كان للأندلس دور كبير في التأثير على أوروبا والممالك المجاورة لها، وعند قيام الدولة الأموية في الأندلس كان يقصد قرطبة العديد من أبناء أوروبا لطلب العلم، حيث دام الحكم الإسلامي للأندلس قرابة 800 عام، وفي العصر الحاضر لا تزال منطقة جنوب إسبانيا تُعرف باسم الأندلس، وتعتبر إحدى المقطاعات التي تشكل إسبانيا الحديثة، وتحتفظ بالعديد من المباني التي يعود تاريخها إلى عهد الدولة الإسلامية في الأندلس، وتحمل اللغة الإسبانية كثيرًا من الكلمات التي يعود أصلها إلى اللغة العربية. إن تأثير المسلمين في بعض العلوم كعلم الطب مثلا دام إلى الزمن الحاضر، فقد شُرحت كتب ابن سينا في مونبيليه أواخر القرن الماضي، وإذا كان تأثير المسلمين في أنحاء أوروبا التي لم يسيطروا عليها إلا بمؤلفاتهم، فقد كان تأثيرهم أكبر من ذلك في البلاد التي خضعت لسلطانهم كبلاد إسبانيا. اسم الأندلس في اللغة اليونانية إشبانيا، والأندلس بقعة كريمتة طيبة كثيرة الفواكه، والخيرات فيها دائمة، وبها المدن الكثيرة والقواعد العظيمة، وفيها معادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق واللازورد والشب والتوتيا والزاج والطفل. والأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جبايتها، صينية في جواهر معادنها، عدنية في منافع سواحلها؛ وفيها آثار عظيمة لليونانيين أهل الحكمة وحاملي الفلسفة. الفلسفة والأدب في الأندلس أما الفلسفة، فقد ورث هذا العلم محمد بن عبد الله بن مسرة (269 - 319ه / 882 - 931م) عن أبيه عبد الله بن مسرة (ت: 286ه/899م) حيث ذهب الوالد إلى المشرق، وسار على نهجه الابن الذي رحل أواخر عهد الأمير عبد الله (ت: 300ه) إلى المشرق أيضاً، ثم عاد إلى الأندلس في مطلع القرن الرابع الهجري، فأظهر الزهد والورع، إلا أنه أخذ يبث تعاليمه بين تلاميذه. ونهض الأدب الأندلسي في فترة الحكم الإسلامي لها نهضة كبيرة، ساعد عليها ما كان من رقي سياسي ونهوض وتفوق اجتماعي، وأخذت هذه النهضة الأدبية عدة مظاهر منها: ظهور بعض الاتجاهات الجديدة في الشعر، وقد مثله ابن عبد ربه أحسن تمثيل، وكذلك أبو الحزم جهور بن عبد الله بن أبي عبدة من الأسرة المشهورة، وابن حزم الأندلسي صاحب "طوق الحمامة" [باختصار من كتاب "وصف الأندلس" للحميري]. من هنا أحسن القائمون على مجلة "الأندلس" صُنعًا؛ إذ اختاروا لها هذا الاسم، فهي مجلة علمية دولية محكمة، تصدر بثلاث لغات هي: العربية والإسبانية والإنجليزية، يصدرها أ.د.أيمن ميدان أستاذ الدراسات الأدبية ووكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا بالتعاون مع "مخبر نظرية اللغة الوظيفية" بجامعة "الشلف" الجزائرية، ويدير تحرير المجلة أ.د.محمد محمد عليوة أستاذ ورئيس قسم البلاغة بدار العلوم القاهرة ود.طاطه قرماز من الجزائر الأستاذ بجامعة الشلف الجزائرية. تُعدُّ هذه المجلة وريثة لمجلة الأندلس القديمة التي كان يصدرها أساطين الاستعراب الإسباني ميجيل أسين بلاثيوس وإميليو غارثيا غومث وفيرناندو دي لا جرانخا، وهي المجلة التي توقفت عن الصدور قبل نهايات القرن الماضي في كل من غرناطة ومدريد، واليوم تعاود مجلة الأندلس الجديدة التي أسسها الأستاذ الدكتور أيمن ميدان الصدور من القاهرة مستأنفة الدور الحضاري الذي اضطلعت به مجلة الأندلس القديمة، وتعتبر مجلة الأندلس نافذة علمية جديدة للدراسات الأندلسية عامة؛ فهي تعيد أمجاد مجلة "المعهد المصري للدراسات الإسلامية" التي كان يصدرها المركز الثقافي المصري بمدريد، وتوقفت عن الصدور منذ عهد قريب، هذا المركز الذي أنشأه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ليكون قنطرة اتصال بين المشرق وإسبانيا حاضرًا مشرقًا وماضيًا مشرقًا، فكان يهتم بالأندلس إبداعًا وتاريخًا وحضارةً. وهذه المجلة تُعني بالأندلس في المقام الأول، والعربية آدابًا وعلومًا في المقام الأخير، وتحتفي أيضا بالدراسات العلمية الجادة التي يقدمها الباحثون عربًا وغير عربٍ بالعربية ولإنجليزية والإسبانية. وتخضع المجلة للتحكيم العلمي الصارم، حيث ضمت لجنة التحكيم بها ثلة من المتخصصين المصريين والعرب والمستعربين الإسبان الذين مهدوا باهتماماتهم لصدورها. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر