بالصدفة كنت أراجع بعض الأعمدة التى كتبتها عام 2011 قبل وبعد ثورة 25 يناير، ليصدق يقينى بأننا أمة مازالت تتمسك بنظام "محلك سر" منذ أكثر من خمس سنوات وحتى الآن، وهو مايعنى فى الحقيقية أننا نتراجع إلى الخلف. # ففى 11 يناير أى قبل الثورة بأسبوعين كتبت: لسنوات طويلة كنا نلعن اتفاقية سايكس بيكو ونحملها مسئولية كل المصائب التى تستهدف المنطقة, باعتبارها السبب الأساسى فى تقسيم الوطن العربى بين نفوذ الدولتين الأعظم حينذاك, وبداية ترسيم حدوده المصطنعة. وأعتقد أن أيا من سير مارك سايكس ممثل بريطانيا أو مسيو جورج بيكو ممثل فرنسا لم يحلما وقتئذ بأنه سيجيء يوم يضطر فيه الوطن العربى إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت. لكن اليوم جاء, وأصبحنا نتيجة ماصنعت أيدينا نتحدث عن انفصال جنوب السودان, ليلحق بجمهورية أرض الصومال, وفى الطريق كردستان العراق وأمازيغ المغرب, وهناك من يحلم بتقسيم لبنان واليمن وغيرهما. كنا نهتف بالحناجر والقلوب للزعيم القومى جمال عبد الناصر وهو يرفع راية الوحدة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر, وأصبحنا بحاجة إلي22 عبدالناصر, ليتولى كل منهم مهمة الحفاظ على وحدة كل دولة عربية والحيلولة دون تفتيتها. لم نعد نلعن الاستعمار الذى يعتقد البعض أنه السبب فيما وصلنا إليه, لأن الاستعمار لم يفرض علينا أنظمة دكتاتورية شعارها إلى الأبد.. إلى الأبد, ولم يجبرنا على انتهاج سياسة المحاور فى علاقاتنا العربية العربية, ولم يمنعنا من بناء نظام عربى قوى يضمن على الأقل وحدة أراضيه, بل نحن من فعلنا ذلك بأنفسنا. نحن بحاجة إلى إعادة قراءة واقعنا, والاعتراف بأخطاء النخب السياسية والاقتصادية والفكرية العربية تجاه الجماهير طوال العقود الأخيرة, وأن يصبح مشروع إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية صحيحة هو هدف كل قطر عربى بعيدا عن شعار إلى الأبد.. إلى الأبد. # وفى 12 أبريل من نفس العام أى بعد الثورة مباشرة كتبت: هل يمكن أن تؤدى الثورات والاحتجاجات التى تشهدها عدة دول عربية الآن إلى ظهور نظام عربى جديد بدلا من النظام الحالى الذى أثبت فشله فى التصدى للتحديات التى واجهت الأمة العربية منذ53 عاما على الأقل. وتحولت الجامعة العربية رمز هذا النظام إلى كيان بيروقراطى متكلس يكافح من أجل مجرد الوجود على قيد الحياة؟ سؤال مهم ينبغى أن نفكر فيه, لأن التغيير الذى خرج من أجله الشعب العربى فى عدة أقطار خلال الفترة الأخيرة, لا يمكن حصره فى استبدال حكام بآخرين, أو مجموعة اصلاحات سياسية داخلية فقط. فطوال السنوات الأخيرة كانت المنطقة العربية ضحية لمشروعين يتصارعان للهيمنة على الوطن العربي, مشروع أمريكى فى مواجهة مشروع ايراني, مع غياب كامل لأى مشروع عربى يجسد آمال وتطلعات الشعب العربى ويستطيع الدفاع عن المصالح العليا للأمة العربية والحفاظ على هويتها والتصدى للتحديات التى تواجهها. وكان من الطبيعى فى ظل هذا الوضع أن تسود سياسة المحاور, وتزداد حدة الانقسامات بين الدول العربية, وترتفع قيمة المصالح القطرية فوق المصالح القومية,وتتداخل العناصر الشخصية مع العوامل الموضوعية فى تحديد طبيعة العلاقات العربية العربية. ورغم أن الأوضاع المعيشية والظروف السياسية الداخلية كانت المحرك الأساسى للثورة فى كل من مصر وتونس, وهى أيضا الدافع للاحتجاجات الحالية فى ليبيا واليمن وسوريا, إلا أن بعض القوى السياسية فى تلك الدول لديها إدراك كبير بأهمية إعادة النظر فى توجهات السياسة الخارجية, وفى مقدمتها ضرورة العمل على تطوير العمل العربى المشترك. لكن عدم استقرار الأوضاع لهذه الثورات, واستمرار الصراع بين المشروعين الامريكى والايراني, يعنى أن محاولة التوصل إلى نظام عربى جديد قد تستغرق وقتا أطول مما نعتقد, وأنه من الضرورى وضعها ضمن أولويات التغيير الذى ننشده. # ومضت خمس سنوات جرت فيها مياه كثيرة، وتفجرت فى مصر بدلا من الثورة اثنتان، وفى الدول العربية ثورات وحروب وقتال وإرهاب، ولم يتغير أى شىء على وجه الإطلاق، بل على العكس عملية تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتفتيت المفتت قائمة فى انحاء الوطن العربى على قدم وساق. لم نعترف حتى الآن بأخطاء النخب السياسية والاقتصادية والفكرية العربية تجاه الجماهير طوال العقود الأخيرة, ولم يصبح مشروع إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية صحيحة هو هدف كل قطر عربى بعيدا عن شعار إلى الأبد.. إلى الأبد. ومازالت قيمة المصالح القطرية ترتفع فوق المصالح القومية,وتتداخل العناصر الشخصية مع العوامل الموضوعية فى تحديد طبيعة العلاقات العربية العربية. ومازلنا غارقين فى الصراع بين المشروعين الأمريكى والإيراني، فى ظل غياب مشروع قومى عربى حقيقي. حتى الآن .. محلك سر .. محلك سر .. محلك سر # # كلمات: لقد حان وقت إعادة الاعتبار لمؤسسات فى الدولة وللمناصب فيها ولقيمة المسئولية والمحاسبة. محمد عبد الهادى علام لمزيد من مقالات فتحي محمود