يتصادف نشر هذا المقال مع أول يوم عمل رسمى كامل للرئيس الأمريكى الجديد. فعلا ماذا ننتظر منه ؟ أحاول الاجابة فى خمس نقاط تقوم بتفكيك شخصية ترامب وخلفيته فى السياق الأمريكى الحالى، لأنه ليس أمريكا فقط ولكن العالم وفى قلبها مصر ومنطقة الشرق الأوسط تواجه هزة كبيرة مع وصول ترامب الى البيت الأبيض الرئيس ال 45 للولايات المتحدة. بسبب أهمية هذا الحدث أمضيت الأسابيع الأربعة الماضية فى بحث ميدانى مكثف فى الشمال الأمريكى. فور عودتى الى القاهرة سألت السائق الذى يقلنى من المطار عن «ترامب رئيسا»، لم يستوعب السؤال فى البداية ومع التكرار وبعد تردد أفهمنى بأدب أن اهتماماته هى الأسعار ومصاريف الدراسة للأولاد. لم أحاول إقناعه أن مايحدث فى أمريكا يرتبط بالأسعار ومسيرة الاقتصاد المصرى عامة، ولكن قلقى الآن هو ألا يتعدى تفكير بعض أعضاء النخبة الحاكمة استيعاب ترامب على أنه ضد الارهاب وأفضل من فريق أوباما كلينتون الذين «وجعوا دماغنا» بحقوق الانسان !فعلا حقوق الانسان بمعناها السياسى وحتى الاجتماعى ليست على أجندة ترامب، الا بالمعنى السلبى. فهو دائم الاعتراض على سياسات أوباما فى هذا الصدد وأقسم خلال حملته الانتخابية أن هدفه الأساسى هو الغاء برنامج التأمين الصحى للغلابة الأمريكيين. ولكن اشكالية ترامب تذهب أبعد من ذلك بكثير، ويجب أن نعرف الخلفية والبنية التحتية لهذه الاشكالية حتى نخطط بدقة ونتجنب المفاجآت الضارة وخيبة الأمل بسبب تحليل سطحى ومخل وسط تخبط وزوابع ادارة هوجاء فى شهورها الأولى. 1 للتذكرة ليست مصر فقط ولكن للعالم بأسره مضطر للتعامل مع من يكون فى البيت الأبيض، لأن أمريكا ليست اليمن أو تشاد، بل هى القوة العظمى فى هذا العالم. مثلا ميزانية الدفاع الأمريكية تساوى ميزانية الدفاع للدول التسع التى تليها مجتمعة، بما فى ذلك روسيا والصين. ثم هناك أثر الهيمنة الأمريكية فى نشر أفكارها وفرض سياساتها. 2 بالرغم من أن أمريكا دولة مؤسسات، واهتم الآباء المؤسسون فى القرن الثامن عشر أن ترتكز الديمقراطية الأمريكية على قوة الكونجرس فإن الرئيس له مساحة سياسية، خاصة أن ترامب يستطيع أن يعتمد خلال العامين المقبلين على الأغلبية الجمهورية فى كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وهو حدث فعلا غير عادى حيث يهدف الناخب الأمريكى عادة ألا تكون أغلبية البرلمان من نفس حزب الرئيس. ولكن رغم خلافه مع حزبه الجمهورى، يكون ترامب محظوظا حاليا لأن أعضاء الحزب الديمقراطى المعارض أقلية فى الكونجرس بمجلسيه، هو اذن فى موقف تنفيذى وتشريعى قوى. 3 بسبب هذه الهيمنة المؤسسية الاستثنائية للرئيس، فان التعرف على اسلوب تفكيره وشخصيته مهم للغاية، مقارنة بالرئيس السابق أوباما، يمثل ترامب العكس على طول الخط، ليس فقط بسبب كينونته كمليادير ولكن أيضا بسبب أصوله وتنشئته، فهو سليل أسرة سمسار عقارات قبل كل شىء : مباشر وحتى فظ، تجسيد للنمط المعروف بالأمريكى القبيح وتوحش المال .كل شىء له ثمن مادى وفورى هكذا يجب تخفيض مدفوعات أمريكا فى الأممالمتحدة، وكذلك اعادة التفكير فى مسيرة حلف الناتو الذى «انتهت صلاحيته» واذا كان الحلفاء من أوروبا الى الخليج يودون مظلة الحماية الأمريكية، فيجب عليهم دفع الثمن الفورى. ليس هناك تقسيط ماذا ياترى ستطلب ادارة ترامب من مصر اذا استمرت كما هى مساعدات عسكرية ب 1٫3 بليون دولار، خلاف أن تكون كل البضائع من الداخل الأمريكى، أى أن تكون ماتسمى المساعدات هى تسويق الانتاج الأمريكى ؟ 4 بعيدا عن النواحى الشخصية البحتة فيما يتعلق بزوجته الثالثة ونمط أسرته، فان سمات شخصية ترامب تثير الشكوك والمخاوف، فهو انفعالى، سريع الرد دون تفكير، ولذلك من الصعب التكهن بسلوكه. وهو حاد اللهجة ويقوم بالتصعيد فورا. ويتذكر الكثيرون «ماتش الردح» فى أول مؤتمر صحفى له مع مراسل أل CNN، والتى ظهر فيها كمصارع. حتى خطاب تنصيبه نارى وافتقد الى اللياقة. 5 اذا لم يتغير هذا السلوك القتالى التصعيدى، ستتصاعد انقسامات الداخل الأمريكى وقد تتحول الى حرب أهلية فى العديد من الشوارع خاصة أن فوز ترامب جاء من الكلية الانتخابية وليس من التصويت الشعبى، وأظهرت استطلاعات الرأى أن 86% يعتقدون أن انقسامات المجتمع الأمريكى زادت مع وصول ترامب. هذا فعلا غريب لأن الرئيس الجديد عادة يتمتع بما يسمى «شهر العسل السياسى» فى بداية توليه الحكم. فعلا يتصادف نشر هذه المقالة مع أول يوم عمل رسمى للرئيس الجديد. السؤال اذن : هل سيتغير ترامب ؟ بالرغم من أن كل السياسيين حتى ذوى الخبرة يتم تعليمهم وتثقيفهم بمهام عملهم الجديد، فإن غرور ترامب المبالغ فيه بانجازاته السابقة، ثم اعتماده على أسرته فى العمل السياسى، هى عقبة فى طريق التغيير. ألم يعين زوج ابنته اليهودى المتعصب للمستوطنات غير الشرعية ولنقل السفارة للقدس رئيسا لكبار موظفين فى البيت الأبيض ؟ فى الحقيقة المخاوف أكثر من الآمال مع الرئيس الجديد. لمزيد من مقالات د.بهجت قرني;