يسبب نزوح مئات الآلاف من طالبى اللجوء السياسى والمهاجرين "الإقتصاديين" إلى الإتحاد الأوروبى صداعا فى رؤوس قادة دوله، الذين يسعون لوقف تدفقهم بشتى الطرق. وتلك القضية كانت على رأس أولويات الزيارة التى قامت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمصر خلال اليومين الماضيين، والتى ناقشتها كذلك خلال زيارتها اللاحقة لتونس التى توجهت إليها عقب إنتهاء زيارتها للقاهرة. إن إهتمام ألمانيا والإتحاد الأوروبى عموما بمصر فيما يتعلق بقضية المهاجرين ينبع من كونها أصبحت فى السنوات الأخيرة دولة "عبور" للمهاجرين من شرق أفريقيا ودول شرق أوسطية و"منشأ" لهجرة العديد من المصريين. فوفقا لتقديرات الإتحاد الأوروبى، كان عدد المهاجرين المصريين غير الشرعيين إلى إيطاليا عبر البحر المتوسط 344 شخصا عام 2015. ثم قفز هذا الرقم إلى 2634 فى 2016. وبذلك أصبح المصريون ضمن الجنسيات العشر الأوائل الذين يعبرون إلى أوروبا عبر هذا الطريق. كما يشكل الأطفال القصر نحو 60% من هذا العدد. وبذلك تأتى مصر، وفقا لإحصائيات الإتحاد الأوروبى، فى المركز الثانى بعد أريتريا بشأن عدد المهاجرين القصر الذين يصلون إلى إيطاليا. ويرى الإتحاد الأوروبى إن عدد المهاجرين المصريين مرشح للزيادة بسبب الأوضاع الإقتصادية. إن إزدياد إهتمام الإتحاد الأوروبى بدول شمال أفريقيا، مثل ليبيا ومصر وتونس، كمعبر للهجرة عن طريق وسط البحر المتوسط يرجع إلى إنحسار الهجرة عن طريق شرق المتوسط، أى تركيا وبحر إيجة -وهو كان طريق العبور الأساسى خلال أزمة اللاجئين السوريين فى 2015. ويرجع الفضل فى هذا التراجع إلى الإتفاق الذى أبرمه الإتحاد مع أنقرة فى أبريل 2016 للحد من تدفق اللاجئين. ومن ثم إتجه الإتحاد الأوروبى للتركيز على الضفة الجنوبية من البحر المتوسط،، خاصة ليبيا، التى أصبحت حاليا البوابة الرئيسية للهجرة إلى أوروبا. ولوضع الأمور فى نصابها والتعرف على الحجم الحقيقى لنصيب مصر من قضية المهاجرين إلى الإتحاد الأوروبى، ينبغى أن نذكر أن قرابة 181 آلف مهاجر عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا خلال عام 2016، وإن أكثر من 80% منهم إنطلقوا من ليبيا، وإنطلق البعض الأخر من تونس. والواقع ان قضية النازحين لأوروبا أكثر إتساعا من النزاع فى سوريا وتخص كذلك عشرات آلاف النازحين من العراق وأفغانستان وباكستان وكوسوفو وألبانيا. كما أنها تتعلق أيضا بعشرات الألاف من المهاجرين وطالبى اللجوء السياسى من الدول الأفريقية، بعضها من شرق أفريقيا -وهى ما تخص مصر تحديدا- وأهمها السودان وأريتريا والصومال. وبعضها من غرب أفريقيا، وعلى رأسها نيجيريا ودول منطقة الساحل مثل النيجر والسنغال ومالى. وقد إستطاعت الدبلوماسية الأوروبية التوصل لإتفاق مع ليبيا فى 2 فبراير 2017 للحد من المهاجرين عبر البحر المتوسط. وينص الإتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني ونظيره الليبي فائز السراج على تمويل الإتحاد الأوروبى لإنشاء مخيمات إيواء للمهاجرين في ليبيا تديرها حكومة الوفاق الوطنى، على أن تستقبل تلك المخيمات المهاجرين القادمين من ليبيا الذين يتم طردهم من أوروبا أو إعتراض السفن التى تقلهم فى البحر المتوسط. وينص الإتفاق كذلك على أن يبقى المهاجرون فى المخيمات- بعضها قائم بالفعل- "لحين ترحيلهم أو موافقتهم طواعية على العودة إلى بلادهم". وستوفر إيطاليا، وهى نقطة الوصول الأولى للنازحين، التدريب للعاملين بالمخيمات إلى جانب الإمدادات الطبية والأدوية للمهاجرين. ويسعى الإتحاد الأوروبى لتكرار هذا الإتفاق مع دول جنوب المتوسط الأخرى، وهى أساسا مصر وتونس. فقد ذكر مسئولان أوروبيان مؤخرا إن الإتحاد يعرض على الدولتين تبسيط إجراءات الحصول على تأشيرة "شنجن" للسفر إلى دول الإتحاد وزيادة المساعدات الإقتصادية فى مقابل التعاون بدرجة أكبر فى الحد من النازحين نحو أوروبا. وتسعى أوروبا، وألمانيا بصفة خاصة، لإقامة معسكرات فى دول شمال إفريقيا لإستقبال النازحين الذين يتم طردهم من أوروبا أو إعتراضهم فى البحر، على غرار الإتفاق مع ليبيا، وهو ما رفضته مصر فى 2 فبراير على لسان السفير هشام بدر مساعد وزير الخارجية للشئون متعددة الأطراف والأمن الدولى. وحسنا فعلت، إذ أن الموافقة على هذا الإقتراح تعنى عمليا ترحيل المشكلة إلى دول شمال إفريقيا، دون إيجاد حل لها. وقد أكدت القاهرة إن الحل هو زيادة الإستثمارات والمساعدات الأوروبية لدول جنوب المتوسط وإفريقيا لخلق فرص عمل للشباب فى بلادهم، بما يثنيهم عن السعى للسفر إلى أوروبا. إن إهتمام ألمانيا الكبير بضرورة الحد من النازحين لأوروبا يرتبط بكونها الدولة التى إستقبلت العدد الأكبر منهم والذى يربو على مليون نسمة منذ تفجر أزمة اللاجئين السوريين فى 2015. كما إن ميركل تقع تحت ضغوط شديدة من الرأى العام فى بلادها، الذى يزداد عدائه للمهاجرين، وتتعرض لهجوم متواصل من المعارضة اليمينية لموافقتها على إستقبال تلك الأعداد الضخمة من النازحين، مع ما يطرحه ذلك من مشاكل أمنية وأخرى خاصة بالهوية الوطنية ترتبط بإستيعاب وإندماج هؤلاء المهاجرين فى المجتمع الألمانى. ويأتى تراكم تلك المشاكل فى الوقت الذى تقترب فيه الإنتخابات العامة المقررة فى سبتمبر المقبل، والتى تسعى ميركل للفوز بها من جديد. ولكن تراجع شعبيتها بسبب قضية اللاجئين يؤثر سلبا على فرصها فى البقاء فى السلطة. ولذلك فهى تسعى جاهدة لتحقيق بعض النجاحات فى الحد من الهجرة لزيادة فرص فوزها بالإنتخابات. ومما يؤكد ذلك أن المستشارة الألمانية كانت تخطط لزيارة الجزائر، بالإضافة لمصر وتونس، ولكن ظروف مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حالت دون ذلك. كما إنها زارت فى بداية نوفمبر الماضى كل من النيجر ومالى وإثيوبيا، وهى من أهم دول "المنشأ" و"المعبر" للهجرة غير الشرعية من أفريقيا، حيث عرضت تمويل برامج تنموية بغرض حث المهاجرين المحتملين على البقاء فى بلادهم بالإضافة لدعم قدرات الحكومات فى تلك الدول على مراقبة الحدود وتفكيك شبكات تهريب المهاجرين. ويمكن تفسير توقيت زيارة ميركل للقاهرة وتونس بإقتراب فصل الربيع، وهو الموسم الذى تزداد فيه أعداد المهاجرين غير الشرعيين العابرين للبحر المتوسط بفضل تحسن ظروف المناخ بعد إنقضاء فصل الشتاء. لمزيد من مقالات د. هشام مراد;