"أنا الأعظم.. أنا الأعظم"، هكذا كان يصيح أسطورة الحلبات الملاكم الأمريكي كاسيوس مارسيليوس كلاي جونيور، والذي غير اسمه فيما بعد ليصبح محمد على كلاي، ولم يكن صياحه مجرد حماس زائد من ملاكم طرح خصمه أرضًا بل كان كلاي يعني ما يقوله، إذ يشهد سجل انتصاراته الرياضية بأنه بالفعل أعظم ملاكم عرفه العالم إلى الآن. ولد كلاي في السابع عشر من يناير عام 1942 في مدينة لويفيل بولاية كنتاكي الأمريكية لعائلة تنتمي للطبقة المتوسطة من الأمريكيين السود، ليصبح فيما بعد رياضي القرن وهو اللقب الذي أطلقته عليه هيئة الإذاعة البريطانية BBC عن جدارة، بعد أن حصل على بطولة العالم للوزن الثقيل لثلاث مرات وهو الإنجاز الذي لم يسبقه إليه أحد. بدأ كلاي مشواره الرياضي في سن الثانية عشرة بممارسة الملاكمة في إحدى صالات الألعاب الرياضية المحلية، ثم بدأ نجمه يلمع أكثر وأكثر مع تكرار فوزه في عدد من المسابقات حتى حصل على ميدالية أولمبية قبل أن يتجاوز عمره 18 عامًا، وفي العام ذاته اتجه للاحتراف حيث خاض على مدار ثلاث سنوات 19 مباراة فاز بها جميعًا. حصل كلاي على بطولة العالم ثلاث مرات في أعوام 1964 و1974 و1978، ليؤكد تربعه على عرش الملاكمة العالمية، وأنه يمتلك مهارة فريدة تحدث عنها كلاي بأنه "يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة"، كما سجل رقمًا قياسيًّا كصاحب أسرع وأقوى لكمة في العالم بلغت قوتها نحو 1000 بواند. أشهر كلاي إسلامه أمام الجميع بعد حصوله على بطولة العالم لأول مرة عام 1964، إلا أنه كشف عن تحوله إلى الإسلام استغرق منه سنوات من التفكير والمقارنة بين الإسلام والمسيحية التي كان يعتنقها، وكانت بداية تفكيره في اعتناق الإسلام عندما اصطحبه أحد أصدقائه المسلمين إلى مسجد استمع فيه لدرس عن الإسلام، أحس بعدها بأن نداءُ قويًا يصيح بداخله إلى البحث عن الحقيقة، بدأ بعدها مشوارًا مرهقًا للبحث واجه فيه صعوبة تشويه صورة المسلمين في مجتمعه وتصويرهم على أنهم شعوب همجية يرجع أسباب تخلفهم إلى الإسلام. وكما عانى كلاي من العنصرية بسبب لونه الأسمر في مجتمع يعاني مرض التمييز، عانى أكثر بعدما فاجأ الجميع فوق الحلبة وتحت أضواء كاميرات التليفزيون بقوله "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، ورغم ما لقيه من عداوات بسبب تحوله إلى الإسلام إلا أنه زاد إصرارًا على الاستمرار في طريقه الذي وصفه بالتعبير القرآني "فطرة الله التي فطر الناس عليها". ومنح الله كلاي موهبة إضافية أضيفت إلى مهارته حيث لم يكن فقط يتنبأ بنتيجة المباريات التي يخوضها، بل كان يحدد الجولة التي سيهزم فيها خصمه وغالبًا ما كانت تتحقق هذه التنبؤات. ورفض كلاي الالتحاق بالقوات المسلحة الأمريكية بعد أن اجتاز اختبارات اللياقة عام 1966، ما وضعه في موقف خطير، إذ كانت الولاياتالمتحدة في حالة حرب مع فيتنام، لكن كلاي أصر على موقفه من عدم دخول الجيش الأمريكي وعلل ذلك بأنه يرفض دخول بلاده في هذه الحرب مثل الكثير من الأمريكيين في هذا الوقت، وقال "هذه الحرب ضد تعاليم القرآن ونحن كمسلمين لا يفترض أن نخوض حروبًا إلا إذا كانت في سبيل الله ورسوله"، وأدت معارضة كلاي لسياسة أمريكا وقرارها خوض حرب فيتنام إلى صدور قرار بحرمانه من لقبه وعدم السماح له بممارسة الملاكمة داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنعه من السفر خارج البلاد. أصيب كلاي بالشلل الرعاش عام 1984، توالت بعدها انتكاساته الصحية، ففي 2005 تدهورت صحته المر الذي استدعى احتجازه في المستشفيات على فترات متقطعة، ثم نقل إلى المستشفى في 2013 في حالة حرجة إثر تطور حالته ليصاب بالتهاب في الرئة والجهاز البولي، حتى إن شقيقه أعلن أنه يمكن أن يرحل في أي لحظة. انتقل محمد علي كلاي إلى جوار ربه مساء أمس الجمعة عن عمر ناهز ال74 عامًا بعد صراع طويل مع المرض استمر لأكثر من ثلاثة عقود، وصراع مرير مع عنصرية اللون والدين وسياسات استعمارية بغيضة.