فى وقت ما بين نوفمبر 1915م إلى مايو 1916م، جلس رجلان فى سرية تامة يرسمان سويا خريطة منطقتنا العربية، وعلى أساس ما تم رسمه بينهما من اتفاق، تشكَّل تاريخ جديد للمنطقة، وأحيكت مؤامرات كبرى غيَّرت خرائط دول، وفرضت واقعًا جديدًا على الأرض، لا تزال آثاره باقية حتى الآن، وتطل تلك الآثار كذلك على المستقبل، رغم انكشاف كل ما جرى! أما الرجلان فهما البريطانى مارك سايكس، والفرنسى فرانسوا جورج بيكو. وأما الاتفاق الذى عُرف لاحقًا باتفاق «سايكس - بيكو» نسبة إلى الرجلين، فقد جرى على أساسه، أولى الخطوات العملية «لتقسيم» الدول العربية كغنائم للدول المنتصرة فرنسا وبريطانيا! الذى لم يقرأ تاريخ هذه الفترة العصيبة من عمر الوطن العربى، قد لا يشعر بخطورة ما نعيشه هذه الأيام، فنحن بكل وضوح لأى صاحب نظر، نعيش المرحلة الثانية من «تقسيمات سايكس - بيكو»، فالمراد الآن هو تقسيم المقسم وتفتيت المفتت من الدول العربية، وأن يكون ذلك التفتيت قائمًا على أساس طائفى دينى أو عرقى، اعتمدت الخطط وبدأ التنفيذ، فالصراع الطائفى يجرى تأجيجه فى المنطقة، سنة فى مواجهة شيعة، أو مسلمون فى مواجهة مسيحيين، أو حتى دخول الأكراد على خط الصراع كما يجرى فى العراق بشكل واضح، وفى كوبانى على الحدود السورية التركية كذلك. والتقسيم والتفتيت على الأساس الطائفى يحمى مصالح الدول الكبرى الاستعمارية لأكثر من سبب، منها القاعدة الذهبية لأى محتل «فرِّق تَسُدْ»، ومنها أنه إذا تحول الصراع فى المنطقة من عربى إسرائيلى إلى سنى شيعى فهذا أفضل ما تريده إسرائيل وحلفاؤها، وحينها سينشغل العرب بتحركات «داعش» فى العراق والشام التى تمثل أقصى التطرف السنى، وهى تواجه الميليشيات الشيعية، أو تواجه قوات البشمركة الكردية، وكذلك ما يجرى فى سوريا، لا أحد يسأل من أين كل هذا السلاح والأموال التى تهبط على «داعش» والتنظيمات الإرهابية فى المنطقة؟! من أين كل هذا التقدم التكنولوجى والمعلوماتى الذى يستخدمه فى عملياته؟! ببساطة شديدة مَن له مصلحة فى أن يكون «داعش» وحلفاؤه من التنظيمات الإرهابية غولا كبيرًا هو من له مصلحة فى التقسيم والتفتيت الجديد، حسب «سايكس بيكو» الجديدة التى تقسم المقسم وتفتت المفتت كما ذكرت! من حسن الحظ أن الرئيس السيسى وضع كل ذلك فى اعتباره، فقد قال بوضوح فى حواره لجريدة «عكاظ» السعودية إن ما يجرى فى المنطقة هو «سايكس بيكو جديدة»، وبالتالى يجب أن يعلم الجميع أن ما يجرى فى سيناء من إرهاب أسود، هو نتيجة مباشرة لوقوف الجيش المصرى وحده ضد مؤامرات دولية كبرى لإعادة تقسيم المنطقة، كما جرى فى «سايكس بيكو الأولى 1916م!» رجال الجيش المصرى، يدخلون سيناء بكثافة فى عمليات قتالية شرسة، متحدِّين الدعم «الخارجى» للإرهاب حسب التعبير الصحيح للرئيس السيسى، ومتحدين -وهنا الأخطر- قيود اتفاقية «كامب ديفيد» المشؤومة التى تحدد وتمنع قواتنا المسلحة من الحركة بحرية داخل سيناء، وثقتى بالله وبالجيش المصرى الذى فيه رجال، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، أننا سنهزم كل هذه الشرور، وتبقى مصر حامية للمنطقة كلها كما جرى تاريخيا مع الصليبين والمغول!