حسمت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الجدل الدائر هنا في المانيا حول زيارتها للقاهرة وأعلنت في خطوة غير معتادة وفي حديث مباشر للمواطنين عبر كلمتها الإسبوعية المصورة عن الملفات الخمسة المهمة التي تدفعها لزيارة القاهرة ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات البرلمانية في المانيا ورغم الانتقادات التي لا تزال بعض وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة ومنظمات حقوقية المانية توجهها لوضع الحريات في مصر. ويتضح من رد المستشارة ان اهداف الزيارة من وجهة النظر الألمانية تخدم ايضا اهدافا داخلية لها علاقة بزيادة شعبية ميركل قبل الانتخابات القادمة في سبتمبر المقبل! الملف الأول من وجهة نظر المستشارة هو ملف المنظمات السياسية الالمانية المحظور نشاطها في مصر وفي مقدمتها مؤسسة كونراد اديناور التابعة لحزب ميركل المسيحي الديمقراطي والتي صدر بحق مديرها الألماني حكم قضائي في مصر بالسجن عام 2013 ما تسبب في تعكير صفو العلاقات بين البلدين لفترة طويلة. هذه المؤسسات كما صرحت ميركل قبل ايام بمثابة جسر مهم بين البلدين كما أنها عنصر رئيسي في سياسة المانيا الثقافية الخارجية بما تقوم به من انشطة وندوات لنشر الوعي الديمقراطي. وعلى مدى الاشهر الماضية تم تحقيق تقدم كبير في المباحثات المستمرة بين المسئولين المصريين والالمان حول هذا الملف بهدف استئناف نشاط هذه المؤسسات من جديد. ووجهت ميركل رسالة مباشرة للقيادة في مصر قبل الزيارة بأنها تتوقع الإعلان عن ذلك خلال زيارتها وقالت بالحرف « آمل ان يثبت ذلك خلال زيارتي». وهو ما يتوقعه المسئولون هنا ايضا وفي مقدمتهم فولكر كاودرزعيم الأغلبية في البرلمان الألماني، اي استئناف نشاط المؤسسات في إطار قانوني مصري مؤكدا ان ذلك شرط الماني رئيسي لتطبيع العلاقات نهائيا مع مصر على اعلى المستويات بزيارة ميركل للقاهرة. وبتحقيق ذلك الهدف ستقوم ميركل بتسويقه داخليا في المانيا كنجاح لها في قدرتها على إقناع القيادة المصرية بالتعاون مع برلين ليس فقط امنيا وسياسيا لتحقيق مصالح مشتركة وانما ايضا في التقدم في مسار إصلاحات داخلية مثل نشاط منظمات المجتمع المدني، وهو بالمناسبة نفس ما أعلنته وزارة الخارجية الألمانية قبل ايام بشكل صريح تعقيبا على الزيارة. الملف الثاني هو وضع الأقباط في مصر. وهو ملف سلمته ميركل لأحد اهم السياسيين البارزين في حزبها المسيحي الديمقراطي والمقربين منها وهو فولكر كاودر زعيم الأغلبية في البوندستاج، حيث طمأن كاودر عبر زياراته المتكررة لمصر ولقاءته بالرئيس السيسي وبابا الأقباط ميركل والرأي العام الألماني بأن هناك تحسنا كبيرا في اوضاع الأقباط. وعبرت المستشارة عن ذلك قبل ايام بتصريحها غير المسبوق بأن وضع الأقباط جيد جدا وممارستهم لعقيدتهم بحرية هو نموذجي في مصر كبلد مسلم. رسالة ميركل موجهة هنا ايضا لمنتقدي أوضاع الحريات في مصر في الداخل الألماني الذين يعترضون على توثيق التعاون مع القاهرة بحجة حقوق الإنسان، حيث تلفت نظرهم الى تحسن اوضاع ملايين المصريين من الأقباط في ظل النظام الحالي. نفس الشيء اكده زينجهامر نائب رئيس البرلمان الالماني العائد من القاهرة للتو منذ ايام حيث صرح للإعلام الألماني بأنه رغم ما يقوله البعض عن عدم حماية الأقباط بشكل كاف والاعتدءات التي يتعرضون بها فإن انطباعي ان اوضاعهم تحسنت وأن الحكومة تؤكد بما لايدع مجالا للشك احترامها لحقوق المصريين الأقباط، كما يشاركهم الرئيس احتفالاتهم، وهذا ايضا تطور جديد الملف الثالث هو ضرورة دعم مصراقتصاديا وامنيا. وميركل تقول بوضوح ما يؤكده كل السياسيين الألمان أن مصر عامل مهم لاستقرار المنطقة لتحقيق الاستقرار في الجوار المصري الذي هو ذاته