كانت البداية في جلسة مع بعض الأصدقاء من مختلف الأعمار حيث دار الحديث حول الحالة التي آلت اليها مدينة الإسكندرية ، والتدهور الذي أصابها ، والفساد الذي نخر في عظامها حتي هجرها الجمال وسكنتها العشوائيات ووجد فيها القُبح مسكناً مريحاً ، وغاب البحر إلي غير رجعة خلف الإنشاءات والمقاه التي أصبحت بطول الكورنيش وأصبح الباعة الجائلون هم أصحاب البلد والمتحكمون في شوارعها وأرصفتها والمواطنون هم الغرباء وعلت تلال القمامة لتنافس الأهرامات في إرتفاعها ،،، وبالطبع شاركني الأصدقاء في الشكوي وأضاف بعضهم أن هذا الحال طال كثير من محافظات مصر وأنه لم ينج منهم إلا القليل وأن الوضع بات مأساوياً في بعض المدن وأصبح يصيب بالإحباط ولا حياة لمن تنادي ،،، وهنا تنهدت بعمق وشردت ببصري وقلت لهم " كم كنت أتمني أن أعيش في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن العشرين حينما كان الحال غير الحال وكانت الإسكندرية عروس المتوسط قبلة الأجانب من كل البلاد الأوروبية فكان الحلاق يوناني والجرسون إيطالي والخباز إرمني ! وكانت القاهرة أجمل مدن العالم " وهنا كف الأصدقاء عن هز رؤوسهم موافقة علي ما أقول .. فقد هالهم علي ما يبدو كلامي حتي أن إحداهن وهي الأقرب الي قلبي قالت وهي تنظر لي بقلق " أنت يا بنتي أخده حباية ترامادول ؟ إيه اللي انت بتقوليه ده ؟ القاهرة أجمل مدن العالم ؟ أمتي وأزاي ؟ ومنين جبتي الكلام ده ؟ صغيرة أنت يا حبيبتي علي الكلام ده !!!! وبالطبع لم أستطع أن أمنع نفسي من الضحك .. بل حتي القهقهه .. فالصديقة التي أحبها تتهمني بتعاطي " الترامادول " لمجرد أنني ذكرت أن القاهرة كانت واحدة من أجمل مدن العالم متفوقة علي باريسولندن وروما !! ولا أخفيكم سراً أن كلامها رغم التهمة الشنيعة التي الصقتها بي قد أسعدني ولمس قلبي خاصة جملة " أنت صغيرة يا حبيبتي علي الكلام ده " ! نعم فما زلت صغيرة رغم سنوات عمري الكثيرة ،، فقررت أن تكون القاهرة هي موضوع حكاية هذا الأسبوع من خلال الصور والكروت بوستال التي نُشرت عن المدينة وشوارعها ومبانيها وبعد بحث وتقصي وجدت أن أصل الخبر نشرته صفحة ( Egyptian Royalty , Glorious days ) علي الإنترنت والمهتمة بشئون التاريخ والتراث التي قالت أن القاهرة حصلت علي وسام أجمل وأنظف مدينة في حوض البحر المتوسط وأوروبا عام 1925متفوقة بذلك علي عواصم اوروبية كبيرة وعريقة منها لندنوباريس وبرلين وروما وأثينا ؟ولهذا الفوز أسباب كثيرة منها نظافة الشوارع حيث كانت تُغسل كل ليلة بالماء والصابون وتُرش بالماء مرتين يومياً، كما أنها كانت مرصوفة جيداً والبلاعات تعمل بها بصورة جيدة ، أما الأرصفة فكانت خالية من الاشغالات وتتسع للسائرين ، أما الإضاءة فكانت مريحة ، كما كانت الأشجار بأنواعها تملأ جنبات الشوارع والجزر الموجودة بها... بإختصار كان وسط المدينة عبارة عن لوحات معمارية متميزة ومتجانسة ، وكانت واجهات المحلات التجارية لوحات بديعة وأنيقة ومتجددة ، أما الميادين فمتسعة وتضم عدداً من التماثيل لمشاهير الفنانين ومن بينها تمثال ( نهضة مصر )كما تقول الصفحة - وهذا خطأ فتمثال نهضة مصر تم رفع الستار عنه في حفلة ضخمة في ميدان باب الحديد 20 مايو 1928 - كما ضمت العاصمة عدداً من الحدائق الرائعة كحديقة الحيوان التي تضم مجموعة متميزة من الحيوانات والطيور وكانت في مقدمة حدائق الحيوان في العالم، وحديقة الأورمان التي تضم مجموعة من الاشجار والنباتات النادرة او حديقة الاندلس ذات التصميم المتميز، بالإضافة الي التقسيم والتوزيع الجيد للأحياء السكنية الهادئة تماما والأحياء التجارية والمناطق الترفيهية وكان الهدوء وعدم وجود ضوضاء سمة من سمات المدينة التي كان يقيم بها2 مليون مواطن من جملة سكان مصر وعددهم19 مليونا. بالإضافة الي إنتظام وإنتشار وسائل المواصلات بها، والأهم نظافتها ونظافة وأناقة وحسن سلوك العاملين بها، وكفاءة نظم الصيانة والإحلال والتجديد وعمليات التطوير والتجميل المستمرة ، وتعدد وتنوع الأنشطة الثقافية والترفيهية وفي مقدمتها المتاحف .. هذه هي الأسباب التي تسوقها الصفحة للتأكيد علي حصول القاهرة علي هذه الجائزة أو هذا الوسام الذي لا أشك للحظة أن القاهرة حظيت به ولكن كما تقول الدكتورة سهير حواس أستاذ العمارة بجامعة القاهرة و عضو مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى أنه لا يمكن الجزم بتاريخ محدد لحصول القاهرة علي هذا الوسام أو الجائزة ولكن المؤكد أن القاهرة كانت مُصنفة واحدة من أجمل مدن العالم في خلال الثلاثينيات من القرن العشرين وبالتحديد في فترة تولي الملك فؤاد عرش مصر حيث تبلورت بها كل العناصر التي يمكن أن تظهر الوجه الجمالي لأي مدينة وبالتحديد في العشرينيات وحتي منتصف الثلاثينيات ففُتحت شوارع جديدة وكبيرة وواسعة مثل شارع رمسيس وظهرت المباني الفخمة والأنيقة مثل معهد الموسيقي العربية وتم إفتتاح كوبري قصر النيل الجديد وتم وضع تماثيل لتجميل المياديل مثل تمثال سعد زغلول ومصطفي كامل ونهضة مصر ، كما قامت بلدية القاهرة بدور كبير في تجميل وتطوير المدينة حيث كانت بلدية قوية جداً ولها سلطات واسعة ودورها فعال فذاع صيت القاهرة بكونها مدينة جميلة ونظيفة حيث كانت تُغسل كل ليلة بالماء والصابون، كما أن شوارعها كانت مرصوفة جيدا وخالية من الإشغالات، والأشجار تملؤها، كما أنها امتازت بالتقسيم الجيد للأحياء السكنية الهادئة مثل الزمالك وجاردن سيتى بالإضافة الي أناقة وشياكة وسط البلد ( القاهرة الخديوية التي خططها الخديو إسماعيل بمبانيها وشوارعها الأنيقة التي كانت تضاهي شوارع باريس ) . كما ضمت القاهرة عدداً من الحدائق كحديقة الحيوان وحديقة الأورمان وحديقة الأندلس ، وبصفة عامة كانت القاهرة تجمع كل المميزات التي من شأنها أن تجعلها في مقدمة أجمل مدن العالم .