أكد السيد جبران باسيل وزير الخارجية اللبنانى أن بلاده تواجه الإرهاب بضراوة لمنع تسلل الإرهابيين إليها، وأن الغرب ليس بمنأى عن تمدد «الظاهرة الداعشية»، وشدد على أنه لايمكن هزيمة التنظيم إلا بالتخلص من أفكاره. وأعرب باسيل فى حوار خاص ل«الأهرام» قبيل زيارة وزير الخارجية سامح شكرى بيروت مساء أمس، عن أمله أن تساعد مصر فى رأب الصدع بين بلاده ودول مجلس التعاون الخليجى. ما تقييمكم للعلاقات اللبنانية المصرية ولجوانب التقدم فى هذه العلاقات؟ على المستوى السياسى والثنائى، تتمتع لبنان ومصر بعلاقات مميزة. فلبنان يُقدّر ويُسلّم بدور مصر الريادى على الساحة العربية، ويرى أن مصر قادرة على أن تلعب دوراً طليعياً، كما أن مصر مسلّمة بدور لبنان التعددى ورسالة التسامح والتواصل مع العالم غير العربى. ونحن نلتقى اليوم أكثر من أى وقت مع مصر على مواضيع الإرهاب والتطرف الذى يسعى للدخول إلى الساحة اللبنانية. ما الجوانب التى تتطلب جهدا لتطويرها؟ وكيف يمكن دفع العلاقات الاقتصادية والشعبية؟ أعتقد أن الموضوع الذى يتطلب جهداً وعملاً هو الجانب الاقتصادي، فيما يتعلق بمستوى التبادل التجاري، والقطاعات الصناعية، والطاقة والقطاعات الزراعية، للاستفادة كلبنانيين من السوق المصرية، وكى تستفيد مصر من الطاقات اللبنانية. هذا النوع من التبادل، إن قمنا به نستطيع أن نصل إلى مستوى معين من التكامل بين الاقتصاد اللبنانى والمصري. تعد لبنان بتواجد مواطنيه فى الكثير من دول القارة الإفريقية؟ ما مستوى التنسيق اللبنانى المصرى فى إفريقيا؟ تعتبر مصر مدخلا جغرافيا إلى القارة الإفريقية، ولبنان لديه جاليات فاعلة اقتصاديا وهى ذات حضور قوي. أعتقد أن مصر قادرة على الاستفادة من هذه الطاقات اللبنانية بدخولها إلى العالم الإفريقى الذى تشكل جزءا منه، وكذلك تستطيع الطاقات اللبنانية أن تقدم لمصر امتيازات معينة فى قطاعات معينة. وعليه، فمصر يمكن أن تكون نقطة انطلاق للكثير من الأعمال اللبنانية فى القارة لأنها صلة وصل حقيقية كدولة عربية افريقية بين لبنان والعالم الإفريقي. وزير الخارجية اللبنانى فى أثناء حواره مع مندوبة الاهرام ما هو تقييمكم للعلاقات اللبنانية مع دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما السبيل للخروج بتلك العلاقات من المنحنى السلبى الذى انزلقت إليه أخيرا؟ فى المنطقة صراع مذهبى، ولبنان قائم بتكوينه على طوائف تتساوى عدديا وذات حضور مؤسساتى بين السنة والشيعة. الصراع القائم بين دول مجلس التعاون الخليجى وإيران ينعكس للأسف توتراً فى لبنان حيث يحاول كل طرف شدّ لبنان إلى محوره. ومادام هذا الوضع قائما سيبقى لبنان يدفع الثمن. فى الوقت الذى يمكن أن يلعب فيه دورا إيجابيا بتشجيع التواصل وتخفيف الاحتقان. وحتى يستطيع لبنان أن يلعب هذا الدور، عليه أن يكون قويا وغير متنازع عليه، وهذا يحتاج إلى إصلاح الوضع السياسى الداخلي. وعلى دول مجلس التعاون الخليجى أن تتفهم وضع لبنان، كما يجب أن يكون هناك تفهم من اللبنانيين بدرجة أكثر لضرورة تجنيب لبنان المشكلات بعدم إقحام نفسه فى هذه الصراعات. على المستوى الرسمى السياسي، هناك قناعة بذلك لكن ترجمتها ليست قائمة بالقدر اللازم، لذلك على مصر أن تلعب دوراً فى هذا الإطار، حيث إنها دولة عربية كبرى، فى مساعدة لبنان برأب الصدع القائم، دون أن تلعب دوراً فى محور معين لأن لديها فرصة استثنائية من خلال الحرب على الإرهاب التى تقوم بها على أرضها كى تقوم بها استباقيا واحتوائيا خارج أرضها. كيف تنظرون إلى العلاقات اللبنانيةالإيرانية؟ بين لبنانوإيران علاقات مميزة جزء منها مرتبط بوجود مكوّن لبنانى شيعى «وازن شعبيا»، وكذلك بالمؤسسات وجزء منها قائم بمساندة إيران للمقاومة فى لبنان ولمساعدته للوقوف بوجه إسرائيل وهى بمثابة الخطر الأكبر على لبنان. لقد استطعنا فى العام 2000 و2006 أعوام الغطرسة الإسرائيلية فى إيجاد عامل هو توازن القوة بين لبنان وإسرائيل، وكان لإيران الفضل الكبير فيه، لكن لا يجوز أن يتعدى دور إيران الإطار الذى يجب أن يحافظ به لبنان على نفسه. وفى الوقت الذى يقوم لبنان بمقاومة إسرائيل، عليه أن يقوم بدور فى مكافحة الإرهاب بشكل جامع وموّحد. الأزمة السورية تنعكس بشكل مباشر على الداخل اللبنانى وعلى علاقات لبنان الخارجية.. كيف تنظرون إلى هذه الأزمة وهل لديكم أى تصورات أو مقترحات للخروج منها؟ إن الأزمة السورية الناشئة فى العام 2011 غير منفصلة عن محاولات سابقة لتركيع سوريا كونها دولة مواجهة ومقاومة مع إسرائيل. وفى حين فشلوا فى حرب تموز 2006 فقد نجحوا فى العام 2011 بفعل وجود مسببات داخلية سورية، كعدم ولوج الإصلاح السياسى الكافى وإدخال كلمة وازنة أكثر للديمقراطية للشعب السورى أدى إلى استفادة دول خارجية حتى وصلنا إلى هذا الوضع. لقد خسرنا عاملا أساسيا بوجود دولة مدنية ذات نظام علمانى تتعايش فيه الطوائف مع بعضها البعض بحد أدنى من الاستقرار. ولا يمكن التعويض عن هذه الخسارة إلا بنشوء دولة مدنية الكلمة الأولى فيها للشعب السورى وليس للدين على طريقة حكم الشريعة، ولا غلبة للناس باسم محاربة الإرهاب الذى هو أولوية بالطبع عند الجميع إنما دون أن يمنع ذلك الناس من التعبير بمساحة من المشاركة. هذا الحل بات يشكل إدراكا للجميع، النظام كما المعارضة التى عليها التسليم أن لا حل فى سوريا إلا بالمشاركة الكاملة. وهذه هى تجربة لبنان الذى لم تنته الحرب فيه بهذا الاتجاه وأزماته السياسية إلا بهذه الطريقة. ومادامت سوريا تدفع الثمن فإن لبنان يدفع الثمن بشكل لصيق أيضا ويتأثر بالتداعيات نفسها. فمتى نستطيع، نحن اللبنانيين والسوريين، شعوبا وحكاما وأنظمة سياسية فى المنطقة أن ندرك انه من الضرر الاستمرار فى هذا الوضع فى سوريا، انه من المفيد لنا جميعا أن تنتهى الحرب وأن ندخل فى حل سياسى عادل ومنطقى تكون الكلمة الأولى والأخيرة فيه للشعب السوري، هنا يستفيد لبنان حين يعكس تجربته بالتعايش إلى سوريا. فالتعايش وحده لم يعد يكفى لأنه يجب أن يتلازم التعايش مع طمأنينة سياسية كاملة تحفظ لكل المكونات دورها وحجمها ومشاركتها الفاعلة بالسياسة والاقتصاد وبالحياة العامة. هل أنتم راضون عن دعم المجتمع الدولى للبنان فى التعاون مع أزمة اللاجئين؟ وما هى مطالبكم فى هذا الإطار؟ نحن غير راضين عن دعم المجتمع الدولي. فمن الناحية المبدئية، فإن التوجه الدولى يشجع على إبقاء السوريين فى البلدان التى يوجدون فيها، حيث تُعتبر إعادتهم إلى سوريا مسألة صعبة، كما أن إرسالهم إلى دول أخرى فى الغرب مسألة صعبة ومكلفة أيضاً، لذلك يعمل المجتمع الدولى على إبقائهم حيث هم. فما يسرى على الأردن كونه بلد نزوح.. وما يسرى على تركيا كونه بلدا ذا مساحة كبيرة وموارد لا يمكن أن ينطبق على لبنان، لأنه من حيث المقاربة السياسية والمبادئ السياسية هناك اختلاف كبير، ففى لبنان موضوع التوطين والاندماج ممنوع دستوريا وشعبيا، وهناك سببان يرتبطان بذلك فلا القدرة ولا سبب وجود لبنان يسمحان بذلك. ومن الناحية العملية، لسنا راضين عن دعم المجتمع الدولى لأن لبنان ذو إمكانات وقدرات