أن يبادر الذين أسهموا فى ثورة 30 يونيو وتصدوا قبل تفجرها للإخوان المسلمين وخرجوا إلى الشارع لتنتصر ووقفوا مع الرئيس عبدالفتاح السيسى والجيش المصرى لاستكمالها، إلى تكوين مواقع على امتداد مصر تصير إلى أن تصبح حزبا سياسيا يحمل اسم تلك الثورة ويسعى لتحقيق ما دعت إليه من أهداف، هو فى نظرى الإجابة عن مجموعة الأسئلة الحقيقية الجادة التى طرحتها الدكتورة هدى جمال عبدالناصر فى مقالها المعنون «ماذا ننتظر»؟ الذى نشر بالأهرام يوم 15/10/2016، وهذه الإجابة ليست من بنات أفكاري، ولكنى استقيتها من جملة ذكرتها الدكتورة هدى فى مقالها تشير فيها إلى ما حدث فى فرنسا عند قيام الجمهورية الخامسة بقيادة ديجول، وكيف أن أنصارها بادروا لتكوين حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية»، دون أن يكون الرئيس ديجول رئيسا لذلك الحزب أو حتى عضوا به! إننى أدرك صعوبة تكرار التجارب التاريخية حرفيا، بل استحالة ذلك، لأنه ضد ما يسميه بعض فلاسفة التاريخ «بالصيرورة»، ولكنى أدرك لدرجة الإيمان أن الخروج من التاريخ له سبب جوهرى رئيسى هو عدم التعلم من دروسه وغياب الاستفادة من قراءته قراءة واعية، وفى هذا الإطار قدمت د. هدى وثيقة خطيرة هى ما قاله الرئيس عبد الناصر من تحليل دقيق لمرحلة مفصلية من تاريخ وطننا وعمر تجربة يوليو 1952، وقدم أيضا رؤيته لكيفية الاستجابة للتحديات الداخلية والإقليمية والدولية شديدة التعقيد والتى وبدون مبالغة تكاد ويا للصدفة تقترب جدا من ظروفنا الآن.. وهى وثيقة لها قيمتها بحد ذاتها، وخاصة لدارسى التاريخ وفلاسفته، ولكن قيمتها الكبرى هى فى الاستفادة منها على المستوى السياسى المصرى القائم الآن. وأعود لما أدعو إليه من ضرورة أن يبادر الوطنيون المصريون أنصار 30 يونيو إلى التأسيس لحزب الثورة، وأذهب إلى أن البداية هى سلسلة من الحوارات المخطط لها بين العناصر التى تجد لدى نفسها الرغبة والقدرة على العمل فى هذا الاتجاه، لينتج عن هذه الحوارات برنامج عمل له حدود زمنية ومضامين موضوعية لتحقيق المهمة. غير أن أخطر المهام فى نظرى هى ترجمة وعى تلك العناصر بواقع الحركة السياسية المصرية الحالية أى منذ نجاح ثورة يناير، لأنه واقع تحتشد فيه إيجابيات لا سبيل لإنكارها وتتزاحم فيه سلبيات تصادر أى سبيل وتقطع أى طريق وتجهض أى جهد يسعى للخروج من أزمة العمل السياسى الراهنة!.. ودليلى على هذا الذى يبدو متشائما هو قراءة واقع كل اتجاه سياسى موجود الآن وله حزب، ابتداء من أقصى اليسار الشيوعى مرورا باليسار القومى الناصري، وصولا لأقصى اليمين الرأسمالي، وهى قراءة تشير دون جهد إلى تفشى الأمراض السياسية فى تلك الاتجاهات وتكويناتها وكأنها عمدت بإرادتها الكاملة لحمل الفيروسات والسقوط للأمراض التى أرادها من عملوا على تفتيت الوطن وتفكيكه وتحويل الثوابت الوطنية إلى سراب. ومن هنا أظن أنه مثلما استفدنا درسا تاريخيا