بعد حالة الصدمة التي عمت ألمانيا من فوز دونالد ترامب المخالف لكل توقعات المراقبين واستطلاعات الرأي، تطغى نبرة تشاؤمية غير مألوفة على تصريحات غالبية المسئولين والسياسيين والخبراء هنا، فالبعض شبهه بستالين في حين يتوقع الكثيرون ان تتراجع اهمية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي بالنسبة لواشنطن خاصة على صعيد التعاون الأمني والعسكري وترتفع بشكل غير مسبوق الاصوات التي تطالب المانيا بالإسراع في تطوير قدرات الاتحاد العسكرية وتوحيد السياسات الاوروبية والامنية والتعامل مع واشنطن من موقع الشراكة الندية وليس التبعية. ورغم الإنتقادات التي حصدها ترامب من السياسيين الألمان خلال حملته الانتخابية لدرجة خرق الرئيس الالماني نفسه للأعراف الدبلوماسية والتحذير من خطورة فوزه، إلا أن اللافت هو استمرار هذه النبرة الحادة بعد فوزه بالانتخابات. وبعد ان توقع وزير الخارجية شتاينمايرعلاقات صعبة مع واشنطن خلال السنوات المقبلة بسبب صعوبة التكهن بسياسة ترامب وتراجع اهتمام الولاياتالمتحدة المتوقع بشركائها والإنكفاء على ذاتها، صرحت وزيرة الدفاع الألمانية اورزولا فون دير لاين بأن فوز ترامب لابد ان يكون دافعا مهما لألمانيا واوروبا للاستقلال عسكريا عن الولاياتالمتحدة وزيادة نفقات التسليح الأوروبي. وقالت الوزيرة أن المانيا بإعتبارها دولة كبرى في قلب اوروبا ستقع على كاهلها مسئولية مزدوجة خلال السنوات القادمة، اولا بناء الجسور مع امريكا- ترامب لأن الولاياتالمتحدة ستبقى ولسنوات أهم ركن في حلف الناتو ولا غنى عنها للمصالح الأوروبية الأمنية تحديدا. وثانيا ان تقوم المانيا بدور رئيسي في زيادة القدرات العسكرية الاوروبية وإقناع الشركاء الأوروبيين بضررة توحيد سياستهم الأمنية والعسكرية فعليا وبسرعة والتعبير عن المصالح والمواقف الأوروبية بكل ثقة في النفس امام الشريك الأمريكي، في توقع من الوزيرة بزيادة نقاط الخلاف في المستقبل القريب بين ضفتي الأطلسي. ما قالته وزيرة الدفاع الالمانية اكده ايضا جون كلود يونكر رئيس المفوضية الاوروبية ومفوض الشئون الاوروبية الألماني جونتر اوتينجر وعدد كبير من السياسيين الالمان الذين عبروا عن مخاوفهم من كون الاتحاد الأوروبي الآن امام مفترق طرق وعليه ان يبدأ مرحلة الفطام السياسي والعسكري من الولاياتالمتحدة في اسرع وقت وان يتوقف عن إعتبار نفسه اخا صغير للولايات المتحدة. وخرج باحثو الشئون الأمريكية في معهد السياسات الخارجية الالمانية القريب من الحكومة الألمانية يحذرون من ان إنتخاب ترامب يهدد قيم الديمقراطية الليبرالية التي تقوم عليها الوحدة الاوروبية، إذ انه يضع المواطن الأمريكي وحده نصب عينيه وسينتهج سياسة اقتصادية حمائية تضر بالاقتصاد الالماني والأوروبي وسيطالب الأوروبيين بتحمل اعباء اكثر في مناطق الصراع والنزاعات. لذلك فإن الدور الألماني لا غنى عنه في توحيد الصف الاوروبي رغم الأعباء المتوقعة في ميزانية الدفاع الألمانية والفرنسية ايضا لتكون الدولتان قدوة لشركائهما الاوروبيين، خاصة بعد ان فقد الاتحاد دولة محورية ذات ثقل عسكري وسياسي كبير مثل بريطانيا. ولخص مسئول السياسات الدفاعية والامنية في الكتلة البرلمانية لحزب ميركل الحاكم هننينج اوته المخاوف التي تسيطر على الأروقة الحاكمة في المانيا حيث قال انه لن يكون بإمكاننا الاعتماد على تدخل الولاياتالمتحدة في مناطق الصراعات والأزمات في العالم للمساهمة في ضمان امن اوروبا، فالسنوات المقبلة ستتطلب منا إرسال قواتنا واسلحتنا الخاصة لضمان مصالحنا بأنفسنا. وقد اتفقت اوروبا منذ عام 2003 على أن تكون لها سياسة امنية استراتيجية مشتركة ولديها وحدات اوروبية للتدخل في مناطق الصراعات منذ عام 2007 ولكن لم يتم تفعيل ذلك ابدا، ويبدو انه حان الوقت لذلك. اما السياسي المخضرم إلمار بروك رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي فكان اكثر وضوحا في التعبير عن نظرة الالمان لترامب فقال أن انتخابه سيغير النظام العالمي ويمكن ان يكون الخوف من سياساته دافعا قويا للأوروبيين لمزيد من الوحدة الأمنية والعسكرية والسياسية، مثلما كان » ستالين« في حقبة ما دافعا لتوحيد اوروبا، ترامب امامه فرصة لتكرار ذلك.