لماذا ترتفع معدلات التضخم وتلتهب الأسعار؟ النظريات الاقتصادية تقول إن السبب يمكن أن يرجع إلي مجموعتين من العوامل. فمن ناحية يمكن أن تزداد النقود في جيوبنا فننزل إلي الأسواق زنبحبحس علي أنفسنا ونشتري ما لذ وطاب, في حين أن حجم المتاح من السلع والخدمات مازال علي حاله ولم يزد.. فتكون النتيجة الطبيعية هي ارتفاع الأسعار. ومن ناحية أخري يمكن أن تبقي النقود التي تدخل جيوبنا عند نفس مستواها دون تغيير ملموس, ولكننا نفاجأ بنقص المتاح من السلع والخدمات في السوق, أو ارتفاع تكاليف إنتاج أو استيراد تلك السلع والخدمات, أو بأن بائعي تلك السلع يفرضون ما يعن لهم من أسعار دون ضابط أو رابط. في هذه الحالة سيرتفع ثمن السلع رغم أننا لم نقم من جانبنا بأي توسع في الإنفاق, أو زيادة في الطلب. بعيدا عن كلام الكتب والنظريات الاقتصادية, نحن نعرف شيئا واحدا.. الأسعار التهبت و رائحة الشياط فاحت. معدل التضخم بلغ15.5%. أسعار الخضر والفاكهة ارتفعت بأكثر من36%, وبنود الطعام الأخري ارتفعت أسعارها بأكثر من14%. تكاليف الرعاية الصحية ارتفعت بنحو31%, تكاليف التعليم ارتفعت بأكثر من11%, أما أسعار الخدمات الحكومية المحددة إداريا فقد ارتفعت بنحو10.6%. باختصار أسعار السلع والخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطن اليومية جميعها ارتفعت. لماذا ارتفعت الأسعار؟ البنك المركزي المصري يجيب بوضوح علي هذا السؤال. بيان لجنة السياسة النقدية في22 سبتمبر الماضي يقول بالحرف الواحد إن مستوي التضخم الحالي والمخاطر الصعودية المستقبلية ترجع بالأساس إلي عوامل مؤقتة من جانب العرض, وإن المخاطر الناجمة عن قوي الطلب لا تشكل في الوقت الحالي ضغوطا تضخمية مستقبلية. باختصار البنك المركزي يعلن براءة المستهلك المصري من تهمة بعزقة فلوسه يمينا وشمالا و الضغط علي الأسواق إلي حد انفجار الأسعار. البنك المركزي يؤكد أن ارتفاع الأسعار خلال شهر أغسطس قد جاء نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات المحددة إداريا, وعلي الأخص الكهرباء, وكذا ارتفاع أسعار اسطوانات البوتاجاز في ضوء اختناقات التوزيع, بالإضافة إلي ارتفاع أسعار الخضراوات الطازجة واللحوم الحمراء ورحلات الحج والعمرة. والحقيقة أنه يصعب بالفعل القول بأن ارتفاع المستوي العام للأسعار قد جاء بسبب الزيادة في الطلب. البيانات الرسمية توضح طوال الوقت انخفاض القيمة الحقيقية للأجور وليس زيادتها. فعلي مستوي العاملين بالحكومة تؤكد بيانات الموازنة العامة للدولة أن الزيادة في بند الأجور خلال السنة المالية الحالية أقل من5%. كما تؤكد بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن الزيادة في متوسط أجر العاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام خلال السنة المنتهية في ديسمبر2015 لم تزد علي3.7%. وحيث إن معدل التضخم يتجاوز15% فهذا يعني أن الأجور الحقيقية للعاملين في الحكومة والقطاع العام قد انخفضت ولم تزد! فهل يمكن اتهام من تنخفض دخولهم الحقيقية بأنهم السبب في زيادة الطلب والضغط علي الأسواق؟ وهل يمكن الحديث عن ذلك بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص الذين تشير البيانات الرسمية إلي أن متوسط أجورهم يقل بنحو45% عن متوسط أجور العاملين في القطاع العام؟ ارتفاع المستوي العام للأسعار يرجع في الأساس إلي سياسات رفع فواتير الخدمات الحكومية, و التوسع في الضرائب والرسوم علي السلع والخدمات, كما يرجع إلي نقص المتاح من بعض السلع في الأسواق, وارتفاع تكلفة إنتاجها أو استيرادها. إلا أن الصورة الحقيقية لا تكتمل إلا بإضافة عنصر سيطرة الاحتكارات علي صناعة وتجارة المواد الغذائية, والذي تصاعدت وتيرته خلال الأعوام القليلة الماضية. المحتكر يفعل ما بدا له لأنه يعلم أنه ينفرد بالسوق, وأن المستهلك لا حول له ولا قوة, وأن الدولة لن تتدخل. أقرب مثال هو ما حدث خلال الشهور الأخيرة لأسعار الأرز والسكر! الدخول الحقيقية للقاعدة العريضة من المواطنين لا تقوي علي احتمال ارتفاعات الأسعار, و برامج تكافل وكرامة المنفذة حتي الآن تغطي أقل من ربع الأسر تحت خط الفقر. الحكومة مازالت مستمرة في رفع أسعار الخدمات, وترفض وضع حد أقصي لهامش الربح في كل نشاط. ومع كامل التقدير لحملات الحكومة التفتيشية ومجمعاتها الاستهلاكية ومنافذها المتنقلة لبيع السلع الغذائية, فإن كل تلك الجهود مازالت أبعد ما تكون عن كسر شوكة الاحتكارات وضبط الأسواق أو توفير منافسة حقيقية تجبر التجار علي تخفيض الأسعار. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى