لم يلتفت أحد ممن بيدهم القدرة علي التخطيط والتنفيذ لما نادي به عديدون، كنت واحدا منهم، حول حتمية إشراك شباب مصر في منظومة مشاريع وطنية عامة تجعلهم يشعرون بأن ما ثاروا من أجله واستشهد بعضهم في سبيله ليس كلاما هائما في الأجواء، وليس معارك دامية لم يكن أحد يتوقع الوقوع فيها. لقد كتبت ولن أمل موجها ندائي للشباب الثائر في ميادين تحرير مصر كلها، أن الشعار المطلوب رفعه في المرحلة المقبلة هو "جمعة في الميدان .. وجمعة في الغيطان"، والغيطان التي أقصدها ليست حقول الزراعة فقط، وإنما كل مجالات العمل الوطني المنتج، سواء أنتج خدمة أو أنتج سلعة! وعقب هذا النداء اتصلت بي مجموعات منهم لتعلن أنها ملتزمة بالاتجاه للعمل الميداني لخدمة شعب مصر، وأنهم نزلوا للدلتا وبحري وصعدوا للصعيد وقبلي، واتجهوا غربا وبحثوا في كل هذه الأماكن عن مهام تستحق الانخراط فيها، وحدثني بعضهم عن مشروع للعمل في تطهير الصحراء الغربية المصرية من الألغام الحربية والمتفجرات التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وأنهم خاطبوا جهات دولية عديدة للتعاون في هذا المجال، ثم تساءلوا عن الجهات المصرية التي يمكن لهم التعاون معها في هذا الصدد! وها أنذا أكرر النداء ليس للشباب هذه المرة، فقد استجابوا ثم اصطدموا بالصخرة التاريخية المزمنة في مصر وهي غياب الجهات المسئولة، وندائي هو للقائمين علي الحكم من مجلس عسكري ومجلس وزراء ومجلس استشاري، ليبادروا مجتمعين أو منفردين بإعلان واضح في وسائل الإعلام فيه تحديد لمشاريع وطنية تحتاج الشباب للعمل فيها. وعلي سبيل المثال وليس الحصر، لماذا لا يبادر المحافظون كل في محافظته لمشاريع جمع وفرز وإعادة تدوير المخلفات المنزلية وغير المنزلية، وتخصص مساحات من الأرض ويتم تخصيص ميزانيات أو الدعوة للاكتتاب في هذه المشاريع المدرة للربح والمحافظة علي البيئة والمستوعبة لطاقات الشباب؟! ثم هناك مشاريع مناسبة لكل شريحة عمرية، وأيضا جهوية.. بمعني أن شباب الريف يمكن توجيهه لمشاريع غير موجودة إلا في الريف، وهكذا شباب المناطق الصحراوية وشباب المناطق الصناعية، وشباب المدن الصغيرة والكبيرة وهلم جرا، حيث الفئات العمرية معروفة ولا تحتاج لشرح! ففي الريف هناك حاجة ماسة للتصرف مع قش الأرز وحطب القطن وقش الذرة وخلافه، وأيضا مع مشاكل تطهير الترع والقنوات، ومشاكل الصرف الزراعي بشقيه المكشوف والمغطي، ومشاكل الصرف الآدمي أي المجاري، ومشاكل الطرق الترابية التي تتحول إلي معاجن طين، لا يستطيع أحد المرور فيها خلال موجات المطر في فصل الشتاء، وقد يتعذر وصول الناس إلي مصالحهم والأولاد إلي مدارسهم والمرضي إلي المستشفيات وعربات الإطفاء والإسعاف إلي مهامها.. وهذه عينات مما يمكن توجيه طاقة الشباب إليه. وقد سبق وكتبت عن مواجهة هجوم البحر "التبحر"، وهجوم الرمل "التصحر" علي حواف الوادي والدلتا والأجزاء الشمالية من محافظات الدقهلية وكفر الشيخ والبحيرة والإسكندرية ومطروح، بل إن هناك مناطق مهددة بالتبحر والتصحر معا، وهذا مجال هائل يمكن أن يستقطب ويستنفد طاقات مئات الآلاف من الشباب المتعطشين للعمل، ويحميهم من الانغماس في المهام التي لا طائل منها. ليت المجلس العسكري ومجلس الوزراء والمجلس الاستشاري يسمعون النداء.