لا يشترك هؤلاء الثلاثة فى أنهم أمريكيون فقط، ولكنهم أيضا ينتمون إلى مجموعة المهمشين فى المجتمع الأمريكي، المعذبون فى الأرض، سواء كانوا من السود أو المهاجرين غير المندمجين فى المجتمع. يجمع بينهم أيضا بطريقة أو بأخرى الارتباط بالإسلام، دينيا أو إعلاميا، أحدثهم هو الشاب عمر ماتين، الذى يبلغ الثلاثين من عمره فى نوفمبر المقبل، المولود أمريكيا من أصل أفغاني، والذى تسبب فى أكبر مذبحة فى ولاية فلوريدا، فى مجمع أمريكى يسيطر عليه العنف أساسا، حيث هاجم ناديا ليليا للمثليين وكانت النتيجة 49 قتيلا، و53 مصابا. أعطت هذه المذبحة للإعلام المعادى للإسلام، الذى يبحث دائما عن الإثارة، أفضل فرصة لربط الإسلام بالعنف، بل وبالإرهاب، أفاض هذا الإعلام أنه فى الدقائق الأولى التى أعقبت المذبحة، والدماء تسيل على الأرض، قام عمر ماتين بالكتابة فى شبكات التواصل الاجتماعى أنه ينتمى لداعش، وعلى اتصال بجبهة النصرة! أليس هذا أقوى دليل على أنه مريض نفسيا، حيث وسط الأيدى الملطخة بالدماء، والجثث التى تملأ الأرض، يعتقد هذا الشخص أن إحدى الأولويات هى وجوده فى شبكات التواصل الاجتماعي! فعلا تاريخ عمر ماتين منذ طفولته، يؤكد حالة نفسية غير سوية، وميلا واضحا للعنف، ففى أثناء طفولته وصباه تم طرده من ثلاث مدارس مختلفة بسبب سوء سلوكه وبلطجيته، كما أن زوجته الأولى لم تستطع العيش معه إلا أربعة أشهر فقط، واتهمته بضربها، وعدم الاستقرار النفسي، بل هناك شائعات أيضا بأن شعوره تجاه المثليين كان غريبا بعض الشيء من أنه يذهب لأماكنهم المعروفة، بل حتى حاول الارتباط ببعضهم. الشواهد إذن أنه مريض نفسيا، ولكن هذا لا يمنع كونه فى العقلية الجماعية الأمريكية وحتى العالمية أنه «مسلم»، وأنه قال إنه قام بجريمته دفاعا عن الإسلام، لذلك فإن أوباما أعلن وكرر أنه لا يجب التعميم من سوء سلوك فرد يعلن أنه ينتمى للإسلام، لإدانة هذا الدين ككل. الرئيس الأمريكى باراك حسين أوباما، هو وجه آخر للإسلام الأمريكي، صحيح أنه لم يعلن إسلامه بالمرة، رغم تأكيد خصومه أنه ينتمى لهذا الدين، بل أصر على أن ارتباطه بالدين الإسلامى يرجع إلى ديانة أبيه الكينى المسلم، وأنه نشأ مع أمه وجدته الأمريكيتين فى بيئة مسيحية، ومهما يكن شعور أوباما الحقيقي، وقيود السياسة الأمريكية، وقواعد الوصول إلى البيت الأبيض، فإنه لم يخف جذوره بالمرة، بل ذهب إلى كينيا لمقابلة جدته، وكان أول خطاباته الدولية من جامعة القاهرة فى يونيو 2009، أى بعد أقل من ستة أشهر من وصوله للبيت الأبيض، ومادامت مدة أوباما الرئاسية ستنتهى فى خمسة أشهر مع انتخاب رئيس (أو رئيسة) جديد فى نوفمبر المقبل، فقد تكون للعالم الإسلامى خطة للاعتماد على أوباما فى إعطاء صورة مختلفة عن الإسلام، ما أحوجنا إلى هذه الصورة المختلفة. حالة الملاكم العالمى محمد علي، المعروف سابقا بكاسيوس كلاي، الذى توفى هذا الشهر، هى الأكثر وضوحا فى ارتباطها بالإسلام، وبصورة غاية فى الإيجابية، فهو بطل عالمي، فمنذ وصوله إلى القمة فى منتصف ستينيات القرن الماضي، خاصة خلال حياته الرياضية فى حلبة الملاكمة، التى استمرت 22 عاما، وما لا يقل عن 61 مسابقة للاحتفاظ بلقبه، فاز فى 56 منها، بينها 37 بالضربة القاضية، هو إذن ليس فقط بطلا، بل أسطورة أو «الأعظم»، كما يسميه حتى خصومه. فقد جاء على غلاف مجلة «التايم» الأمريكية والأشهر عالميا أربع مرات فى أقل من أربعين عاما: 22 مارس 1963، 8 مارس 1971، و27 فبراير 1978، و28 يناير 2002، وكما يقول الكثيرون وليس فقط السود الذين شبوا على الحياة منذ خمسين عاما فإن محمد على كان قدوة لهم فى عالميته ومبادئه، مثلا إن أشهر مجموعة غنائية بريطانية فى القرن الماضى «البيتلز»، عندما ذهبت إلى الولاياتالمتحدة أصرت على الإعلان عن أولى حفلاتها باستخدام صورة لها مع محمد علي. ما يميز محمد على ليس فقط بطولته ونجوميته، ولكن أمانته مع نفسه، والإصرار على مبادئه، ففى أوج مجده عندما فاز بالبطولة فى 1964، أصر على أن يعلن اعتناقه الإسلام، وأن يتخلى عن لقبه القادم من «فترة العبودية»، ويترك اسم كاسيوس جانبا ليصبح محمد علي، فى هذا الوقت كان الإسلام خاصة منظمة السود الأمريكية شيئا سلبيا بسبب ارتباطه بالكثير من مظاهر العنف بين الأفارقة الأمريكيين، ولكن محمد على أصر على موقفه، بل أهان بعض الصحفيين الذين ترددوا فى تسميته باسمه الإسلامي، وبعضهم خوفا على شعبيته. وكما قال الرئيس أوباما فى تأبين محمد على كلاي: «لم يكن فقط مقاتلا شجاعا فى حلبة الملاكمة بل أعطانا القدوة فى التمسك بمعتقداته، والدفاع عنها بإصرار، لقد دافع من أجل كرامتنا. الإسلام الغربى ليس فقط مذابح باريس وبروكسل، والأمريكى ليس فقط المريض نفسيا عمر ماتين، لكنه أيضا زعماء وأبطال خفيفو الظل، وصانعو التاريخ مثل محمد علي، فلنؤكد مثل هذه القدوة فى حديثنا عن الإسلام والمسلمين، خاصة عندما نتكلم فى المحافل الدولية، والإعلام الخارجى. لمزيد من مقالات د.بهجت قرني