هو صعوبة بناء حزب أو تنظيم سياسى من أعلى السلطة، فإننا نستفيد درسا سياسيا معاصرا الآن هو صعوبة بناء حزب أو تنظيم سياسى لا تتوافر له الحصانة من الأمراض المتوطنة فى البيئة السياسية!. ثم إن قائلا قد يلفت نظرنا إلى أن تلك المبادرة موجودة ويمثلها تجمع أو جماعة أو الائتلاف الذى يحمل اسم «دعم مصر» وأن المنضوين فى هذا الائتلاف هم من أنصار 30 يونيو والقريبين من مبادئها وبحكم مواقعهم التشريعية فإنهم الأقرب لتحقيق أهدافها!. إننى لست بصدد إبداء الرأى فى ذلك الائتلاف أو فى قياداته البارزة التى تصادف أننى أعرف بعضهم وبيننا احترام فى التعامل، وإنما ما أنا بصدده وأدعو غيرى للتفكير فيه والسعى إليه هو العمل لإبداع صيغة سياسية فى إطار تنظيمى يجمع بين السيولة التى يتميز بها التيار السياسى وبين الانضباط الذى يجب أن يتوافر لأى تكوين سياسى حزبا كان أو تنظيما، وهنا يكون الكلام متصلا أكثر بسياق سياسى اقتصادى اجتماعى وفكرى يمتد على كل أرض مصر وليس مقتصرا على مهمة محددة بمدة زمنية، هى عضوية البرلمان والوجود فى السلطة التشريعية!. وحتى إذا كان ائتلاف دعم مصر هو فى نظر مؤسسيه وأعضائه يمثل «بللورة» حزب 30 يونيو، فإن ذلك يستدعى تجاوز حدود المهمة البرلمانية التشريعية إلى آفاق أكثر اتساعا.. أى باتساع مصر كلها!، وباستهداف توسيع دائرة الانتماء للتكوين المقترح لتضم كل من لديه قناعة بأن السبيل لمواجهة التحديات القائمة هو الاتحاد من أجل جمهورية 30 يونيو!. على صعيد آخر فإن التجربة.. ومعها المنطق يدفعانا باتجاه التساؤل عن دور الرئيس فيما نتحدث عنه.. لأن الرجل دائم التأكيد على أنه «فرد.. مواطن عادي.. شأنه شأن بقية الناس.. وأنه ليس زعيما.. إلى آخره»، بينما الواقع يؤكد أن السيسى مواطن عادى نعم.. لكنه فى الوقت نفسه يمثل الفرد التاريخى ولن أقول «الزعيم البطل».. وأعنى بالفرد التاريخى أنه الإنسان المواطن الذى شاءت الظروف التاريخية لوطنه أن يتحمل هو بذاته عبئا ومهمة ودورا لا يتحمله أحد غيره، وبما لا ينفى حتمية المشاركة معه!. وفى اعتقادى أن دور الرئيس فى التكوين المرتقب الذى يجد إلحاحا من عديدين لبنائه قد يكون هو دور المايسترو فى فريق العمل، يعرف تماما ما يؤديه كل من فى الفريق من مهام، ابتداء من مهام السلطات الثلاث والفصل بينها وانتهاء بدور بقية مؤسسات الوطن من نقابات ومنظمات وكفاءات وطنية!. ربما، بل من المؤكد، أن لدى الرئيس تكوينا ولو على شكل فرق عمل «خلايا» إدارة الأزمات وإنجاز المشاريع، وإلا لما كان هذا الإيقاع الرائع فى إنجاز ما أنجز وينجز فى غير مكان، والسؤال هل يمكن أن نفاجأ بأن هذه «الخلايا» المتخصصة ومعها الشباب من الذين يتم تأهيلهم للقيادة وقد أصبحوا عدة مئات أو ألوف، هم أساس التكوين الذى صار ضرورة وكلنا ننتظره؟. مجرد تساؤلات فى عقل بعض المهمومين بمشاكل الوطن. لمزيد من مقالات أحمد الجمال