كيف يمكننا أن نعيد قراءة سطور تاريخنا المعاصر بعيون جديدة؟ كيف يمكننا أن نقلب في أوراقه ونعيد فتح دفاتره . ومن ثم نعيد تقييم أحداثه ولكن هذه المرة بعيون مختلفة وعقل مفتوح وصدر رحب قادر علي تأمل تفاصيله بعيدا عن ذلك الرصد التقليدي القديم الذي دأب المؤرخون علي القيام به. بوابة التاريخ متسعة حقا.. تضم في رحابها أنسجة وخيوطا عديدة متشابكة. وبعيدا عن الأحداث السياسية الكبري التي خطت معها تاريخنا المعاصر وشكلت معالمه ومجرياته.. يمكننا أن نرصد( رؤي تاريخية جديدة) ووجهة نظر أخري مختلفة.. لا تقل أهمية عن وجهة النظر السياسية. التفاصيل اليومية لحياة الناس تأتي في المقام الأول.. حياة البشر تهمنا في هذا الرصد. عاداتهم.. سلوكياتهم.. طعامهم.. ملابسهم.. بيوتهم.. أفراحهم.. أحزانهم.. كل هذه التفاصيل الصغيرة تأتي هنا في المقدمة.. الشوارع.. الطرق.. وسائل المواصلات.. ملامح المدن والقري لها أهميتها أيضا في هذا الرصد. نحن إذن نعيد قراءة التاريخ من خلال هذا المنظور الخاص. وهو منظور ربما لم يلتفت اليه المؤرخون بشكل كاف.. فالأحداث السياسية المهمة الفارقة كانت دوما مصب اهتمامهم ودراستهم.. الأحوال( المجتمعية) و(الانسانية) تصبح هنا مفردا مهما من مفردات التاريخ وعاملا مؤثرا يجعل المؤرخين والمفكرين والباحثين يعيدون القراءة والتأمل في أوراق التاريخ, ومعها تختلف وجهات النظر وتتعدد الرؤي ويصبح للتاريخ وجوه مختلفة وأحسب ان هذه ميزة لا عيب. وهذا الرصد المجتمعي المهم لن نقدمه علي سبيل( الحنين) الي الماضي.. الي أيامه الجميلة التي ولت. لن يكون نوعا من( النوستالجيا) التي( نلوذ) بها حينما يعصف بنا الحاضر بكل همومه وأوجاعه ومشاكله.. لكننا نقدمها ونعرض لها من أجل أن( نفسر) و(نشرح) و(نحلل) تاريخنا وماضينا. و(نستشرف) كذلك مستقبلنا.. ومن هنا تحديدا تأتي أهمية مشروع( ذاكرة مصر المعاصرة) الذي تتبناه جامعة الاسكندرية عبر شاشة الكمبيوتر وشبكة الانترنت وايضا عبر مجلة ربع سنوية يرأس تحريرها الدكتور خالد عزب الذي يقود معه فريقا متخصصا من الكتاب والباحثين يعيدون قراءة تاريخ مصر عارضين لتفاصيل يومية حياتية مهمة ومؤثرة عايشها الشعب المصري ابان القرون الماضية.. ينبه خالد عزب هنا لأهمية دور المواقع الالكترونية أو المكتبات الرقمية في حفظ الذاكرة التاريخية.. فهذه الوسيلة تتيح للأجيال الجديدة الاطلاع علي التاريخ بشكل مباشر دون وسيط.. وهي أيضا تحفظ معها مواده ومصادره المختلفة مثل الأفلام والصور والكتب والدوريات والوثائق الخ.. فهي علي حد كلماته بمثابة سجل وطني يحفظ كل ما يتعلق بتاريخ الوطن في ذاكرة لا تختفي ولا تحترق بمرور الزمن. أوراق كثيرة مهمة تعرض لها مجلة( ذاكرة مصر المعاصرة) في عددها الجديد. تطل مصر هنا عبر الصفحات والكلمات والصور. هنا المثال العظيم محمود مختار.. وهنا أيضا مسلتا الاسكندرية و(ترمواي) مصر الذي يجوب شوارع المحروسة, وهناك كذلك بركة الفيل وبركة الأزبكية وخليج الفسطاط, ويتعرف القارئ ايضا علي واصف غالي كوجه أدبي الي جوار وجهه السياسي, ويشاهد أوراق البنكنوت المصرية القديمة ويحضر( البروتوكولات) والحفلات بالملابس الرسمية.. طوابع مصر التاريخية شاهدة علي أحداث فارقة عاصرها الوطن والعديد والعديد من المواضيع المهمة التي لا تتسع المساحة هنا لذكرها. نحن بحاجة الي قراءة التاريخ بعيون جديدة.. عيون تستشرف معها المستقبل.. فتقرأ سطوره وحكاياته الماضية وهي شاخصة ببصرها نحو الأيام المقبلة. نعم.. ما أحوجنا الي هذه القراءة.. * المحررة