محدودة، وصغر مساحته لا يجعله بلد لجوء إنما بلد هجرة حيث استطاع لبنان أن يؤمن هذا التوازن عبر هجرة مواطنيه إلى الخارج. أما المساعدات الدولية التى يحصل عليها النازحون فهى تتم بشكل مباشر وتحصل عليها المؤسسات الدولية حيث تكون نتيجتها تشجيع السوريين على المجيء إلى لبنان، وعلى البقاء فيه لأنه ليس هناك أى سياسة تدفع بهم للعودة إلى سوريا، ولا توجد أى سياسة واقعية لمساعدة الشعب اللبنانى والمؤسسات اللبنانية والقطاعات الاقتصادية اللبنانية. لذلك لم نستطع بعد عدة سنوات ومؤتمرات تحصيل أى شيء من مساعدات معينة للبنان حتى يستطيع الاستمرار فى استيعاب السوريين ومساعدتهم. كما أننا لم نستطع كسر الاعتقاد الخارجى باستخدام النازحين ورقة سياسية باللعبة السياسية الحاصلة بسوريا، كل على حسابه فى الضغط باتجاهات سياسية معينة، وباتجاهات انتخابية للحل النهائي. هذه الأمور كلها يدفع لبنان ثمنها، ذلك دون مساعدة من المجتمع الدولى الا ضمن حدود الإبقاء على استقرار لبنان، الذى هو أمر جيد مشكور عليه المجتمع الدولى حتى يبقى البلد من دون انفجار إنما ما يحصل فى لبنان بمثابة نزيف سينتهى بانفجار كبير. كيف يواجه لبنان الإرهاب الذى يعصف بالمنطقة كلها؟ يواجه لبنان الإرهاب باللحم الحي، بجيشه، بشعبه وعلى أرضه وبمنع الإرهابيين من احتلال المزيد من الأراضى ومن التوغل إلى الداخل اللبناني. لدينا مجتمع بالكامل، يرفض، عبر تربيته وثقافته هذا التطرف وأعتقد أنه لا يمكن الانتهاء من داعش إلا عبر التخلص من فكر داعش. نستطيع حصر داعش عسكريا وسياسيا، أو أن نوقف، وهذا أمر لم يحصل بعد، الدعم المادى المالى التسليحي. إنما الأهم من كل ذلك هو الانتهاء من فكر داعش، وأجدر من يواجهه ويهزمه هو الفكر اللبناني، لأن الفكر اللبنانى قائم على فكر نقيض لفكر داعش، القائم على الفوضى والأحادية. داعش يشجع على الفوضى لتكريس الأحادية بدلا من التنوع، حتى لا يبقى فى النهاية إلا فكر واحد هو فكر داعش، بينما لبنان يعيش على النقيض، على التنوع والتعايش واحترام صيغة وجود لجميع الأطراف والاعتراف ببعضهم البعض. لذلك فإن الحماية الحقيقية من داعش تكون عبر المجتمع اللبناني، الذى هو الكفيل بإيقاف تمدد داعش، ودون وجود مجتمع متنوع كالمجتمع اللبنانى ستحلّ داعش مكانه. وهذا المفهوم يصح فى الشرق وفى الغرب الغرب ليس بمنأى عن تمدد الظاهرة الداعشية والبرهان على ذلك هو أن فكر داعش انتشر فى بعض المجتمعات المضيفة له فى أوروبا حيث يوجد فيها بعض البيئات الحاضنة للانطلاق من هناك لتنفيذ الأعمال الإرهابية. وللأسف فإن موضوع النزوح يستعمل غطاء للإرهاب وهناك تقرير رسمى من المخابرات الألمانية عن جهد المتشددين الإسلاميين بتطويع النازحين. بالطبع فإن النازحين ليسوا كلهم إرهابيين، إنما هناك جزء منهم قابل إلى تقبل أفكار متطرفة بسبب أوضاعهم التى تتلخص فى الحاجة، والعوز، والرغبة بالانتقام والغضب، هذه كلها عوامل تدفع الإنسان إلى الجنوح نحو العنف عندما لا يأخذ حقوقه الطبيعية بالحياة الكريمة حيث يعتقد أنه يثأر لنفسه مما حصل له. هل يستطيع اللبنانيون تجاوز محنة الفراغ الرئاسي؟ يستطيع اللبنانيون تخطيها بوجود حل دائم وليس حلا سبق أن اعتمده لبنان وأدى إلى حصول نزوح وإرهاب. لذلك يجب ملء الفراغ كما يجب، وليس إلى ملء الثقوب التى تؤدى إلى فراغ مبعثر. إن الفراغ الرئاسى لا يمكن ملؤه إلا بمشاركة لبنانية حقيقية فيه واستعادة اللبنانيين الكلمة لهم باختيار رئيسهم وممثليهم، حتى تكون صناعتهم وطنية لكل مؤسساتهم الدستورية.