الجوار الأوروبي للتوصل مثلا لحل الدولتين في الملف الفلسطيني الإسرائيلى والتوصل لحل سياسي في ليبيا وغيرها من الأزمات، لابد من دعم الاقتصاد المصري. المستشارة تدرك المخاوف في الشارع الالماني من تزايد اعداد اللاجئين والمهاجرين لذلك تربط استقرار مصر الاقتصادي بمشكلة الهجرة وتقول ان الدعم الالماني لمصر مهم حتى لا يضطر آلاف الشباب المصري في التفكير في مغادرة بلادهم لذلك لابد من تحسين الاوضاع المعيشية للمصريين خاصة في ظل تحد النمو السكاني المضطرد، وتؤكد أن زيارتها مهمة مع رجال الأعمال الألمان لدعم مصر في جهودها للإصلاح الاقتصادي والمالي وزيادة الإستثمارات. هناك ايضا خطط عديدة للحكومة الألمانية يتبناها وزير التنمية الألماني جيرد موللر مثل خطة مارشال لتنمية أفريقيا وخاصة دول شمال أفريقيا بالتوازي مع تطوير المفوضية الاوروبية لخطة جديدة مماثلة. وبعد عودته من القاهرة صرح زينجهامر نائب رئيس البرلمان الألماني الذي ينتمي لتحالف ميركل المسيحي الديموقراطي أن مصر لا تحتاج فقط مراكز لتأهيل وتدريب الشباب ولكن لاستثمارات من الشركات المتوسطة في المانيا التي هي محرك الإقتصاد الالماني لخلق فرص عمل لهؤلاء الشباب بعد تأهيلهم. الملف الرابع في جعبة ميركل هو الملف الليبي والتعاون مع القاهرة بالإضافة إلى تونس والجزائر من أجل إيجاد حل سياسي هناك بعد أن بدأت برلين تدرك اهمية الدور المصري وعدم واقعية البحث عن حل سياسي في ليبيا دون مشاركة اللواء خليفة حفتر في المباحثات بعد ان كانت برلين تدعم حكومة الوفاق برئاسة السراج.هنا تخاطب ميركل الألمان ايضا موضحة انه بدون إعادة الاستقرار السياسي لليبيا لن يكون هناك تعاون في مواجهة الهجرة غير الشرعية التي تصل إيطاليا واوروبا الأن بشكل رئيسي عبر السواحل الليبية. اما الملف الخامس والأهم بالنسبة للرأي العام الألماني فهو تكثيف التعاون مع مصر فى محاربة الهجرة غير الشرعية والتصدي لأنشطة المهربين. والمستشارة تدرك ان اسهمها واسهم حزبها ارتفعت داخليا بعد سن قوانين مشددة في التعامل مع اللاجئين وسعيها لإبرام اتفاقات مع دول شمال افريقيا لإعادة ترحيل اللاجئين المرفوضين اليها. وبعد ان روجت المستشارة لفكرة إبرام اتفاق مع دول شمال أفريقيا على غرار الاتفاق مع تركيا ووجهت باعتراضات داخلية كثيرة صرحت الآن قبل زيارتها لمصر بأن المهاجرين واللاجئين القادمين من السواحل المصرية عددهم اقل بكثير خلال الأشهر الماضية لذلك فمصر دولة ترانزيت وليست مصدرا رئيسيا للمهاجرين واللاجئين لذا سيتركز التعاون معها على دعم حرس السواحل ومحاربة المهربين فضلا عن استعادة مصر لعدد قليل من مواطنيها المرفوضة طلبات لجوئهم في المانيا. ميركل تتحدث فيما يتعلق بمصر عن شراكة للتعاون في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية لأوروبا وتقديم دعم وحوافز لمصر في هذا المجال واستبعدت مقترح أنشاء مركز لإستقبال اللاجئين يتم تجميعهم فيه وهو المقترح الذي لاقي انتقادات كبيرة في المانيا. خلاصة القول ان زيارة المستشارة الألمانية لمصر تحقق لألمانيا فوائد كثيرة داخليا ولا تقل في اهميتها للمستشارة الألمانية داخليا عن اهميتها للجانب المصري الذي يسعى ايضا لتعظيم الفائدة الإقتصادية والدعم الألماني الأمني والسياسي. اما الانتقادات داخل المانيا لزيارة ميركل فترد عليها المستشارة بان الحوار مع الشركاء في القاهرة ممتاز حتى حول المسائل الخلافية ولكن لا يمكن ان تكون هي العامل الحاسم في العلاقة مع القاهرة لأن مصر تلعب دورا محوريا في محاربة التطرف والإرهاب واستقرارها مهم لاستقرار اوروبا والعلاقات بين البلدين كما يصفها فولكر كاودر قبل الزيارة في احسن حالاتها والمانيا تدعم جهود مصر الإصلاحية سياسيا واقتصاديا.