كانت «قاهرتنا» فى يوم من الأيام أجمل مدينة فى العالم. وقد لا يتصورأحد أن هذا كان حالها فى القرن العشرين بين عامى 1915 و1925، وأنها فى عام 1925 حصلت على وسام أجمل وأنظف مدينة فى دول حوض البحر المتوسط باعتبارها مدينة الأناقة فى تصميم مبانيها ونظافة شوارعها وانتظام حركة المرور بها. والآن حققت مدن العالم وعواصمه خطوات للأمام ، وتطورت إلى الأفضل على مر الزمان والأيام, إلا قاهرتنا التى انحدرت إلى ما هى عليه الآن. فكما يقول د.محمد حسام الدين إسماعيل أستاذ الآثار بجامعة عين شمس: حصلت القاهرة على لقب أنظف مدينة فى أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، والسبب أن أوروبا دمرتها الحرب العالمية الأولى التى خاضتها عام 1914، لتحافظ القاهرة على جمالها وأناقتها فى تلك الفترة. أما الدكتورة سهير حواس, أستاذ العمارة بجامعة القاهرة و عضو مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى, فتقول إن القاهرة فى تلك الفترة امتازت بأنها مدينة جميلة ونظيفة حيث كانت تغسل كل ليلة بالماء والصابون، كما أن شوارعها كانت مرصوفة جيدا وخالية من الإشغالات، والأشجار تملؤها، كما أنها امتازت بالتقسيم الجيد للأحياء السكنية الهادئة مثل الزمالك وجاردن سيتى. وكان الهدوء أهم سماتها, وأعنى القاهرة الخديوية، ولم تدخل القاهرة التاريخية (مصر القديمة والجمالية والحسين) فى هذا التنافس، وقد امتازت بانتشار ونظافة وسائل المواصلات بها، وكفاءة نظم الصيانة والتجديد. كما ضمت عددا من الحدائق, كحديقة الحيوان التىكانت في مقدمة حدائق الحيوان في العالم، وحديقة الأورمان التي تضم مجموعة من الاشجار والنباتات النادرة، وحديقة الأندلس ذات التصميم المتميز. وبصفة عامة كانت القاهرة ككل متحفا يجمع بين عصورها المختلفة منذ منف عاصمة الدولة القديمة فى مصر الفرعونية, وصولا إلي عصر أسرة محمد على.. هذه كانت أهم اسباب منح قاهرتنا ذلك الوسام. فالمدن التنافسية توضع لها المعايير: ويمكن تلخيصها فى معيار جودة الحياة (الناس) بعيدا عن التلوث البصرى والسمعى واللفظى و البيئى ، حيث كانت وسائل الموصلات تتحرك فى سرعة، فتحقق سهولة الحركة داخل المدينة. هجرة داخلية واستمرت القاهرة بهذه النظافة والأناقة والجمال حتى ظهرت القوانين الرخوة وتبدلت مقومات جمال القاهرة، وبدأت رحلات الهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة، بالإضافة إلى سفر طبقة المثقفين إلى الخارج, من مدرسين واساتذة الجامعة وأطباء ومهندسين, وطبقة العمال أيضا خاصة بعد حرب اكتوبر1973 وعودتهم بحلم «البيت» الخرسانى, مما كان له تأثير سلبى على القاهرة. وتضيف الدكتورة سهير حواس:كان لبعض القوانين والتشريعات أثرا سلبيا وسيئ ليس على القاهرة فقط بل على مصر كلها، فالمبانى ارتفعت وأصبحت لا تخضع لاشتراطات البناء، وبدأ تغلغل العشوائيات, مما غير وحدة كل حى فلم يعد هناك طابع مميز لكل حى أو محافظة. وأصبحنا نجد مدناً كاملة فوق أسطح عمارات القاهرة الخديوية كما شاهدنا فى عمارة يعقوبيان- وأيضا قوانين الإيجار التى حددت القيمة الإيجارية بثمن بخس، وأصبح المالك لا يكتسب شيئا يذكر, كما أنه لا يستطيع طرد الساكن إذا لم يدفع الايجار مما أدى إلى إهماله صيانة العقار. وهناك سبب آخر لا يمكن إغفاله وهو منظومة التأمين التى شملت عدة عقارات فى وسط البلد (القاهرة الخديوية), وأيضا السماح بتواجد المصالح الحكومية والمدارس بها. حلول منطقية الحل كما تقول هو تطبيق قانون التنسيق الحضارى، وأيضا تطبيق وتفعيل قانون اتحاد الشاغلين فى إطار قانون المبانى، فهذا يمكنه حل جزء من المشكلة، بالإضافة إلى تسجيل المنطقة وهذا النظام معمول به فى كل الدنيا. وتذكر د.سهير حواس حضورها مؤتمرا فى مدينة «ليون» الفرنسية حول المدن التنافسية وكيف وصلت للجودة وفقا للمعايير الدولية، وتساوى معايير جودة الحياة بكل المدن سواء فى حى تقطنه طبقة راقية أو متوسطة أو فقيرة أو مستشفى حكومى أو خاص، فالاختلاف الوحيد فى درجة الرفاهية فقط.