيجة ارتباط بعض الدول العربية بقوى دولية تساعدها فى الحفاظ على مصالحها القطرية، والصراع بين القوى الاجتماعية والسياسية العربية المختلفة، والتدخلات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، والتى ساعدها صورية الاستقلال السياسى لبعض الدول العربية والذى كان فى بعض الأحيان مقابل التنازل عن أى تفكير فى الوحدة، وعلى حد تعبير المفكر القومى معن بشور فإن الاستقلالات القطرية فى العديد من الأقطار لا سيما فى المشرق العربى لم تكن فى حقيقتها أكثر من تسوية نصفية قبل فيها المستعمر بمنح الأقطار العربية استقلالها السياسى مقابل أن تتنازل القيادات الوطنية عن مطلبها بالوحدة مع أقطار أخري، وكانت تجربة سوريا ولبنان فى مطلع الأربعينيات هى التعبير الصريح عن هذه التسوية حيث تنازل الوحدويون فى البلدين عن الوحدة مقابل أن ينال البلدان استقلالهما. وإذا كانت قضية فلسطين القضية المركزية الأولى للعرب قد استطاعت فى بعض مراحل النظام العربى أن تجمع شتات العرب على كلمة واحدة لمواجهة الاحتلال الصهيوني، وبلغ النظام العربى ذروة نجاحه خلال حرب 1973، ولكن الخلاف حول التوظيف السياسى لهذه الحرب نتيجة تضارب المصالح القطرية، وانفراد بعض القيادات العربية بالسير فى طريق التسوية مع اسرائيل بعيدا عن الموقف العربي، أدى إلى أن تكون نفس القضية أحد اسباب تفسخ النظام العربي، الذى لم يستطع بعد ذلك لأسباب متعددة التوصل إلى حل للصراع العربى الإسرائيلى حتى بعد الاتفاق على رؤية موحدة للتسوية مع إسرائيل من خلال مبادرة السلام العربية التى تم إقرارها فى قمة بيروت عام 2002 ولم تر النور حتى الآن. كما جاءت حرب الخليج بكل تداعياتها لتدق مسمارا جديدا فى نعش النظام العربي، بعد أن فتحت الباب بعد ذلك أمام الغزو العسكرى الامريكى للعراق، وتدمير جميع قدرات واحدة من أكبر الدول العربية، وتقسيمها على اساس طائفى وعرقي. ولأن فشل النظام الرسمى العربى لم يكن فقط على المستوى القومي، ولكن حتى على المستوى القطرى حيث كرست معظم الأنظمة لديكتاتوريات وصلت إلى حد توريث الحكم فى نظم جمهورية، كما حدث فى سوريا وكان يتم التمهيد له فى مصر وليبيا واليمن، فى ظل استمرار عوامل التخلف الاجتماعى والاقتصادي، وهو ما أدى فى النهاية إلى انفجار الأوضاع فى بعض الدول فيما عرف بثورات الربيع العربي. لكن النظام العربى الرسمى الذى فشل فى التعامل مع احتياجات وتطلعات الشعوب العربية، هو نفسه الذى استسلم للتدخلات الأجنبية لتغيير الأنظمة كما حدث فى ليبيا والعراق وتورط كطرف فى الصراعات الداخلية كما يحدث الآن فى سوريا. ويواجه هذا النظام الآن عدة اشكاليات يقف عاجزا عن التعامل معها، فلم تعد الوحدة العربية هى الحلم، بل أضحى مجرد الحفاظ على شكل الدول العربية طبقا لتقسيم سايكس بيكو وعدم تقسيمها مرة أخرى هو الهدف الآن، وهى كارثة توضح مدى الانهيار الذى وصل إليه النظام العربي. لقد اثبتت التجارب المختلفة على طول تاريخنا أن التأسيس الصحيح للنظام العربى يبدأ من قيام أنظمة معبرة عن شعوبها فى كل دولة عربية، ولن يتحقق ذلك إلا بمرحلة طويلة من النضال من أجل قيام نظم عربية ديمقراطية، تملك استقلالا حقيقيا بعيدا عن التدخلات الخارجية التى تطاردنا الآن من المحيط إلى الخليج. # # هذه الكتابات التى نشرت منذ سنوات مازالت تعبر عن أزمة النظام العربى الآن، والتى تزداد تأزما كل يوم، فهل تستطيع القمة العربية بالأردن غدا القيام بالخطوة الأولى فى بناء نظام عربى جديد ؟ ة للأسف أشك. كلمات: كلنا قادرون على الحب .. وقليل منا قادرون على الرحمة د. مصطفى محمود لمزيد من مقالات فتحى محمود;