ميادين العمل الطوعى الفعلى هى المجال الأمثل لتجلية معدن الشباب والرجال والبنات والسيدات فى مصر، ولن يتم التوصل لقيادات وكوادر محترمة جادة مبدعة إلا عبر هذه الميادين، بعدما أثبتت التجارب منذ الطليعة الوفدية والقمصان الخضر - مصر الفتاة - والأخرى الزرقاء - الوفد - والثالثة الكاكى - الإخوان - ومن بعدهم معظم التكوينات المشابهة أن المنهج التعبوى والاختيار عبر المهارات اللفظية والحركات التنظيرية لم يثمر عملاً سياسيًا ووطنيًا له أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية واضحة ودافعة للأمام!.. وإذا كان ثمة استثناء فإن شريحة من منظمة الشباب اسهمت فى مشروعات ردم المستنقعات، والتشجير ومقاومة الآفات والتصحر وفى محو الأمية، هى من استمرت معطاءة فى العمل الوطني، وأسست لتيار سياسى واسع سرت فيه بعد ذلك الأمراض السارية المتوطنة فى المجال السياسى المصري، وعلى رأسها مرض وثوب الطفيليين عديمى الموهبة العاطلين عن أى مقدرة للعمل الجاد المنتج على مواقع القيادة بحناجر جبارة ووجوه كالحة تصطنع الابتسام «عمال على بطال»!. لذلك كله تفاءلت خيرًا من زيارة وفد شباب الأحزاب لرئاسة الجمهورية لتقديم رؤاهم حول العمل التطوعي، ابتداءً من محو الأمية، ومازلت متوجسًا من فكرة مجلس للشباب مرتبط بالمؤتمر الذى انعقد فى شرم الشيخ، ولن يزول التوجس إلا بعد أن نرى مهام عملية واضحة فى ميادين العطاء الوطنى الطوعي!. ولقد كتبت منذ مدة بعيدة عن أن مصر عادت لمواجهة تحديات كانت قد تغلبت عليها مع مراحل تكوينها كوطن.. هى التحديات الطبيعية.. تحدى النهر والمياه العذبة بوجه عام.. وتحدى هجوم البحر من الشمال والصحراء من الغرب والشرق، أى تحدى التصحر.. والتبحر إذا جاز الاشتقاق!. لقد استطاع أجداد أجدادنا ترويض النهر وصد البحر عبر استصلاح مساحات هائلة فى شمال الدلتا، حيث الأراضى الرخوة والملاحات وغيرها، وفى الوقت نفسه كانوا حراسًا أمناء أقوياء للوادى والدلتا من الهجوم الذى كان يستهدفهما. ومع عودة تحدى الطبيعة وبضراوة، تكالبت تحديات أخرى لا تقل شراسة أهمها فى نظرى هو الأمراض النفسية الاجتماعية مع الأمراض الجسدية، التى تفشت فى التكوين الاجتماعى المصري.. ورصد علماء علم النفس الاجتماعى وغيرهم من المتخصصين هذه الأمراض الاجتماعية التى صارت تنتقل مع حامليها إلى المجتمعات الجديدة، التى طمحنا لأن تكون قاطرات تشد الأمة إلى الأمام فإذا بها (سبنسات) متهالكة مهدودة الحيل تتكاثف فيها تلك الأمراض حتى صارت هى نفسها منبعًا للجريمة المعاصرة!. ثم حدث ولا حرج عن تفشى عوامل التفتيت التى سعى خصوم مصر إلى النبش عنها وتنشيطها وتكريسها وتعظيمها.. تفتيت دينى وطائفى ومذهبي.. وتفتيت جهوى وتفتيت فئوي.. وهلم جرا حتى ارتد هذا المركب الحضارى العظيم، أى مصر، إلى عناصر تكوينه الأولى منفصلة مثلما تحول الماء إلى أكسجين وأيدروجين، فيفقد وجوده كماء يروى العطاشى من زرع وضرع وإنسان!. لقد جددت الرؤية الشبابية التى حملها الوفد الشبابى لرئاسة الجمهورية الأمل فى انطلاق الطاقات المصرية المختزنة فى عقول ونفوس وأجساد عشرات الملايين، ولعل أول المهام المرجوة هو أن يفرز الشباب قياداتهم من داخلهم لتنتهى وإلى الأبد وصاية محترفى السياسة، الذين يظنون أنه لن تأتى لحظة لينكشف زيفهم، أو أن يذهبوا هم بأنفسهم للتقاعد مستمتعين بما جنوه زورًا وبهتانًا من مغانم مادية ومعنوية!. إن الطريق لحياة سياسية فاعلة وسليمة لن يستقيم عبر البنية الحزبية القائمة الآن، وبدون الدخول فى التفاصيل فقد ظننا أن هناك أحزابًا تقودها شخصيات مرموقة مكانة وعلمًا قد ولدت لتبلور الليبرالية المصرية، وأخرى قد ائتلفت لتعوض فشل اليسار المصري، وثالثة قد أنشئت مدعية الاستقلال عن أى تيار سياسى وهلم جرا، ومع الأيام تبين أن الأمراض السارية المتوطنة فى الحركة السياسية المصرية وأعراضها هى الانقسام والاقتتال.. والتنظير والإنجاز الشفهى الزائف.. والاغتراب عن الواقع وغيرها، قد انتقلت إلى هذه التكوينات كى لا نفاجأ بأن «صفرا زائد صفر زائد صفر يساوى صفرا»!!. على ذلك يكون البديل هو انخراط تكوينات الشباب فى العمل الميدانى المباشر للاستجابة لتحديات الطبيعة، أى «التصحر والتبحر».. هجوم الصحراء وعدوان البحر.. والاستجابة لتحديات الأمراض الاجتماعية ومواجهة الظواهر السلبية، ثم الاستجابة لتحديات البناء فى طول مصر وعرضها! ومن ساحات وميادين العمل سيتم فرز القيادات والكوادر المؤهلة للقيادة، حيث الانتخاب الطبيعى وبقاء الأصلح باعتباره الأقوى!. ولأن الأمر يتصل بوطننا فربما يكون من حق من هم خارج الشريحة الشبابية، أى العواجيز مثلي، أن يتمنوا وجود مجالات للعمل الوطنى ينخرطون فيها لأداء دورهم، إضافة لدورنا المرتبط بتخصصاتنا المختلفة!.. ذلك أن مهام كمحو الأمية والتوعية الاجتماعية والسعى لإحياء ثقافى مصرى شامل يواجه موجات المد الإرهابى ومعه المد القاصر عن فهم صحيح للدين، هى مهام يمكن أن يمارسها الإنسان دون شرط من عمر أو قوة بدنية!. كل التحية والدعم لمبادرات شباب مصر وسعيهم للعمل الميداني، لأن ساعة العمل إذا دقت فلن تستطيع كل قوى الإرهاب والتخلف أن تعيد عقاربها إلى الوراء. لمزيد من مقالات أحمد الجمال